أحدث الأخبار
"بالرغم من أنه حصل فقط على نصف ما طلبه من البنك، إلا أن 168 ألف دولار حصل عليها أحمد، أحد مصنعي النسيج، لاستيراد الغزل تطلب الحصول عليها ما يقرب من عام"، هكذا تقول مقدمة تقرير لوكالة بلومبرج عن وضع سوق العملة في مصر، نُشر اليوم بعنوان "البنوك تقدم الدولارات لاستقطاب المصريين من الجانب المظلم".
هذه المعاملة المالية كانت الأولى التي يقوم بها أحمد منذ قرار البنك المركزي في الثالث من نوفمبر الجاري بتعويم الجنيه، في محاولة منه لإنهاء أزمة النقد الأجنبي التي ضربت الاقتصاد، وأجبرت المشروعات التجارية على اللجوء للسوق السوداء بأسعار أعلى بكثير من السعر الرسمي للدولار.
ويقول الرجل البالغ من العمر 50 عاما، والذي طلب عدم نشر اسمه كاملا، ﻷن التعامل في السوق السوداء أمر غير قانوني، "لقد كان الأمر أشبه بشراء مخدرات، حيث كنت أضطر للبحث عن المتعاملين في العملة في الشوارع".
وأضاف "لم أكن قادرا حتى على رصد نفقاتي الحقيقية في الدفاتر المحاسبية.. الآن هناك أمل أن تسير الأمور في الاتجاه الصحيح".
البنوك المصرية تحتاج إلى مليارات الدولارات للاستجابة لطلب الأنشطة التجارية الجائعة للدولارات، وهو أمر ليس بالقليل بالنسبة للبنوك التي تكافح لمواجهة نقص العملة، الذي أدى لارتفاع التضخم إلى 14% واختفاء بعض السلع الأساسية من المحال التجارية.
إلا أن حالة أحمد تشير إلى احتمال أن يكون التيار في طريقه للتحول للجهة الأخرى "ببطء".
إشارات جيدة
ظلت البنوك مفتوحة في عطلة نهاية الأسبوع حتى الساعة التاسعة مساءا لشراء الدولار من العملاء، الذين لم يروا أي حافز يدفعهم لاستبدال العملة على نحو غير قانوني بعد تراجع الجنيه المصري بنسبة تفوق 45%.
وأظهرت الأرقام التي عرضها كل من البنك الأهلي المصري وبنك مصر، أكبر البنوك العاملة في السوق، أنهما اشتريا ما لا يقل عن 50 مليون دولار منذ الخميس الماضي، ووفرا أكثر من 80 مليون دولار كتسهيلات للمستوردين في أول يومين عمل بالأسبوع.
وقال محمد أبو باشا، محلل اقتصادي في بنك استثمار هيرميس "نحن على الطريق السليم حتى الآن، وستبدأ التدفقات في كسب الزخم"، وتابع "هناك تغيير إلى الاتجاه الصحيح، ونحن نرى أن كل المؤشرات جيدة على مختلف الأصعدة".
ويأمل صناع السياسة أن يتوقف المصريون، تدريجيا، عن ادخار الدولارات خارج نطاق النظام المصرفي، وأن يوفروا المبالغ الكافية لتمويل الواردات، للسماح للمستثمرين الأجانب في مصر بتحويل الأموال إلى بلادهم بسهولة.
وقد ابتهج مستثمرو البورصة بقرار التعويم، وقفز مؤشر الرئيسي EGX 30 بحوالي 19% منذ قراري التعويم ورفع أسعار الوقود.
وهذه الخطوات هي جزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتستهدف تأمين قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار، والذي يُنظر إليه كعامل حاسم لاستعادة ثقة المستثمرين في الاقتصاد، الذي عاني من 5 سنوات من الاضطرابات السياسية وعزل الرؤساء.
صُناع السياسة النقدية أحرقوا مليارات الدولارات للحفاظ على قيمة الجنيه من التدهور خلال السنوات الماضية، وعلى الرغم من استقرار قيمة احتياطي العملات الأجنبية مؤخرا، إلا أنها لا تزال أقل بأكثر من 40 في المئة مقارنة بما كانت عليه عشية انطلاق مظاهرات الربيع العربي في عام 2011.
وقال محللون إن نجاح الخطوات الأخيرة يعتمد على عدم تدخل المركزي في سوق صرف العملات الأجنبية.
طريق لا يخلو من الألم
"مصر عليها مهمة صعبة، ولكنها حتمية"، كما يقول سايمون وليامز، كبير الاقتصاديين لمنطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اتش أس بي سي القابضة، مضيفا أن "تحرير سعر الصرف والتعديلات في المالية العامة ستعيد التوازن بعد 6 سنوات من التشوش الاقتصادي وأخطاء السياسة".
وقام البنك المركزي برفع سعر الفائدة على الودائع بمقدار 300 نقطة أساس، أو 3 نقاط مئوية، لتصل إلى 14.75 في المئة، وقامت العديد من البنوك باستحداث شهادات بالعملة المحلية لمدة 18 شهرا بعائد سنوي 20 في المئة، مما دفع المودعين للاصطفاف لشراء الشهادات الجديدة.
وأكدت بلومبرج أن هذا الطريق لا يخلو من الألم، حيث من المتوقع أن تتسبب هذه الإجراءات في تجاوز معدل التضخم السنوي حاجز 20% خلال الأشهر القادمة، وفقا لتوقعات جيسون توفي، المتخصص في الشؤون الاقتصادية للشرق الأوسط في مركز «كابيتال إيكونوميكس» للاستشارات في لندن.
وقال العديد من رجال الأعمال، الذين استطلعت بلومبرج آرائهم، إنهم لا يزالون يكافحون في الحصول على الدولارات من البنوك، بينما قال رجال أعمال آخرون انهم سيواجهون صعوبة في رفع الأسعار، لأنهم بذلك سيخاطرون بإضعاف الطلب الاستهلاكي المتباطئ بالفعل.
"البنك الذي أتعامل معه لا يبيع الدولار الآن، وحتى لو فعل ذلك، سيبيع على أي سعر؟" يتساءل محمد القاضى، الذي يستورد سخانات المياه العاملة بالطاقة الشمسية، ويقول "لقد واجهنا بالفعل انخفاضا في المبيعات في العام الماضي، والآن لابد لي من رفع الأسعار أكثر، وهذا أمر شبه مستحيل".
وحاول هشام سليمان رئيس مدستار للتجارة، شراء الدولار من ثلاثة بنوك، بعد تعويم العملة، للحصول على موافقة لتمويل استيراد 1000 طن من القمح.
"دعونا نرى إلى أين سيذهب الذهب؟ في السوق السوداء يمكنك تأمين الدولار على الفور، ولكن الآن لا نعرف متى ستوافق البنوك على طلباتنا، وعلى أي سعر".
وتقول بلومبرج إن اتفاقية القرض مع صندوق النقد الدولي من المرجح أن تساعد على جذب مليارات الدولارات من الاستثمار الأجنبي في الشركات الخاصة والسندات الحكومية، ويرى الاقتصاديون أن الأمر قد يستغرق شهورا قبل أن تشهد مصر تدفقات أجنبية كبيرة.
ويقول سعيد عازر، الذي يدير مصنعا لقطع الغيار، إنه سوف ينتظر ليرى أين سيستقر سعر الصرف، "كانت هناك الكثير من التقلبات في أسعار الصرف، وتكبدت خسائر، والآن أفضل شيء لي هو أن أنتظر وأراقب، الانتظار لبضعة أسابيع لن يضر، وأنا متفائل".