أحدث الأخبار
بعد قرابة خمسين عاماً على جرائم ارتكبتها إسرائيل، في حق مئات من الأسرى المصريين، ألزمت المحكمة الإدارية العليا السبت الماضي، الحكومة بحكم نهائي وبات، غير قابل للطعن بمقاضاة إسرائيل دولياً على قيامها بعمليات قتل وتعذيب للأسرى المصريين خلال حربي 1956 و1967 لكن خبراء قالوا إن التفاوض ربما يكون الطريق الأفضل بسبب تعقيدات اللجوء لمحكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية والدعم الأمريكي لاسرائيل في الأمم المتحدة.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية في تصريح خاص "لأصوات مصرية"، إن الأمر خاضع للقضاء وهو المعني بتحريك الملف، وكل ما يمكن للخارجية القيام به هو مناقشة الأمر في جلسات مجلس الأمن والأمم المتحدة.
وأيدت المحكمة بقرارها الصادر السبت، حكماً أصدرته محكمة القضاء الإداري في 3 أبريل 2008 بالمضمون ذاته، والذي قبلت فيه دعوى أقامها المحامي وحيد فخري الأقصري، على خلفية بث مقاطع فيديو إسرائيلية تصور عمليات قتل ودفن جنود مصريين أسرى، ثم اكتشاف مقابر جماعية لهم في سيناء خلال تسعينيات القرن الماضي، وإعلان وزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى أن الخارجية ستعد ملفاً بتجاوزات إسرائيل ضد الأسرى المصريين لإثبات مخالفتها القانون الدولي.
لكن الحكومة طعنت على الحكم الصادر في 2008، واعتبرت أنه تدخل في اختصاصاتها المطلقة كسلطة تنفيذية، وأن مقاضاة إسرائيل أو رفع شكوى في مجلس الأمن يعتبر من أعمال السيادة التي لا يختص القضاء بالرقابة عليها.
فلاش باك
كان عدد من الأسرى المصريين في حربي 1956 و1967، أقاموا عام 2001 الدعوى القضائية رقم 7691 لسنة 62 قضائية، طالبوا فيها الحكومة بمقاضاة إسرائيل دولياً، ومطالبتها بالحصول على حقوقهم المهدرة مما لحق بهم من تعذيب داخل السجون الإسرائيلية إبان تلك الحروب.
وأكد وحيد فخري الأقصري، محامي الأسرى، في دعواه أنه يمتلك أفلاماً وثائقية تؤكد قتل إسرائيل للمئات من الأسرى المصريين، لافتا إلى أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، مستشهدا بالقانون الإسرائيلي رقم 5910 لسنة 1950، الذي نص على عدم سقوط الجرائم التي حدثت من النازية في حق اليهود بالتقادم، مشيرا إلى أن إسرائيل موقعة على اتفاقية جنيف لعام 1951، وأنها ملزمة بالقانون الدولي الذي لا يجيز سقوط جرائم الحرب بالتقادم.
وصدر حكم القضاء الإداري عام 2008، لصالح الأسرى، إلا أن الحكومة طعنت عليه.
استمر الأمر حتى أصدرت الإدارية العليا السبت، حكما يؤكد على أن مقاضاة إسرائيل هي السبيل الوحيد لحماية حقوق المواطنين المصريين الذين أصيبوا في الأسر بالمخالفة للقواعد الدولية والاتفاقيات الموقعة من مصر وإسرائيل، والحصول على تعويضات لمن تم قتلهم في الأسر، وأنه "يجب على الدولة الالتزام من تلقاء نفسها دون حاجة إلى طلب من المواطنين، وفقا لأحكام الدستور".
واعتبرت المحكمة أن امتناع وزارة الخارجية عن هذه الأعمال وعدم توفيرها الحماية القانونية للمواطنين، بمثابة قرار سلبي جدير بالإلغاء، خاصة أنه يخالف المواد الدستورية التي تضمن سيادة الدولة، وتلزمها بتكريم شهداء الوطن.
وأضافت المحكمة أنه "طالما كان العمل المتصل بعلاقة مصر بالدول الأخرى يتعلق بحقوق المواطنين أو تنفيذ اتفاقيات دولية، فإن المحكمة اعتبرته من أعمال الإدارة التي يجب على القضاء مراقبة مشروعيتها، لأن الدولة المصرية ملتزمة بالدفاع عن حقوق مواطنيها في مواجهة الدول الأخرى باتباع الوسائل الدبلوماسية والقانونية المقررة دولياً".
حكم مُلزم
قال علي أيوب، مدير مركز ابن أيوب للدفاع عن الحقوق والحريات، إن الحكم مُلزم ويحث الجهات الإدارية على اتخاذ خطوات دولية لتعويض الأسرى، وتتمثل تلك الجهات في مجلس الوزراء، ووزير الخارجية ورئيس الجمهورية، ويلزمهم الحكم بالدفاع عن حقوق المواطنين، وإلا طبقت عليهم المادة 123 من قانون العقوبات، التي تنص على أن على الموظف العام تنفيذ الأحكام القضائية وإلا يحكم بحبسه وعزله.
وأكد أيوب على أن من حق الحاصل على الحكم التقدم إلى النائب العام لتنفيذه، والتفاوض من خلال قنوات دبلوماسية مع إسرائيل، "وإن لم تستجب نلجأ لقواعد القانون الدولي والأمم المتحدة وأجهزتها".
جرائم لا تسقط بالتقادم
قال محمد عطا الله، أستاذ القانون الدولي، إن من حق أبناء وأحفاد الأسرى المصريين المطالبة بحقوق أبائهم وأجدادهم، "فمثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم وعلى مصر التحرك بدبلوماسية، لكن الإشكالية أن تقوم إسرائيل بالمطالبة بالمثل والرغبة في استرداد حق الأسرى الإسرائليين، إلا أن هذا ليس بذنب الأسير المصري".
وأشار عطا الله إلى أن الحكومة مجبرة على المطالبة بحقوق الأسرى، ولمقيم الدعوى التصعيد ومتابعة الوضع وإخطار المحكمة بعدم تنفيذ الحكومة للحكم، وفي حال ما إذا رفضت إسرائيل تنفيذ ذلك يمكن لمصر تصعيد القضية دولياً، "وأعتقد أنه سيكون هناك تفاوض بين الحكومتين الإسرائيلية والمصرية".
وأكد عطا الله على أن المواطن المصري ليس أمامه سوى اللجوء للمحاكم لتعويضه والدفاع عنه، وهذا ما فعله مقيم الدعوى، فالمواطن المصري لا يستطيع التحرك دولياً إلا من خلال حكومته وفقاً للإتفاقيات والقوانين الدولية.
وعن الجهات الإدارية المنوط بها التحرك دولياً قال عطا الله، إن وزارة الخارجية أولاً من يجب عليها فعل ذلك، وإذا كانت هناك معوقات يتم رفع الأمر لرئيس مجلس الوزراء، وبدوره يعرض الأمر على السلطة المختصة الممثلة في رئاسة الجمهورية، وبدورها تتحرك في إطار القنوات الدبلوماسية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل التحرك دولياً، أو في حالة ما رفضت إسرائيل تعويض الأسرى.
مصر ليست الأولى
قال حميدو جميل، خبير قانوني وصاحب حكم إلزام مصر بمطالبة بريطانيا بإزالة الألغام من الصحراء الغربية الصادر في أغسطس 2015، إن حكم الإدارية العليا إيجابي، لأنه ألزم الدولة بالغاء قرارها السلبي بالامتناع عن مطالبة إسرائيل بتعويضات لضحايا وأسرى حربي 67 و56.
وأشار حميدو إلى أن إقرار التعويضات للدول التي تضررت من دول أخرى، هو مبدأ راسخ في القانون الدولي، وهناك عدة سوابق دولية مثل حصول اليهود على تعويضات من ألمانيا عن جرائم الهولوكوست، وكذلك حصول كينيا على تعويضات من بريطانيا عام 2013، لجرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية أثناء احتلال بريطانيا لكينيا في ستينات القرن الماضي، كذلك في عام 2008 تم توقيع إتفاقية بين إيطاليا وليبيا بموجبها تقدمت إيطاليا باعتذار رسمي لشعب ليبيا عن الاحتلال الإيطالي وتعهدت بدفع تعويضات بلغت قيمتها 10 مليار دولار، ويتم دفع تلك التعويضات على أقساط.
وقال حميدو، إن الحكم الصادر استمرار للنهج الجديد الذي انتهجه القضاء الإداري، حيث أنه تصدى لعمل كان في الماضي يعتبر من أعمال السيادة، وهو علاقة الدولة المصرية بغيرها من الدول. الحكم الأول كان إلزام الدولة بمطالبة بريطانيا بازالة الألغام من الصحراء الغربية على نفقتها الخاصة، وتعويض مصر عن عدم استغلالها لتلك الأراضي التي مازلت تحوي الألغام ومخلفات الحرب العالمية الثانية، وتعويض ضحايا الألغام، ثم تبعه حكم آخر وهو الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا برفض اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وكان هذا الحكم بإلزام مصر بمقاضاة إسرائيل هو الثالث.
وتعليقاً على ما يجب على الدولة فعله حال فشل المفاوضات السياسية بين مصر وإسرائيل، قال حميدو، إن مصر لا تستطيع اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لأنها تشترط موافقة الدولتين المختصمتين، "وبهذا يكون أمامنا وفقاً للقانون الدولي، إما اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومصر لم توقع على إتفاقيتها، أو اللجوء إلى قضاء إحدى الدول التي يسمح قانونها الداخلي بمخاصمة دول أجنبية، مثل أمريكا وكندا وبلجيكا، أو اللجوء لمحكمة إسرائيلية".