أحدث الأخبار
- دور الشركات الصغيرة والمتوسطة محدود للغاية في مصر رغم أنها أساسية في التحول الاقتصادي
وافق البنك الدولي الأسبوع الماضي على حصول مصر على الشريحة الثانية من قرض بقيمة 3 مليارات دولار، كمساندة لبرنامجها للإصلاح، الذي يدعمه البنك باعتباره الطريق لتحقيق التنمية الاقتصادية، ولكن "متى يشعر المواطن بتحسن أوضاعه"، خاصة مع تردي مستويات المعيشة في ظل ارتفاع معدل زيادة الأسعار إلى 20%؟
"أصوات مصرية" حاورت أسعد عَالم، المدير القُطري لمصر واليمن وجيبوتي بمجموعة البنك الدولي، لتعرف منه إجابة هذا السؤال، وهو أستاذ اقتصاد يتمتع بخبرة عملية واسعة في قضايا التنمية في الدول التي مرت بمراحل تحول اقتصادي.
وعلى الرغم من التفاؤل الذي يحمله اسمه، أسعد عَالم، فقد عمل في العديد من المناطق أثناء مرورها بأوقات شديدة الصعوبة خلال مرحلة "التحول الاقتصادي"، مثل جنوب أفريقيا وجورجيا ودول شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي السابق، فضلا عن دولته الأم الهند، وهي فترات شديدة الصعوبة وربما التعاسة على الحكومات والمواطنين عادة.
* كتبت كثيرا من الأوراق عن جنوب أفريقيا وجورجيا والاتحاد السوفيتي السابق، وكثير من الدول التي مرت بمرحلة انتقال اقتصادي وإعادة هيكلة للسوق، فماذا يميز مصر عن هذه الدول؟ وماذا علينا أن نتعلم من تلك التجارب؟
- الدول التي مرت بمرحلة التحول الاقتصادي، تقوم بإعادة توجيه اقتصادها على قاعدتين مختلفتين، الأولى هي انتقال قيادة التنمية الاقتصادية من الحكومة إلى القطاع الخاص، والثانية هي الانتقال من اقتصاد مُغلق، تحكمه أسعار صرف ثابتة لعملة محلية مُبالغ في قيمتها، وتحكم في الأسعار، إلى اقتصاد أكثر انفتاحا معتمد على العلاقات التجارية الخارجية ويستهدف التصدير.
في تجربة دول الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، كان الملاحظ وجود طاقات بشرية ضخمة غير مُستغلة، وكان الهم الأساسي وقتها هو استغلال هذه الطاقات، على سبيل المثال كانت هذه الدول الاشتراكية لديها عدد كبير من المدرسين والمهندسين، بينما يحتاج اقتصاد السوق لعدد كبير من صناع السوق والمتخصصين في إدارة الأعمال، القادرين على تشغيل الشكل الجديد من الاقتصاد. مصر تحتاج إلى هذا أيضا (إعادة هيكلة سوق العمل).
ومازالت مصر بحاجة لإعادة هيكلة الاقتصاد، لإنها لم تقم به في السابق، فخطوات إعادة الهيكلة السابقة كانت تتم كخطوات منفصلة، وليس كمنظومة متكاملة. كما أن دور القطاع الخاص، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة، محدود للغاية، وما رأيته في تجربة الدول التي تمر بمرحلة التحول الاقتصادي يؤكد أن تنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة لعب دورا كبيرا في مرحلة التحول، ووفر وظائف عديدة، خاصة للشباب، ودور الدولة أن تجعل الاقتصاد جاذب لهذه الفئة (الشركات الصغيرة والمتوسطة).
تحويل القطاع غير الرسمي إلى رسمي مسألة هامة أيضا، بتسهيل إجراءات التسجيل والدخول إلى الأسواق، ومنح بعض الحوافز الضريبية والتمويلية، وإتاحة الخدمات والاستشارات المصرفية، ولكن حاليا في مصر ربما يستغرق المستثمر الصغير عامين لدخول السوق، وهو لا يمكنه تحمل تكلفة هذا الوقت. لو تم تصحيح هذا الوضع سيساعد بقوة في تنمية الاقتصاد.
كما أن تحرير العملة جعل التصدير أسهل والاستيراد أصعب الآن، على عكس الوضع قبل قرار التعويم، وأصبح يوجد تسعير أفضل يفتح فرص أفضل للتصدير والإنتاج والتشغيل والتدريب والتنمية وإطلاق العنان للاقتصاد المصري كما حدث في تجارب الدول الأخرى، بدلا من التقييم المبالغ فيه للعملة.
* يتساءل الكثيرون في مصر عن الوقت، ما هي المدة التي نحتاجها لنشعر بآثار الإصلاح؟
- سأعطيك مثالا بالهند، في 1991 بدأت الهند تنفيذ خطتها لإصلاح وإعادة هيكلة الاقتصاد مثل مصر في ذاك الوقت. الهند قامت بتحرير العملة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التصدير، وألغت الرخص الصناعية، وسهلت الإجراءات البيروقراطية التي كانت تعوق الاستثمار المحلي والاجنبي. وقتها تساءل الهنود "كم من الوقت نحتاجه؟"، ولكن بعد شهور بدأت الأمور تستقر، والآن تملك الهند واحدا من أعلى الاحتياطيات النقدية والذهبية في العالم.
السبب ببساطة أن الأموال الهندية كانت تفضل الاستثمار في الخارج، ثم تحولت للاستثمار في الداخل، وشهدت أيضا ما شهدته مصر من ارتفاع كبير في معدلات التضخم، ثم استقرت الأمور بعد أشهر، وأرى أن هناك تشابها كبيرا بين الهند 1991 ومصر 2016. لذك أنا واثق ومتفائل إلى حد ما بأن آثار الإصلاح ستظهر قريبا في 2017.
* لا يمكن الحديث عن الهند دون الحديث عن المخاوف من انتشار الفساد. فلدى البعض تخوف أن يؤدي انفتاح الاقتصاد في مصر إلى زيادة معدلات الفساد.
- الفساد مشكلة كبيرة في العديد من البلدان، وعلينا أن نعرف أن زيادة سيطرة الدولة عبر التوسع في سلطات إصدار التراخيص يؤدي إلى زيادة فرص انتشار الفساد، على العكس، مع فتح الأسواق وزيادة الاعتماد على قوى السوق في تحديد الأسعار تقل فرصه. فالحل هو زيادة الشفافية في منظومة صنع القرار، لديكم على سبيل المثال موازنة المواطن، وهي صغيرة، ولكنها بداية جيدة لزيادة الشفافية فيما يخص كيفية جمع الإيرادات وكيفية إنفاقها على البنى التحتية والخدمات الحكومية، والحكومة لديها خطة لزيادة مستويات الشفافية ومحاربة الفساد، لكن هذا يأخذ وقتا.
* ما هو دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد ودعم التنمية من وجهة نظركم؟
- له دور مهم بالطبع في محاسبة الحكومة وإعلامها بأولويات التنمية، وكلما كانت الحكومة تحاول الوصول إلى معدلات تنمية شاملة مرتفعة تصل لأكبر عدد من السكان، وبمستويات شفافية مرتفعة، ستزداد أهمية المجتمع المدني، فهو يقوم بثلاثة أشياء، اكتشاف المشاكل والأولويات، وتصميم خطط التنفيذ، وضمان تنفيذ الحلول ووصول فوائدها للمستحقين. في البنك الدولي نحن نتناقش معهم حول ما علينا أن نفعله وكيف نفعله، هذا يجعلنا نضيف أعلى قيمة مضافة ممكنة لاقتصاد الدولة، لذا مهم للبنك الدولي أن نشارك خططنا مع الحكومة والمجتمع المدني.
* العلاقة بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني في مصر ليست في أفضل حالاتها، هل حاول البنك الدولي إصلاح هذه المشكلة أو تجاوزها؟
- علاقتنا الأساسية مع الحكومة، فهي التي تحصل على القروض، ولكن لدينا منتجات عديدة تتم بالشراكة مع المجتمع المدني فيما يتعلق بضمان كفاءة التنفيذ، فنحن نقدم بعض القروض لأغراض اجتماعية تشرف عليها منظمات من المجتمع المدني، كما إننا نستشيره حتى نستطيع وضع استراتيجيتنا فيما يخص مشاريعنا بأفضل شكل ممكن.
* أكثر من 27% من المصريين فقراء وفقا لبيانات الحكومة، وهناك مخاوف من أن تتسبب عملية الإصلاح الاقتصادي في زيادة أعداد الفقراء، فما هي توقعاتكم؟
- هناك عدة أوجه للفقر في مصر، منها البطالة، وقلة الدخل من العمل، والأمية، وسوء الخدمات والبنى التحتية، وهناك الفقر متعدد الأبعاد، مثل فقر الفرص مثلا، وهذه التعريفات تم أخذها في الاعتبار في خطط الحكومة للتنمية.
شيء جيد أن تقوم الحكومة بتوصيل خدماتها للمواطنين، وتحسن جودة التعليم والصحة، ولكن تبقى الطريقة الأفضل لمواجهة الفقر هي خلق وظائف بدخل لائق، لأن الأسباب الرئيسية للفقر في مصر هي البطالة أو انخفاض الدخل الناتج عن العمل، أو عدم ملائمة الزيادة في الدخول لزيادة الأسعار، لذا على الدولة أن توفر الوظائف للجميع وليس فقط المتفوقين أصحاب المهارات العالية.
يواجه العالم مشكلة في توفير الوظائف خاصة في الدول المتقدمة، ولكن مع الإصلاح، واستمرار عملية الإصلاح سيتم خلق الكثير من الوظائف، وهذا سيحارب الفقر وعدم المساواة.
* ما هو تقييمك لشبكة الحماية الاجتماعية للفقراء في مصر ومدى صمودها أمام القرارات الاقتصادية الأخيرة؟
- توجد بعض البرامج في مصر، ويدعمها البنك الدولي، مثل تكافل وكرامة، التي تربط تقديم الدعم النقدي بتحسين الرعاية الطبية والتغذية للأطفال، وغطت أكثر من مليون أسرة، كما تم تطوير منظومة الخبز (المدعم). هذه المشروعات يتم الارتقاء بمستواها مع الوقت، لكن جزءا من منظومة الحماية الاجتماعية هو توفير الوظائف في المناطق المحرومة مثل الصعيد، حتى يحصل الناس على ما يكفيهم "بكرامة".
وافقنا على تمويل بقيمة 500 مليون دولار في سوهاج وقنا، في يوليو الماضي، بهدف خلق الوظائف في المحافظتين، في مناطق تُصنف ضمن الأكثر فقرا في مصر، ونأمل أن يكون المردود جيدا. كما ندعم إنشاء وحدات صحية في الصعيد أيضا، هذه كلها خيوط ضمن شبكة الحماية الاجتماعية.
وعلى مصر دراسة تجارب الدول الأخرى فيما يخص شبكات الحماية الاجتماعية، فما هو مناسب في أوروبا ربما لا يكون مناسبا هنا. نظام مثل "تكافل" مُطبق في دول أمريكا اللاتينية، حيث يتم ربط الدعم المادي بالرعاية الصحية للأطفال وذهابهم للمدرسة، مصر تعلمت هذا الدرس منهم. وفي رحلة الإصلاح على الدولة دراسة تجارب الدول الأخرى المناسبة لقيم شعبها، ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من المواطنين.