أحدث الأخبار
عن تطوير المحتوى التعليمى للغة العربية
عام دراسى جديد يهل علينا بحموله وانشغالاته ومشكلاته المزمنة، نتمنى أن يكون استهلاله لطيفا ووقعه مريحا على الأسر المصرية وعلى الأبناء والبنات فى مراحل التعليم المختلفة.
فى القلب من هموم التعليم المصرى، طرائق التدريس والمحتوى التعليمى للمواد الدراسية. أتوقف هنا فى هذا المقال عند طرحٍ واجتهادٍ شخصى فيما يتعلق بالمحتوى التعليمى وطريقة تدريسه للغة العربية.
سأتخذ من نص مقرر على طلاب الثانوية العامة نموذجا ومثالا لما أقوله. النص لأحمد شوقى وعنوانه (غربة وحنين) وهو من أشهر النصوص وأقدمها فى منهج اللغة العربية للصف الثالث الثانوى.
أتصور أن مفتاح أى عرض أو شرح أو تلخيص أو تحليل ــ فى ظنى ــ هو إثارة فضول وشغف المتلقى (فى حالتنا هنا طالب المرحلة الثانوية).
إثارة فضوله وشغفه فى أن يعرف أولا ما يقدم له من معلومات وتحليل عن النص الذى يدرسه، وثانيا عن صاحبه الذى كتبه، وثالثا حثه على البحث عن مزيد من المعرفة حول هذا الموضوع بصورة ممتعة، تخلو من الإلزام والتقليد، وتسعى لكسر الجمود فى العملية التعليمية، وتلقى المعلومات وليس اكتشافها.
فى نموذجنا المختار، نصٌ لأمير الشعراء أحمد شوقى.. أتصور أن السؤال المطروح هو: كيف يمكن أن نقدم محتوى معرفيا مفيدا وجاذبا ويحقق الهدف المطلوب منه للطلاب؟
كيف يتحقق لهم ــ من خلال ما يقدمه لهم الكتاب المدرسى ــ الإلمام الكامل بتفاصيل هذا النص وطرائق تحليله جماليا واكتساب القدرة على استشفاف وجهه النضر والجميل (وليس وجهه الأغبر القديم التقليدى المكرور الجاف المنفر.. بالطرق العقيمة التى تكاد لا تتغير)؟.. للإجابة عن السؤال السابق، أتصور ما يلى:
أولا: بعد عرض النص مضبوطا مشكولا، تسبقه لمحة موجزة عن حياة صاحبه وإشارة لأبرز محطاته الحياتية والشعرية، لابد من الاستعانة بالصورة والروابط الإلكترونية، كلما أتيحت الفرصة لعرض مواد مرئية أو مسموعة، تتعرض لحياة أمير الشعراء بالعرض والكشف والتحليل.
الاستعانة بمقاطع الفيديو هنا، والإحالة إلى الوسائط السمعية التسجيلية (برامج إذاعية خاصة عن حياته ــ برامج تعرضت لإلقاء أضواء على سيرته وشعره) يثير الرغبة والفضول للتعرف عليها وكشف محتواها، هذا يقود إلى تلقى المعلومات المطلوب ترسيخها عن الشاعر دون عناء أو فرض أو بطريقة السير فى خط واحد.
ثانيا: لابد حين التعرض لشرح المفردات والألفاظ والتراكيب الخروج من الشكل التقليدى (المهيأ للحفظ والتلقين واجترار المعلومات) لابد من تغيير الصيغ الرئيسية التى يتم من خلالها عرض المادة وتحليل النص، مثلا لابد من البحث عن بديل لتعبير (مواطن الجمال) فلتكن مثلا «جماليات النص» أو «كيف نتذوق النص؟».
وفى شرح معانى المفردات والألفاظ فلنجعلها مثلا«خزانة اللغة» أو «كنز الكلمات»... إلخ.
مع مراعاة اختيار كلمات بسيطة وشارحة، والابتعاد عن التقعر والألاعيب اللغوية المنفرة أثناء العرض والشرح، يعنى مثلا فكرة أن يكون لكل كلمة «مضاد».. هذا، فضلا عن مفارقته للمنهجية البحثية العلمية والانضباط المفاهيمى، من الممكن هنا الاستعانة بكلمة «مقابل» والتمسك باستخدامها فى كل تعاملاتنا مع القراءة والنصوص عموما.
كلمة «مقابل» أدق من كلمة «مضاد» كذلك لابد من التنبيه على فكرة أن التعامل مع هذه الثروة اللفظية هى فى الحقيقة أشبه بالألعاب الترفيهية الممتعة منها إلى الفرض والقسر والتقرير، فلتكن هناك إشارة إلى هذا المعنى خلال العرض وشرح النصوص.
ثالثا: البعد عن القالب التقريرى العقيم فى تحليل أبيات النص والكشف عن جمالياته، مثلا محاولة شرح وتفهيم الطلاب أن التشبيه والاستعارة والكناية، كلها مما يدخل تحت مسمى «الصورة الفنية» أو «الصورة الجمالية» وأن براعة الشاعر هنا هى فى قدرته على إثارة ملكة الخيال لدى القارئ برسم صورة متكاملة العناصر؛ صوتا ولونا وحركة... إلخ عن طريق الإمكانيات التى أتاحتها له اللغة العربية؛ مفردات وألفاظا وتراكيب وصولا إلى النص ككل.
رابعا: إلحاق قائمة إرشادية بسيطة لأهم وأبرز الكتب التى تناولت سيرة أحمد شوقى وشعره (غالبًا ما تكون هذه القائمة محفزة ومحرضة للطموحين من الطلاب إلى إشباع معرفتهم بالموضوع وصاحبه فيما بعد.. وفى بعض الأحيان تلعب دورًا جاذبًا فى اقتناء الكتاب من باب معرفة ما سيقترحه له مؤلفوه من عناوين وأسماء كتب أخرى تدور حول موضوعات وشخصيات وقضايا أدبية وجمالية... إلخ)