أحدث الأخبار
هل يفتح تعديل قانون التظاهر صفحة جديدة؟
إن كانت هناك نية حقيقية لتعديل قانون التظاهر، على نحو ما أوصى به مؤتمر الشباب المنعقد الأسبوع الماضى بمدينة شرم الشيخ بحضور ومباركة رئيس الجمهورية، فإنه يكون تطورا جيدا ويستحق الترحيب.
ولكن لكى تنال هذه المبادرة التقدير والاحتفاء، فلابد أن يكون التعديل حقيقيا وشاملا وليس مجرد محاولة لتجميل صورة البلد، وأن يصاحبه إلغاء تشريعات أخرى مقيدة للحريات صدرت خلال العامين الماضيين، وأن يعبر عن استعداد الدولة لفتح صفحة جديدة فى تعاملها مع هذا الملف.
بالنسبة لقانون التظاهر الصادر فى نوفمبر ٢٠١٣، فقد تم تقديمه وقتها باعتباره ضروريا لوقف العنف وإعادة الهدوء والاستقرار، بينما الحقيقة أن هدفه كان منع التظاهر السلمى، وغلق قناة الاحتجاج المتاحة فى هذا الوقت، وإسكات صوت الشباب بعدما صار مزعجا، وإقصاءهم من الساحة السياسية.
والدليل على ذلك أن القانون الجنائى العادى كان ولا يزال فيه من العقوبات ما يكفى للتصدى للعنف والتخريب دون حاجة لتشريع جديد، وما أضافه قانون التظاهر هو جعل الاحتجاج السلمى جريمة يعاقب عليها بالحبس لمدة تصل إلى خمس سنوات ولو لم يصاحبها أى عنف او اتلاف ممتلكات أو حتى تعطيل للمرور.
ولذلك فقد كان صدوره سببا لعزوف جانب من المجتمع، خاصة بين الشباب، عن الاستمرار فى تأييد دولة ٣٠ يونيو الناشئة.
وللتذكرة فإن القانون يتضمن أربعة عيوب رئيسية: (١) أنه يقيد حق التظاهر السلمى بضرورة الحصول فعليا على الموافقة المسبقة لوزارة الداخلية وذلك بالمخالفة للمادة (73) من الدستور التى تنص على أن يكون التظاهر بالإخطار، (٢) أنه يجعل مجرد التقاء أكثر من عشرة أشخاص فى مكان واحد تظاهرا يعاقب عليه القانون، بالمخالفة أيضا للحقوق الدستورية المتعلقة بحرية التجمع والتنظيم والتعبير،
(٣) أنه يضع قيودا غير واقعية على حق التظاهر السلمى ومنها قصر التظاهرات على أماكن بعينها، (٤) وأخيرا فإن العقوبة المقررة لمجرد المشاركة فى مظاهرة سلمية ولو لم يترتب عليها أى عنف او ضرر او عرقلة للاقتصاد، تصل إلى الحبس خمس سنوات ومائة ألف جنيه غرامة، وهذه مخالفة للمبدأ الدستورى بضرورة تناسب العقوبة مع الجريمة.
ولنتفق على إنه لا يوجد بلد يخلو من تنظيم قانونى للتظاهر ومن عقوبات لمن يخالفه، ولذلك فلا أحد يتصور أو يطالب بألا يكون فى مصر مثل هذا التشريع. ولكن إن كانت النية متجهة حقيقة لتصحيح هذا الخطأ والتقدم للأمام، فلابد من معالجة هذه العيوب جميعا بما يحمى حق الاحتجاج السلمى فى ظل إطار قانونى منضبط يحقق الحماية للمجتمع والحرية للمواطنين.
هذا عن قانون التظاهر، أما عن القوانين الأخرى المقيدة للحريات، فتضم القوانين والقرارات التى تقيد حرية ونشاط المجتمع الأهلى ــ وبخاصة القانون رقم 128 لسنة 2014 («قانون الأشياء الأخرى») الذى يعاقب كل من يتلقى تمويلا من الخارج أو الداخل أو يحصل على أية أشياء أخرى بعقوبة تصل إلى حد السجن المؤبد للمواطن العادى والإعدام للموظف العام ــ والتوسع فى إحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى بالمخالفة للضوابط الدستورية، وتعريف العديد من الجرائم بشكل فضفاض ولا يستقيم مع الدقة المطلوبة فى النصوص الجنائية، بالإضافة إلى القوانين المقيدة لحرية التعبير تحت مسميات مختلفة أبرزها ازدراء الأديان، وحماية السلم الاجتماعى، ووقف الشائعات المضرة بالاقتصاد القومى، وغيرها.
كذلك يجب وضع القيود على التوسع فى الحبس الاحتياطى بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية، والمنع من السفر، والمنع من التصرف فى الأموال، وغيرها من الإجراءات التى تحولت واقعيا إلى أدوات للعقاب دون أن تسبقها أحكام بالإدانة، كما يلزم أن يشمل العفو عن سجناء الرأى كل من صدرت بحقهم أحكام بالحبس وفقا لاتهامات متعددة بسبب مشاركتهم فى مظاهرات سلمية أو التعبير عن معارضتهم لسياسات الدولة دون ارتكاب عنف أو ارهاب.
والأهم من كل ما سبق أن تكون الدولة على استعداد لتغيير منهجها فى التعامل مع ملف الحقوق والحريات، وأن تقبل حقيقة أن الاعتماد على الوسائل والأدوات الأمنية وحدها لمواجهة التحديات التى تواجه المجتمع لن يكون كافيا ولا محققا للأمن والاستقرار والتنمية المنشودين، بل يلزم فتح صفحة جديدة تعيد للشباب ثقتهم فى البلد، ورغبتهم فى المشاركة، وتستغل الطاقات المهدرة، وتضع نهاية للانقسام الذى يعانى منه المجتمع.
إن كانت الدولة تفكر جديا هذه المرة فى تعديل قانون التظاهر، فإن الاكتفاء بتعديل بضع مواد هنا وهناك لن يكون كافيا، بل عليها أن تتحلى بالشجاعة والبصيرة لكى تصحح المسار بشكل جذرى، وتطوى صفحة هذا الملف، وتحقق انفراجة حقيقية فى المناخ السياسى، لأن أنصاف وأرباع الحلول لن تقدم كثيرا بل تتركنا ندور فى ذات الدائرة المفرغة.
نقلا عن الشروق