أحدث الأخبار
يعتز كثير من السياسيين الإسرائيليين، وبعض الأمريكيين المخضرمين في عملية السلام "الأبدية" في الشرق الأوسط بذكرى زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس قبل 40 عاما، والتي نتجت عنها معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. وربما على الارجح يتذكر القادة العرب كيف انتهت تلك الزيارة: بوابل من الرصاص أطلقه جنود مصريون بعدها بأربع سنوات، حسبما قال تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية نشر بموقعها على الإنترنت يوم الأربعاء.
وأضاف التقرير أنه في غضون ذلك، مررت إسرائيل قانونا بإعلان القدس عاصمتها الأبدية بما في ذلك الجزء الشرقي من المدينة المقدسة التي احتلتها وضمتها بعد حرب الأيام الستة عام 1967. واعتبر مجلس الأمن الدولي هذا القانون لاغيا وباطلا بموجب القرار رقم 478، الذي امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت عليه. وكان الضغط الأمريكي حينئذ هو الذي أقنع الدول التي توجد لها سفارات في القدس بنقلها خارج أكثر مدن العالم اشتعالا.
ويجدر تذكر هذه الأمور في ضوء تنحية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للاجماع الدولي الراسخ على أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يجب أن يحل على أساس إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، باستخدام كل الأراضي تقريبا في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق القدس، مع تبادل أراض محدود للسماح لإسرائيل بالحفاظ على بعض المستوطنات اليهودية بالقرب من حدود ما قبل 1967.
وقبل اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، علق ترامب بطريقة عرضية قائلا "أنا أبحث في حل الدولتين وحل الدولة الواحدة، وأنا أفضل الحل الذي يحبه الطرفان." وأشار إلى "صفقة أكبر بكثير" من شأنها أن "تضم العديد من البلدان". ويبدو أنها إشارة إلى أنه يريد من حلفاء الولايات المتحدة العرب الضغط على الفلسطينيين، ومن العرب السنة الانضمام لإسرائيل في تحالف ضد إيران. وحتى الآن، يتحدى الواقع ذلك على كل الأصعدة.
وصحيح أن المدى الذي ذهبت إليه إسرائيل في احتلال الأراضي العربية وإقامة مستوطنات عليها قد يعني أن قيام دولة فلسطينية أصبح أبعد من متناول الحلول السياسية؛ وأن إقامة دولتين كصيغة تقدم الحل للفلسطينيين والأمن لإسرائيل تلاشت فعليا بعدما طاردها الفشل لأكثر من عقدين من الزمن. لكن كل يهود إسرائيل وأغلب الفلسطينيين يعارضون إقامة دولة واحدة كحل بديل. وليس من الصعب معرفة السبب.
وقال تقرير فاينانشال تايمز إن اليهود يرون أن الوضع السكاني هو قنبلة موقوتة، حيث سيفوقهم العرب عددا في نهاية المطاف في المساحة الضيقة بالفعل بين نهر الأردن والبحر المتوسط. والفلسطينيون الذين ضاقوا ذرعا بقيادتهم الفاسدة والعاجزة، لن يختاروا حل الدولة الواحدة إلا إذا منحهم نفس الحقوق مثل الاسرائيليين، بما في ذلك حق التصويت. ولن يحدث ذلك. فالبقاء كمواطنين من الدرجة التانية تحت الاحتلال في كيان واحد واقعيا قد يكون فيه بعض المنطق. ولا تصمد انطباعات ترامب التجريبية الرنانة أمام هذا الواقع، لكنها تفتح أيضا الطريق أمام قوى اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو المدافعة عن ضم كل أرض اسرائيل التاريخية للمضي قدما وضم مساحات من الضفة الغربية.
والشق الثاني من "صفقة أكبر بكثير" يتحدث عنها ترامب ليس به جديد يذكر. فلطالما تواطأ قادة عرب وتعاونوا مع إسرائيل، لكن التدفق المعتاد للتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين ينبع من وصفة متعارف عليها للحفاظ على النظام الحاكم.
وعلى سبيل المثال، يقول آفي شليم، كاتب سيرة العاهل الأردني الراحل الملك حسين، إن الأردن عقد 58 اجتماعا سريا مع إسرائيل ما بين عامي 1963 و1994، حضر الملك 45 اجتماعا منها. وبعدما هرع العاهل الأردني الحالي الملك عبد الله إلى واشنطن، تراجع ترامب عن تعهده السابق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وباعتباره راعي المقدسات الإسلامية في القدس بموجب اتفاقية السلام، يفهم الحكم الهاشمي في الأردن جيدا مخاطر اللعب بالنار بجواره.
وماذا عن التحالف السني مع إسرائيل؟ إذا كانت الاردن ومصر، وقبل كل شيء، المملكة العربية السعودية، ترى أن الجمهورية الإسلامية الشيعية في إيران تكسب أرضا في العراق وسوريا ولبنان، وينتشر نفوذها في الخليج، أليس هذا تهديدا وجوديا كافيا لتغيير التحالفات؟
وربما يبدو أن السعوديين والإسرائيليين لديهم رؤية واحدة، وهو ما ظهر في مؤتمر ميونيخ الأمني الذي عقد مؤخرا. لكن القادة العرب يتجنبون المخاطرة في أفضل الأوقات، وليس الوقت الحالي من أفضل الأوقات، بعد سلسلة من الاضطرابات التي هزت نظام الحكم العربي، وصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وقال التقرير إن المخاطر قد تظهر بسبب قرارات غير ملائمة، في السعودية، حيث يتولى المسوؤلية ولي ولي العهد محمد بن سلمان، وفي مصر تحت قيادة عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش السابق. وقد تباعد هذان الحليفان المقربان، وهما ركيزتان لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، لأسباب لا تقتصر على قرار السيسي العام الماضي التخلي عن جزيرتين في البحر الأحمر للسعوديين، مما ألهب المشاعر الوطنية. وذكر التقرير أن مسؤولين مخضرمين في القاهرة يقولون إن قضية الجزر لم يسمح لها أي من الجانبين مطلقا بالاقتراب من طاولة للمفاوضات على مدى العقود الأربعة السابقة.
وقد يرغب ترامب في إجراء تجربة. وقد يرغب القادة العرب في أن تختفي قضية فلسطين والقدس، لكن إذا كانت هي المحك بالنسبة لشعوبهم فهذا يعني أن الآثار ستكون هائلة يصعب التحكم فيها. وربما يرغبون أيضا في أحلامهم أن يروا إيران تنفجر لكن بدون استخدامهم كمفجرين انتحاريين. فهم لا يستطيعون التجريب فيما يتعلق بمصيرهم.