أحدث الأخبار
كُن مع ترامب أو الإنسانية
حين قال الرئيس الأمريكى ترامب فى خطاب تنصيبه (سنقوم بتوحيد العالم لمحو الإسلام المتطرف من على وجه الأرض) لم يكن الرجل يقصد داعش وأمثالها فقط، فخطابه العنصرى ضد الإسلام والمسلمين وضد المرأة والمختلفين عرقيا ظهر جليا فى تصريحاته التى واكبت صعوده السياسى فى أمريكا خلال الحملة الانتخابية.
لذلك جاء قرار ترامب بوقف دخول جميع اللاجئين ومنع دخول مواطنى سبع دول إسلامية ليؤكد قناعات الرجل المتطرفة والتى لاقت إدانة غربية واسعة لم تقابلها إدانة رسمية إسلامية وعربية مماثلة!، نددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالقيود على الهجرة والسفر إلى الولايات المتحدة معتبرة أن المسلمين هم المستهدفون بهذا القرار الذى اتخذه ترامب ويتناقض مع مبادئ المساعدة الدولية للاجئين، وقالت ميركل إن «مكافحة الإرهاب الضرورية والحازمة لا تبرر إطلاقا تعميم التشكيك بالأشخاص من ديانة معينة وتحديدا هنا الإسلام»، بينما وقع ما يقرب من نصف مليون بريطانى وثيقة تطالب البرلمان بمنع دخول ترامب لإنجلترا، وفى ولاية فلوريدا قرر عمدة مدينة سانت بطرسبرغ الأمريكية منع ترامب من دخول المدينة بعد تصريحاته المثيرة للجدل وكتب تغريدة فى موقع تويتر يقول فيها (أمنع دونالد ترامب من دخول سانت بطرسبرغ حتى نفهم تماما التهديدات الخطيرة التى يمثلها كل ترامب).
***أقال ترامب القائمة بأعمال وزير العدل سالى ييتيس من منصبها بسبب رفضها تطبيق قراره التنفيذى بشأن حظر دخول رعايا سبع دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، وتشكيكها فى قانونية القرار وكانت ييتيس قد أصدرت تعميما تطلب فيه من المدعين العام عدم تطبيق قرار ترامب مما جعل البيت الأبيض يصفها فى بيان رسمى بأنها (خانت وزارة العدل)!.
قرار ترامب الأخير يمنع استقبال اللاجئين لمدة 4 شهور قابلة للتجديد ويحظر دخول اللاجئين السوريين لأجل غير مسمى ويحظر لمدة 90 يوما دخول المواطنين من سوريا والعراق وإيران وليبيا والسودان والصومال واليمن، وزاد الطين بلة ما قاله ترامب فى مقابلة تليفزيونية إن الأولوية فى طلبات اللجوء إلى الولايات المتحدة التى يقدمها لاجئون ستكون للمسيحيين!
انتفضت وزارة الخارجية الأمريكية ضد القرار حيث وقع حوالى 900 مسئول فى وزارة الخارجية الأمريكية على مذكرة داخلية تعترض على القرار التنفيذى الذى وقعه الرئيس الأمريكى ترامب بشأن حظر دخول مواطنى سبع دول إسلامية، وتم تقديم المذكرة للقائم بأعمال وزير الخارجية وعقب المتحدث باسم البيت الأبيض على المذكرة قائلا إنه على دراية بالمذكرة لكنه حذر الدبلوماسيين من أنه ينبغى عليهم تأدية مهامهم أو الرحيل!***
صار العنصرى ترامب يمثل اختبارا تاريخيا للقيم الإنسانية عامة، حيث يمثل التيار الذى يعبر عنه ردة مخيفة للإنسانية تنتكس فيها الفطرة وتتلاشى كل منجزات الحضارة تحت وطأة التطرف واللامعقولية التى تقود العالم للخراب وترسخ التطرف وتدعم الإرهاب وتقدم له جميع المبررات للانتشار وضم مؤيدين جدد تحت قناعات الاستهداف والتمييز والمظلومية وعداء الأديان.
يفعل ترامب كل ما يساعد الإرهاب وينشر التطرف بينما يرفع فى حمق شعار مواجهة الإرهاب والقضاء على المتطرفين الذين ستزداد أعدادهم بتأثير سياساته، أقوى وأنجح الضربات التى قام بها العالم ضد الإرهاب لم تكن عسكرية بل كانت ثقافية بتفنيد أفكاره ونشر القيم المضادة مثل التسامح والتعايش وقبول الآخر. كل من يزعم أن محاربة التطرف والإرهاب ستكون عبر خطابات الكراهية والتمييز والعزلة هو صانع للإرهاب وداعم له، ليس مقبولا أن نترك هؤلاء الموتورين يقودون العالم للوراء وينتكسون بالإنسانية إلى عصور مظلمة سالت فيها الدماء وتم التمييز بين البشر بسبب لونهم أو جنسهم أو عقائدهم، ما يحدث هو موجة هتلرية جديدة يعبر عنها صعود اليمين المتطرف فى أنحاء شتى من العالم، هذه الموجة الترامبية – الهتلرية ينبغى التصدى لها على جميع المستويات حفاظا على القيم الإنسانية وإنقاذا للبشرية من مستقبل مظلم تمضى إليه.***
من المؤسف أن ردة الفعل العربية والإسلامية الرسمية ضد قرارات ترامب كانت شبه منعدمة ولا يمكن مقارنتها بردة الفعل الغربية الرسمية والشعبية، وهذا أمر مثير للدهشة وكأن المستهدف من هذه القرارات أناس من كوكب آخر وليس أهل هذه المنطقة وهذه الديانة!، يعتقد بعضهم أنه سيكون بمنأى عن هذه الموجة الترامبية – الهتلرية، لكن الحقيقة عبرت عنها صحيفة (الديلى نيوز) فى كاريكاتير نشرته لترامب وهو يحمل سيفا قطع به رأس تمثال الحرية وكتبت فيه (حين تكلم ترامب عن المكسيكيين لم أبالِ، ولما تكلم عن المسلمين لم أبالِ أيضا، وبعدها سيجىء دوري).
العالم اليوم فى مفترق طرق، إما أن يخضع لهذه الأفكار الرجعية وإما أن يقاوم ويتصدى بقوة لهذه الموجة لتعود لحجمها الطبيعى كمربع صغير لبعض المتطرفين والمهووسين الذين لا يمكن تخيل أنهم يحكمون العالم ويقررون مصير مليارات من البشر، لن يكون قرار ترامب ضد اللاجئين القرار الأخير فى موجة الكراهية والتمييز فالقادم أسوأ.
القضية لا تخص دينا ولا دولة ولا فئة بل هى قضية كونية تمثل تهديدا للبشرية كلها ويتجلى فيها صراع القبح والجمال والتقدم والرجعية، كل البشر معنيون بمواجهة الموجة الترامبية – الهتلرية، قبل أن تطالهم نيرانها، فلنختر مكاننا من الآن قبل فوات الأوان.
هذا المقال منشور في صحيفة الشروق بتاريخ 3 فبراير 2017.