أحدث الأخبار
هدير مكاوي وأمثالها
انتمى إلى جيل يمتلك مفردات تشابه كثيرا مفردات جيلي الخمسينات والستينات اللذين تربينا على أيديهما وكان لديهما وقت كاف للجلوس معنا وإشباعنا بمعتقداتهم ورؤيتهم ومبادئهم الحياتية.
وأحد تلك المفردات هو العنوان الذي يعتلي مقالي وهو عنوان يكشف عن توجهات نسبة كبيرة من المجتمع لا تتقبل أو توافق على ما فعلته هدير مكاوي.
هدير وفقاً للروايات أحبت شاباً تزوجته عرفياً حملت منه ورفض أهلهما ارتباطهما. تنصل هو من وليده لكنها قررت الاستمرار وأنجبت ثم أقامت دعوى إثبات الزواج والنسب ثم نشرت قصتها على السوشيال ميديا، وبدأت حربا مشتعلة بين من يعتنقون مبادئ وأفكار وقيم الأجيال سابقة الذكر في مقدمة مقالي وبين تلك الاجيال التي تنتمي إليها هدير.
دعوني أولاً اخبركم بعض القصص عن بعض صديقاتي المقربات اللواتي يعشن مع ابنائهن وقد انفصلن عن أزواجهن.
صديقتي الأولى تعمل في الوسط الذى أعمل به وهي أم لطفل عمره 8 سنوات لا تملك لنفسها وقتا بعدما انفصلت عن زوجها عقب زواج لم يستمر عامين.
كلما هاتفتها أجدها تقوم بأحد ثلاثة أمور إما أنها تعمل، وهى بالمناسبة من القلائل اللواتي يمتلكن قدرات ادارية وقيادية هائلة، وهى ايضاً مخلصه لعملها، وإما أنها مع ابنها تقوم بتلبية طلباته وحين تكون معه تكون أماً فقط تحاول أن تجعل هناك فاصلاً بين عملها وحياتها مع شريك حياتها الوحيد ابنها او انها تساعد اصدقاءها في محنهم وهذا ايضاً لا يكون على حساب وقت ابنها.
استطاعت ان تحافظ على وجود طليقها في حياة ابنها ويجتمع الاثنان كثيراً دون التقيد بشئ الا مواعيد الدراسة ومتابعة دروس الابن. مازالت في عمر يقارب عمر هدير، لم أشاهدها يوماً تشكو أو تئن بل انها ما زالت تحافظ على حيويتها وجمالها كما أنها تحظي بدعم الجميع إن ارادت هي لأنها في الحقيقة هي التي تدعم الجميع وتحظى باحترامهم وحبهم ايضاً.
صديقتي الثانية تكبرني بسنوات أي أنها من مواليد السبعينات أو أواخر الستينات، انفصلت عن زوجها الثري تاجر الذهب ولم ير ابنها الدنيا بعد، وقررت أن تكون عائلته وأن يكون هو محور حياتها.
الآن الابن أتم دراسته الجامعية ومازال هو كل حياتها في الوقت الذي يبحث لنفسه عن حياة جديدة بعيداً عن أمه التي وهبت شبابها من أجله.
لدي الكثير من القصص لكن ما أردت ايضاحه أن المجتمع مليء بقصص النساء ممن وجدن أن زواجهن لن يكون مصدرا لسعادتهن وتحدين تقاليد مجتمعية عتيقة ومتوغلة في أوصال المجتمع الشرقي، ترفض فكرة الطلاق وتعتبر أن المطلقة امرأة غير مرغوب بها مجتمعياً.. لكنهن استطعن بصورة او أخرى «داخل الاطار المقبول مجتمعياً» تحدي هذه الرؤية وصعدن إلى السطح وفرضن أمرهن على المجتمع كواقع يجب التعامل معه بل والموافقة عليه ومساعدته وهذا ما حدث.
هدير تأتي الآن وتخلق جدلاً مجتمعياً جديداً تحت مظلة «الحرية الشخصية» وهو مصطلح ذو سمعة سيئة داخل مجتمعنا المتهم بالتناقض. وهنا أنا انتقد مجتمعا ولا أدافع عن فعل بل أحاول أن أقول إن هناك مشكلة أخرجتها أزمة هدير إلى السطح وعلينا التعاطي معها لأني أوقن أن هناك كثيرات مثلها في الأوساط شبه المثقفة كما أن هناك كثيرات مثلها في العشوائيات ضحايا ما يسمى اعلامياً بـ «زواج الحجرة» .
الأمر إذن يتخطى حدود النقد والشجب والإنكار والاستنكار مما يكشف عن مشكلة مجتمعية دفينة عمرها أكثر من عقدين تم القاؤها في وجه المجتمع وبدلاً من البحث في أسبابها وطرق تفادي انتشارها تبادل المتلاسنون الاتهامات بالرجعية والبجاحة.
الشباب يتهمون أجيالنا والأجيال السابقة علينا بالرجعية لرفضهم هدير وأمثالها وهم في ذات الوقت يرون أن ما تعانيه هدير مشكلة يجب عدم تكرارها وبدأوا في توجيه النصائح للبنات والشباب لتخطى عقبات الارتباط التي من الممكن أن تخلق أزمة مماثلة أي انهم يعترفون بوجود خطأ ما لكنهم في ذات الوقت -وهذا حقهم - يرون أنه لا يجب تعليق المشانق لـ«الضحية» هدير.
أبناء الثمانينات وما قبلها يرون أن انحلالاً أسرياً تسبب في الظاهرة التى غيمت على سماء مجتمعنا لكنهم لا يرون أنهم عناصر تلك الأسر التى يخرج منها هؤلاء «المتحررون» وبالتالي هم أحد أسباب تلك «الازمة» بينهم والدا هدير ومحمد الذين لم يسمحوا بسماع وجهة نظر تخالف معتقداتهم وما تربوا عليه ونسوا أن جيلهم تربى على ثلاث قنوات تليفزيونية تنتهي فترة بثها في الثانية عشر مساءً، ولم ير الهاتف النقال الا بعد ان اقترب من العقد الثالث من عمره وكانوا يسمعون قصص الانحلال الاخلاقي ويتخيلونها في احلامهم فقط ومن يقدم على تجربتها يشعر بأنه سيكون غير مقبول ومنبوذ مجتمعياً لو فُضح أمره.
وأما جيل محمد وهدير فتربى في عصر الفضاء اللامتناهي والقنوات التي لا حصر لها ومواقع الانترنت التي تفوق في عددها عدد اصناف الكائنات الحية المتعايشة على ظهر الارض ويمكنهم مشاهدة ومتابعة أي شىء في أي وقت.
أبناء السبعينات والثمانينات لم ينتبهوا إلى أن اباءهم وامهاتهم كان لديهم وقت كاف لهم أما هم فقد انهكتهم متطلبات الحياة بسبب سوء ادارة الدولة وارتفاع تكاليف المعيشة فاصبحوا لا يجدون وقتا لابنائهم والآن يطالبونهم بالتشبع من مبادىء الاولين بعد فوات الأوان.
اخبرتنى صديقة أن كثيرين ممن هم على مشارف العقد الثاني من عمرهم لا يرغبون في الزواج والارتباط إلا بعد اختبار جدية وجدوى العلاقه أي أن هؤلاء يسيرون في ركب هدير ومحمد، وهذا أمر لو تعلمون خطير اذا لم يبدأ حوار مجتمعي تنظيمي الآن يكون الاكثر تحدثاً فيه هم الشباب ويكون لزاماً على الكبار الانصات والتعقل قبل التفوه بأي حرف.
ما يتحدث به الكثيرون عن ارتكاب جريمة زنا بحكم الدين يجب أن يخضع للتفحص واعادة النظر وانا لست عالماً في هذا المجال لكن وفقا للرواية فعامل الاشهار موجود وهناك وثيقة يعترف بها القانون تم توقيعها.
على المجتمع أن يضع اطراً جديدة تمنع حالة التفلت والانفلات وتحقق للشباب ما يريدونه من اختبارات لا تتعدى حدود الأخلاق والقيم والمبادئ المتعارف عليها في كل الاديان السماوية وغير السماوية.
على الكبار أن يستمعوا لصغارهم وينصتوا جيداً ويجدوا حلولا منطقية واقعية لما يضعونه في خانة «مشاكل» وعلى الدولة إن كانت ما زالت حاضرة أن تساعد على انجاح حوار مجتمعي بين الاجيال حتى لا نشاهد قيماً مختلفة غير مرغوبة مجتمعياً في المستقبل «القريب».
واذا كان لي من رأي شخصي اجدني لا احب أن يُقدم ابنائي على هذا الامر لكن يجب ان يكون لي دور في عدم تسرعهم واقدامهم عليه.