أحدث الأخبار
أصبحت هجمات الجماعات المسلحة تضع مصر وتركيا وإسرائيل في زورق واحد، حسبما ترى صحيفة ها آرتس الإسرائيلية.
وقالت الصحيفة إن الدول الثلاث تدرك أن العنف الذي يصلح في التعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لن ينهي بالضرورة الإرهاب المحلي. ولكن في نفس الوقت، فأي محاولة للتفاوض مع "الإرهابيين" تعتبر خيانة.
وأضافت ها آرتس في تحليل نشر بموقعها على الانترنت اليوم الأحد، أن الهجومين الإرهابيين الكبيرين على مدى اليومين الماضيين –في إسطنبول يوم السبت الماضي وفي القاهرة يوم الأحد- هما تذكرة مأساوية بالإرهاب المعتاد القديم الذي ينبع ليس من داعش، ولكن من الضغائن السياسية المحلية.
وأعلن صقور حرية كردستان، هو فصيل تابع لحزب العمال الكردستاني، مسؤوليته عن هجوم إسطنبول الذي خلف 38 قتيلًا و155 جريحًا. وتلوم الحكومة المصرية حركة "حسم" -التي تربطها بجماعة الإخوان المسلمين- عن الهجوم على الكنيسة البطرسية الذي أوقع 25 قتيلًا.
وتعرف المجموعتان كجماعات إرهابية، إلا أن أهدافهما محلية تمامًا، وليست عالمية مثل داعش أو القاعدة. وبالتالي، فهما قضايا أمنية داخلية لبلديهما، وليسا جزءًا من المعركة التي تشنها الدولتان ضد ما يسمى "الجهاد العالمي".
وتخوض تركيا حربًا دموية ضد حزب العمال الكردستاني منذ الثمانينيات، وهي المعركة التي خلفت حتى الآن أكثر من 45.000 ضحية. وشنت مصر حرب إبادة ضد الإخوان المسلمين في 2013، عقب إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان.
وتبنى كل من حزب العمال الكردستاني وحسم أهدافًا دينية محلية وليست عالمية. وحزب العمال الكردستاني والتابعون له، بما في ذلكصقور حرية كردستان، مجموعات علمانية تسعى للاستقلال القومي والثقافي للأكراد وتستمد مبادئها من النظرية الماركسية.
وتدعي حسم، رغم ارتباطها بالإخوان المسلمين، أن هدفها الرئيسي هو تطبيق المبادئ الديمقراطية لثورة 2011 المصرية. وتدعو منابرها، ضمن أشياء أخرى، لإخراج الجيش من الحياة السياسية وضمان الحق في التظاهر، وتحث كل شرائح المجتمع المصري على الانضمام لها- وهو ما يختلف بشكل حاد مع الحركات الجهادية مثل ولاية سيناء، التابعة لداعش.
وشهدت مصر وتركيا من قبل هجمات خلفت أعدادًا كبيرة من الضحايا، إلا أن كلا من الهجومين الأخيرين له خصائص مميزة.
واستهدف هجوم القاهرة نقطة ضعف للنظام، الذي يسعى لإثبات أنه يهتم بشكل متساو بأمن مواطنيه سواء مسلمين أو مسيحيين. وأقرت الحكومة مؤخراً قانونًا لتحسين وضع الأقباط الذين يتراوح عددهم بين تسعة ملايين وعشرة ملايين نسمة، وتسمح إحدى مواد القانون ببناء الكنائس بصورة أسهل. وفي العام الماضي، كان عبد الفتاح السيسي أول رئيس مصري يحضر قداس عيد الميلاد في كنيسة قبطية.
لكن الأقباط مازالوا يشعرون بعدم الأمان، خاصة في ظل تلكؤ جهات تنفيذ القانون أثناء التحقيق في الهجمات التي يقوم بها مسلمون ضد أقباط. ويقوض تفجير الكنيسة البطرسية أثناء صلاة قداس الأحد أمس جهود السيسي لتهدئة هذا الشعور بعدم الأمان، ولاسترضاء الرأي العام العالمي. فضلًا عن ذلك، يمكن أن يشعل هذا التفجير موجة جديدة من الاشتباكات بين المسلمين والمسيحيين، والتي ستكون أكثر خطورة للسيسي من محاربة الإرهاب "العادي".
كذلك لم يكن موقع انفجار إسطنبول صدفة، فملعب فودافون أرينا، وهو استاد فريق كرة قدم نادي بشكتاش التركي، مرتبط بشكل مباشر بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي افتتحه في إبريل. ولكن على عكس مشجعي غريمه فناربخشه، -الذين يعدون من النخبة الاقتصادية ويدعمون إردوغان- فمشجعي بشكتاش من الطبقة الوسطى الدنيا والطبقة العاملة. وشارك ألتراس بشكتاش في مظاهرات ضد خطة إردوغان لهدم حديقة جيزي في ميدان تقسيم في 2013. بل وألقي القبض على كثيرين وضربتهم الشرطة. لذلك، فوقوع هجوم قرب الاستاد كان هدفه إثارة غضب معارضي إردوغان –العلمانيين الليبراليين وفقراء المدينة على حد سواء، والذين دعموا المصالحة مع الأكراد.
لذلك فقد استهدف الهجومان في مصر وتركيا، إثارة الرأي العام ضد الحكومة ووضع الصراعات المحلية على رأس الإهتمامات الشعبية. كما استهدفا تصوير صراع الحكومتين ضد خصومهما السياسيين باعتباره بلا جدوى.
وبالرغم من تكتيكات إردوغان العنيفة ضد الأكراد الأتراك –والتي تضمنت هدم منازل، وحظر التجوال لمدد طويلة، والقبض على مدنيين وقتلهم- إلا أنه أثبت أنه غير قادر على منع الهجمات التي تحرج الحكومة وتجعل نهج القبضة الحديدية الذي يستخدمه إردوغان مثار للسخرية.وبالرغم من حرب السيسي الشاملة ضد الإخوان المسلمين، فهو لم يثبت فقط أنه غير قادر على القضاء على أعدائه، ولكن ثبت أنه يهدد المدنيين بسياساته الصارمة ورفضه للمصالحة مع الأخوان.
وعلى عكس الهجمات الإرهابية التي تقوم بها داعش أو القاعدة، فلدى الحكومتين بدائل بخصوص التعامل مع الإرهاب المحلي. فالأكراد الأتراك، بما فيهم حزب العمال الكردستاني، يرغبون في استئناف المفاوضات مع الحكومة حول مطالبهم العرقية والثقافية- وهي المفاوضات التي قطعها إردوغان في صيف 2015، بعد هجوم إرهابي في مدينة سوروك. وبالمثل، يحاول الإخوان المسلمون منذ ثلاث سنوات التفاوض مع النظام، الذي يرفض بعناد هذة المحاولات.
وقالت ها آرتس إن مصر وتركيا محاصرتان في نفس المستنقع، مثل إسرائيل في حربها ضد ما وصفته الصحيفة بأنه "الإرهاب الفلسطيني". الدول الثلاث تدرك أن حربها الميدانية لن تنهي الإرهاب بالضرورة. ولكن في نفس الوقت، أي محاولة للتفاوض مع "التنظيمات الإرهابية" تعتبر خيانة وانهزامية.