أحدث الأخبار
الرئيس والإمام.. والطلاق
هل صدور قانون يشترط توثيق حالات الطلاق ليصبح نافذا وواقعا، سيقلل نسبة الطلاق التى تتزايد فى المجتمع بصورة كبيرة؟!!.
ربما سيؤدى صدور مثل هذا القانون إلى خفض حالات الطلاق، لكن بنسب قليلة جدا، لا تلبى الغرض الرئيسى للقانون المنتظر، وأخشى اننا لم نضع ايدينا على الاسباب الحقيقية للمشكلة.
كنت موجودا فى القاعة الرئيسية لاكاديمية الشرطة، حينما تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن النقاش الذى دار فى وقت سابق بينه وبين اللواء ابوبكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء عن المشكلة.
وفى يوم الاحتفال ابدى الرئيس قلقه من ارتفاع نسب الطلاق إلى نحو اربعين فى المئة، ومخاطر هذا الامر. وبعدها تحدث عن ضرورة وجود تشريعات تحد من وقوع الطلاق، مثل اشتراط توثيقه لكى يكون نافذا.
ثم التفت الرئيس إلى شيخ الازهر الامام الاكبر الدكتور أحمد الطيب الذى كان يجلس فى الصف الاول، وداعبه قائلا: «تعبتنى معاك يا مولانا».
وضجت القاعة بالضحك، وهو الامر الذى اعتبره البعض معارضة مبدئية من الامام الاكبر للفكرة. فى اليوم التالى دارت العجلة بسرعة، وقرأنا ان البرلمان سيناقش فى اقرب فرصة مشروع قانون يجعل وقوع الطلاق مشروطا بتوثيقه.
ويوم الاحد اجتمعت هيئة كبار العلماء بالازهر، واكدت وقوع الطلاق الشفوى المستوفى اركانه وشروطه، وهو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبى عليه الصلاة والسلام.
ورغم ذلك طالبت الهيئة بضرورة سرعة توثيق الطلاق حفاظا على حقوق المطلقة وأولادها. وان من حق ولى الامر ان يتخذ ما يلزم من اجراءات لسن تشريع يكفل معاقبة من امتنع عن توثيق الطلاق لان فى ذلك اضرارا بالمرأة وحقوقها الشرعية.
البعض اعتبر اعلان علماء الازهر معارضة صريحة لاقتراح الرئيس، وبدأوا فى شن هجمات على الشيخ والمشيخة، والبعض الاخر قال ان كلام الازهر منطقى وكان متوقعا، لانه يمثل اجماع العلماء على مر القرون، ولم يكن ممكنا الالتفاف على هذه القواعد المستقرة، فى الفقة والشرع.
لكن تعالوا نتصور ونفترض جدلا، ان مجلس النواب اصدر القانون المتوقع، ونتصور ايضا ان الازهر غير موقفه ووافق على الفكرة، فهل يعتقد البعض ان المشكلة انتهت؟!!.
مرة اخرى فان الاجابة للاسف هى لا، والسبب ببساطة ان تزايد حالات الطلاق يعود لاسباب معقدة ومتداخلة، وبالتالى فان العلاج الحقيقى يكون بالقضاء على هذه الاسباب، وليس فقط باصدار قوانين جديدة.
بناء على ملاحظات ميدانية عشوائية، فان السبب الاساسى لحالات الطلاق هو الازمة الاقتصادية. قبل ايام قليلة شاهدت زوجين يتشاجران فى شارع خلف مجلس الوزارء، وارتفع الصوت عاليا، وسمعت تهديدات بإلقاء اليمين، والسبب هو المصاريف.
الغلاء الفاحش طال الجميع، لكن ضربته الاقوى اصابت الطبقتين الفقيرة والشريحة الاضعف فى الطبقة المتوسطة، وبالتالى فان «المعايش الصعبة» هى التى تجعل الحياة شبه مستحيلة، والبيوت هشة، والزوج عاجزا، والنتيجة اما عبارة «طلقنى لو كنت راجل» أو «غورى وانت طالق»!.
السبب الثانى هو تراجع الصحة العامة، وتقول دراسات حديثة بان نسب الضعف الجنسى بين الشباب تتزايد بفعل التلوث وسوء التغذية والضغوط المختلفة، وهذا امر لا صلة له بالانجاب ومعدلات الخصوبة المرتفعة، لكنه صار سببا جوهريا فى انهيار العديد من الاسر.
السبب الثالث هو انتشار المخدرات واقراص الهلوسة والترامادول، بين فئات مختلفة، خصوصا الشباب، ما يجعل الاسر تصاب بالتفكك خصوصا بين الحرفيين وفى الاحياء العشوائية.
السبب الرابع هو انتشار الجهل وزيادة البلطجة، والثقافة العنيفة، مقابل غياب الوازع الدينى، الامر الذى يجعل كثيرين يستسهلون تطليق زوجاتهم.
السبب الخامس هو تراجع منظومة القيم بصورة حادة، وتراجع الاخلاق والترابط الاسرى، واختفاء العديد من الكوابح والروادع الاجتماعية التى تلعب دورا فى فرملة وتقليل حالات الطلاق، ووصلنا إلى مرحلة تتباهى فيها بعض الفتيات خصوصا فى الطبقات العليا، بانهن صرن مطلقات، لكن الخطر الاكبر ان هذه الظاهرة بدأت تصل إلى الطبقة الوسطى.
احد اصدقائى قال لى قبل ايام ان اكثر من ستين فى المئة من اصحابه طلقوا وبعضهم تزوج مرة ثانية.
اهلا بأى قانون أو تشريع أو أى خطوة تقلل من فيروس الطلاق الذى ينتشر بسرعة فائقة، لكن مرة اخرى علينا ان نعالج جذور المشكلات وليس فقط فروعها.
حمانا الله واياكم من ابغض الحلال !!.
نقلا عن الشروق.