أحدث الأخبار
لم يمر الخميس الماضي، 20 أكتوبر، على رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيلبان، والكثير من المسئولين ورجال السياسة بباريس، مثل أي يوم سابق، إذ من المؤكد أنهم ذهبوا إلى فراشهم بانتهاء اليوم غاضبين جدا، بعد صدور كتاب "امراؤنا الأعزاء جدا" في فرنسا.
فقد كشف مؤلفا الكتاب وهما صحفيان فرنسيان، ليس فقط عن تلقي كثير من رجال السياسة في فرنسا، أموالا من دول الخليج لاسيما، سفارة قطر في باريس، ولكن أيضا، "تسول" هؤلاء الساسة لدى الدبلوماسيين الخليجيين وطلبهم "أموالا" وخدمات بشكل فاضح.
ومن بين هؤلاء الساسة الذي ورد اسمهم في الكتاب، رئيسة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، التي كشف الكتاب أن رحلتها إلى مصر، العام الماضي، للقاء الرئيس السيسي وشيخ الأزهر، كانت بتمويل دولة الإمارات.
ويثور الجدل في المجتمع الفرنسي منذ أعوام حول ما إذا كانت قطر والسعودية تمولان الإرهاب والجماعات المتطرفة في أوروبا والشرق الأوسط، لاسيما بعد سلسلة الهجمات الإرهابية التي هزت باريس وخلفت مئات القتلى وتحول فرنسا إلى هدف أولي للجماعات المتطرفة.
وفي تلك الأجواء، وجه الصحفيان الفرنسيان المختصان في الشئون الخارجية، كريستيان شيسنو من راديو "فرانس انتر"، وجورج مالبرونو من صحيفة "لوفيجارو"، صفعة قوية للنخبة السياسية الفرنسية، بكتابهما "أمراؤنا الأعزاء جدا Nos très cher émirs" الذي نشرته دار "ميشيل لافو"، ليشعلا الساحة السياسية، قبل شهور من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بـتعرية الكثير من أفراد النخبة السياسية، واتهامهم بتلقي أموال والتسول لدى ممالك الخليج، التي تدعم في نفس الوقت الإرهاب، وترتكب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، بحسب الكتاب.
هذه الفضيحة دفعت بعض المسئولين، مثل وزيرة العدل السابقة، وعمدة الدائرة السابعة الفاخرة في باريس، رشيدة داتي، ووزير العلاقات مع البرلمان، جان ماري لوجوا، لرفع دعاوى قضائية ضد مؤلفي الكتاب.
ويقول الكتاب إن السفير القطري الحالي في باريس، مشعل آل ثاني، رفض أن يكون "كريما"، مثل سابقه، محمد الكواري، مع رجال السياسة الفرنسية. ويضيف أنه "بعد 3 أعوام من مجيئه إلى باريس، يبدو أنه تعب من كل هذه الممارسات، يقول أحد أصدقائه: مشعل الذي كان سفيرا في بلجيكا والولايات المتحدة، يقول لي دائما: لم أر هذا أبدا من قبل! لقد مارست السياسة في كل مكان، لكن لم يتصرف أحد مثل هذه التصرفات من بعض الفرنسيين، لم يطلب مني المال أبدا بهذه الصراحة الشديدة، كما لو أنه شيء طبيعي، أو أننا مدينون لهم بشيء، نحن لسنا بنكا".
يسلط الكتاب الضوء على العلاقة المثيرة للتساؤلات بين السفارة القطرية في باريس، والساسة الفرنسيين، وكيف أن السفير القطري السابق، محمد الكواري، استخدم المال لشراء رجال السياسة في فرنسا.
وقال كريستيان شيسنو، في مقابلة عبر إذاعة فرانس انتر "تمثل السفارة القطرية، لبعض رجال السياسة وبعض النواب، وليس كلهم، الموزع لأوراق من فئة 500 يورو، ووكالة سفريات، وبوتيك بابا نويل"، وأضاف "هذا يعني أنه خلال أعوام عديدة وحتى يومنا هذا، تتلقى قطر توسلات وطلبات دعم لتمويل مسجد، مدرسة، جمعية، وثم هناك رجال سياسة كانوا في المقدمة، وطلبوا بشكل حقيقي المال".
يأتي على رأس الشخصيات التي يقول الكتاب إنها استفادت من "الكرم القطري بشكل خاص والخليجي بشكل عام"، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، والوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان جان ماري لوجوا، ووزيرة البيئة والمرشحة الرئاسية السابقة، سيجولين رويال، والنائب في البرلمان، نيكولا باي، والعضوة في مجلس الشيوخ ناتالي جوليه، ورئيس معهد العالم العربي في باريس، جاك لانج ورئيسة الجبهة الوطنية في فرنسا، مارين لوبان.
جان ماري لو جوا
يقول الكتاب إن وزير العلاقات مع البرلمان لديه عادة غريبة بطلب الأموال صراحة من قطر مقابل عدم انتقادها من داخل البرلمان. وينقل الكتاب عن مسئول في الدوحة هذه القصة "قال (لو جوا) لدبلوماسيينا في باريس: بما أنني وزير مكلف بالعلاقات مع البرلمان، فإني أضمن جميع النواب وأعضاء الشيوخ في معسكري عبر المساءلات التي يطرحونها للحكومة. يمكنني إيقاف المساءلات المعارضة لقطر، وعلى النقيض يمكنني إشعالها. لكنني لن أفعل هذا مجانا"، ويضيف المسؤول القطري "إنه ابتزنا حرفيا".
وبحسب كريستيان شيسنو في لقائه مع فرانس انتر، فإن جان ماري لوجوا، أراد أن يكون نقطة اتصال لإدارة تصريحات رجال السياسة والتحكم بعض الشيء في البيانات البرلمانية التي توجه انتقادا إلى قطر.
واستنكر لوجوا عبر تويتر مزاعم الكتاب. وقال إنه تلقى بدهشة وفزع "الإدعاءات الهذيانية" لكتاب شيسنو ومالبرونو. وأشار إلى أنه قدم شكوى ضد الكاتبين بتهمة التشويه، وأنه سيلاحق أيضا جميع الأشخاص الذين سيعيدون هذا الكلام الكاذب. لكن وسائل إعلام فرنسية عرضت الكتاب ومنها مجلة لوبوان.
دومينيك دو فيلبان.. مسؤول "الفيرست كلاس"
اشتهر دو فيلبان عالميا، حينما كان وزيرا للخارجية الفرنسية إبان الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، إذ كان من أشد الرافضين لهذا الغزو، كما رفض تورط بلاده فيه، هذه البصيرة المسبقة رفعته فيما بعد إلى منصب رئيس الوزراء.
لا يزال دو فيلبان أيضا من الشخصيات التي تثير إعجاب الكثير من الفرنسيين بسبب آرائه حول معالجة أزمة الإرهاب بالفكر والشرح والتنمية وليس بالسلاح، إلا أن هذا الإعجاب ربما يتأثر بعد قراءة "أمراؤنا الأعزاء جدا" لاسيما وأنه يشير إلى أن تحليلاته وراءها "شبهات مالية".
يقول الكتاب إن دو فيلبان من الشخصيات التي "تسولت" هي الأخرى لدى قطر، ويوضح أحد الدبلوماسيين في السفارة القطرية، أن المسؤول الفرنسي السابق كان يشترط أن تكون رحلته إلى قطر في الدرجة الأولى "فيرست كلاس" كما كان يحب أن يقول باللغة الإنجليزية، وإلا سيرفض أي دعوات للدوحة. وألغى رئيس الوزراء السابق مشاركته في ندوة لأن رحلته كانت في درجة "البيزنس"، وليس الدرجة الأولى" وهو ما صعق السفير القطري الحالي.
ويضيف الكتاب أن دو فيلبان كان بمثابة "محامي أعمال"، فلا يقول شيئا جيدا عن قطر دون مقابل، مثل مسئولين آخرين، فخلال استضافته على قناة "أوروبا أ" في 4 نوفمبر 2015، أكد دو فيلبان أن "فرنسا ليس لديها أي دليل حول تورط قطر في تمويل الإرهاب".
رشيدة داتي.. المسئولة "الطماعة"
تأتي رشيدة داتي، وزيرة العدل الفرنسية السابقة، والعمدة الحالية للدائرة السابعة في باريس، التي يقطنها العديد من السفراء، ومن بينهم السفير القطري، ضمن قائمة المسؤولين الفرنسيين الذين طالتهم شبهة طلب أموال من السفارة القطرية.
ففي نهاية العام الماضي، واتت داتي فكرة جيدة: انشاء "نادي السفراء Le club des ambassadeurs "، للاستفادة من السفراء الأجانب الذين يجتمعون عادة في دائرتها، ولكن الفكرة ليست كافية لتنفيذ المشروع على الأرض، لأنها بحاجة للمال. وبدون تردد، توجهت داتي لتطرق أبواب السفير القطري.
ونقل الكتاب عن مصدر في السفارة القطرية قوله باندهاش "لم تطلب أقل من 400 ألف يورو لمؤسستها"، ولكن لسوء حظها أن السفير الجديد يختلف تماما عن الكواري. ويقول الكتاب إنه على الرغم من أنها قدمت طلبها للسفير خلال تناولهما العشاء معا مساء الأحد 22 نوفمبر 2015، لكن السفير حاول إفهامها بأنه سيكون من الصعب الرد على طلبها بإيجابية.
الصدمة الكبرى لها كانت في صباح اليوم التالي، حينما جاءها الرفض بشكل رسمي عبر إيميل من السفارة وموقع من السفير مشعل.
يلفت الكتاب إلى أنه مساء اليوم التالي، 23 نوفمبر، حلت داتي ضيفة على برنامج جان جاك بوردا، على قناة RMC، بالتزامن مع مرور 10 أيام على هجمات باريس التي خلفت 132 قتيلا، إلا أن المسئولة الفرنسية غيرت من موقفها تماما بشن هجوم على قطر، معتبرة أن السعودية، وحتى قطر، لديهما رغبة في ترويج أيديولوجيتهما، وخاصة للتصدي للإسلام الشيعي." وأضافت "هناك دول الخليج التي تمول مساجد وجمعيات وأئمة، وهيئات لا نتحكم فيها." وحينما سمع السفير تصريحاتها، لم يتراجع عن موقفه، قائلا "كانت تتعشى معي وتطلب مني مساعدتها، وفي اليوم التالي تقودنا إلى الوحل".
ووصف محامي داتي هذه المعلومات بـأنها "أكاذيب" و"إدعاءات"، وقال إنه سيتم أخذ كل الإجراءات لوقف هذه "التعديات على الشرف".
مارين لوبا وعلاقتها الوليدة مع الإمارات
وبحسب معلومات الكتاب، فإن دولة الإمارات اقترحت تمويل حزب مارين لوبان "الجبهة الوطنية"، كما أنها مولت سفر رئيسة الجبهة إلى القاهرة. ونقل الكتاب عن أحد المقربين منها قوله إن "الجبهة الوطنية أو مصر لم يدفعا الفندق أو تذاكر الطائرات". وأضاف أنه خلال اجتماع في مونترتو، عرض ممثل عن الإمارات على لوبان، مليون دولار لتمويل حملتها الرئاسية.
وقال المصدر المقرب "شعرت بانطباع أنه (الممثل الإماراتي) شخص اعتاد التحدث بالمال مع رجال السياسية، ومع ذلك، بدت لوبان غير مرتاحة، وإلى حد كبير لم تعرف بماذا ترد.. لقد قالت: سنرى، سوف نطرح هذه المسألة".
جاك لانج
المستفيد الذي أصبح أحد ضحايا الكتاب أيضا، هو جاك لانج، الذي يرأس معهد العالم العربي في باريس "IMA" منذ عدة أعوام، ولم يرتبط اسمه بسفارة قطر فحسب، وإنما بسفارتي السعودية والإمارات أيضا. ويقول الكتاب إنهم اعتبروه "محاور عديم الضمير". ونقل عن عضو في سفارة الإمارات قوله "حينما تم دعوته إلى أبو ظبي، طلب 3 أماكن في قطاع الأعمال لزوجته وصديق له. وإذا رفضنا طلبه، فإننا نخاطر بأن ينتقد الإمارات بشكل علني".
نيكولا باي.. خدمات بالـ SMS
يقول الكتاب إنه إذا كان هناك مسؤول فرنسي مل منه السفير القطري الجديد أكثر من الآخرين، فهو بالتأكيد نيكولا باي، النائب البرلماني للحزب الاشتراكي عن مقاطعة نور با دو كاليه Nord – Pas-de-Calais. وباعتباره عضوا في رابطة الصداقة الفرنسية-القطرية، كان باي مقربا جدا من السفير السابق، محمد الكواري، لكن مع السفير الجديد، لم يأت الوضع على رغبته.
يوضح الكتاب أن باي من النواب الذين "تسولوا" على أبواب السفارة القطرية، فالنائب البرلماني بعث برسالة هاتفية إلى السفير مشعل قائلا، بحسب ما قال شاهد رأى الرسالة "أعاني مشكلات مالية في الوقت الحالي، أم ولدنا الشاب مرهقة، وأرغب في اصطحابها للخارج، لكن موازنتي مضغوطة، هل يمكنك دعوتي في فندق بالدوحة، وتدفع لنا تذكرة الطائرة على الخطوط الجوية القطرية.. هذا سيساعدني، من فضلك".
لكن رفض هذا الطلب من قبل السفير، لم يثبط عزيمة باي، ففي رسالة جديدة طلب من السفير أموالا لدفع تجديدات في منزله، لكن السفير هذه المرة لم يرد، وأخيرا لم يتردد باي في إرسال أخرى ليطلب من السفير "أحذية ماركة" فاخرة.
عضو مجلس الشيوخ، ناتالي جوليه.. أين هدية "نويل"؟
رغم الرفض الواضح والصريح من سفير قطر في كل مرة، إلا أن العضو في مجلس الشيوخ الفرنسي عن مدينة أورن، لم تكل أو تتراجع عن مطالبها. ففي نهاية 2015، اتصلت جوليه بمكتب السفير لتشتكي من أنها لم تستقبل هدية بابا نويل مع احتفالات العام الجديد.
وقالت في المكالمة "كيف يحدث أنني لم استقبل هدية نهاية العام، لقد حصل عليها أعضاء آخرون في مجلس الشيوخ، وأنا لست منهم؟"، وحينما أخبر مدير المكتب، السفير مشعل بطلب جوليه، قال "فلتذهب إلى الجحيم".
وحينما تعرضت قطر لحملة هجوم من سياسيين وصحف عقب هجمات باريس، لم تتردد جوليه في أن تقترح على السفارة تنظيم ندوة مع مكافأتها بالتأكيد، لكن السفارة رفضت ذلك الاقتراح، وقالت بعدها جوليه "لا أحب قطر كثيرا".
هدية الشيخ حمد
وينقل الكتاب عن المرشح الجمهوري للرئاسة الفرنسية، برونو لومير، قوله إنه في 2009، حينما كان وزيرا للزراعة، تم تكلفته بمرافقة الشيخ حمد، أمير قطر السابق لمدة 4 ساعات في باريس، وفي النهاية، منحه الأمير ساعة من طراز باتيك فيليب، المرصعة بالماس، بقيمة 85 ألف يورو، يوضح الوزير السابق "تخيل، لقد كانت تساوي راتبي لمدة عام حينما كنت نائبا برلمانيا، لكني قمت بوضعها في خزينة الوزارة"، يلفت الكتاب إلى أن الكثير من الوزراء الآخرين حصلوا على ساعات مماثلة لكن لم يتم إرجاعها لخزينة الدولة.
يدرك لومير جيدا تطور العلاقات بين فرنسا وممالك الخليج، منذ أن كان مدير مكتب دومينيك دو فيلبان، حينما كان هذا الأخير وزيرا للخارجية. ويقول إن "قادتهم يعملون بإطراء، إنهم ودودون كثيرا، ويعرضون عليك الهدايا، أنظر لمعصم العدد الأكبر من الوزراء!".
الدول الخليجية تدعم الإرهاب
وفي حين تقود بلدية مدينة كان الساحلية الفرنسية حملة لمنع ارتداء "البوركيني"، على الشواطئ، يكشف الكتاب أن عمدة المدينة السابق، في الفترة بين 2001 وحتى 2014، برنار بروشان، كان على علاقة قوية برجال أعمال سعوديين، كما أنه أعطى الضوء الأخضر لرجل الأعمال صالح كامل، مدير قناة "أقرأ" الدينية، لإنشاء مسجد "المدينة المنورة"، كمكان عبادة قريب من فيلته في المدينة.
نفس الأمر تكرر مع رجل الأعمال السعودي، هشام حافظ، الذي بنى مسجدا صغيرا بالقرب من حي "كروازت"، حيث يقضي حافظ إجازته.
ويرصد الكتاب أيضا دعم دول الخليج للحركات الجهادية في تناقض تام مع التزامات الحكومة الفرنسية. ومن ليبيا إلى سوريا، عملت دول الخليج والكثير من رجال أعمالها على تمويل الحركات الجهادية. ويقول الكاتبان إنهما التقيا بممول للحركات الجهادية يعيش في قطر بحرية ويرسل الأموال إلى الذراع العسكرية للقاعدة في سوريا.
ويوضح الكتاب أيضا أن ممولي الجهاد في الخليج قالوا في بداية الثورة السورية للمتمردين المعتدلين" تعالوا معنا، وسوف نعطيكم السلاح بشرط أن تسموا حركتكم باسم له دلالة إسلامية وتطيلوا لحيتكم." ويلفت الكتاب إلى أن بعض المتمردين المعتدلين قبلوا بهذه المساومة لأنهم كانوا يريدون المال من أجل شرا السلاح، وكان عملاء المخابرات الفرنسية على علم بهذه اللعبة.
وقبل موته بفترة قليلة، قال كريستوف دي مارجري، الرئيس السابق لشركة توتال، للصحفيين كريستيان شيسنو وجورج مالبورنو، خلال جمعهما معلومات الكتاب إن"كل شيء يشترى، بما في ذلك الرجال، الأمر يتوقف فقط على مسألة السعر".