أحدث الأخبار
كتب: محمد جاد
يأتي اتجاه الحكومة لطرح سندات دولارية "يوروبوندز" في الأسواق الدولية لأول مرة منذ 2010، مدفوعا باحتياج الدولة لتدبير العملة الأمريكية مع توسعها في استيراد منتجات الطاقة من الخارج، إلى جانب تحسن التصنيف الائتماني لمصر وبالتالي زيادة الثقة في قدرة الحكومة على السداد.
وتقول الحكومة إن هذا الإصدار سيكون بداية للتوسع في هذا النمط من الاستدانة، وهو ما يراه محللون بنظرة تفاؤل مشوبة بالحذر، فهذه السندات مصدر للتمويل الأجنبي ولكنه يزيد من أعباء الدين الخارجي في المستقبل.
"الحكومة تخطط لطرح يوروبوندز بقيمة 1.5 مليار دولار والعودة بشكل منتظم للأسواق المالية الدولية خلال السنوات المقبلة" كما قالت حنان سالم، نائب وزير المالية لوكالة رويترز، في فبراير الماضي، وهو الطرح الذي أعلن وزير المالية هاني قدري قبل أيام عن اختيار خمسة بنوك دولية واثنين محليين لإدارته، ولم يتحدد موعد هذا الطرح حتى الآن أو الفائدة عليه.
واليوروبوندز هي أحد أنواع السندات التي تصدر بعملات غير عملة البلد التي تطرحها. وتعد السندات إحدى الوثائق المالية التي تصدرها الحكومة للاقتراض، وتحمل تلك الوثيقة قيمة بمبلغ محدد مستحق السداد في أجل معين. وبينما تُعَد البنوك المحلية مثل مصر والأهلي المصري ضمن المشترين الرئيسيين للسندات الحكومية المحلية، فإن طرح سندات مصرية في السوق الدولية يعني فتح المجال للاقتراض من مؤسسات مالية أجنبية، مما يتيح مصادر جديدة لتمويل الحكومة.
وانخفضت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي بعد يناير 2011 مع تراجع تدفقات النقد الأجنبي، وبلغ الاحتياطي في فبراير الماضي 15.4 مليار دولار مقارنة بنحو 36 مليار دولار في نهاية 2010.
ويقول محمد أبو باشا، محلل الاقتصاد الكلي بالمجموعة المالية هيرميس، إن "الإصدار يأتي في الوقت الذي يتوقع فيه عجز متزايد بميزان المدفوعات في ظل الحاجة المتنامية لاستيراد الطاقة، والتسارع في معدلات الاستيراد مع تصاعد معدلات النمو الاقتصادي".
وكان آخر وزراء المالية قبل يناير 2011، يوسف بطرس غالي، قد طرح سندات دولارية في السوق الدولية، واعتبر المحللون أن الطرح كان ناجحا لما لقيه من إقبال انعكس في عروض من مستثمرين لشراء تلك السندات بـ10 و 6 أضعاف المبالغ المطلوبة في سندات تستحق الرد بعد 10 و30 عاما على التوالي.
ويري هاني فرحات، المحلل الاقتصادي ببنك الاستثمار سي أي كابيتال، أن الظروف الحالية للاقتصاد العالمى أفضل من ٢٠١٠ عندما كانت الأسواق الدولية لاتزال متأثرة بالأزمة المالية العالمية "الاقتصاد العالمي الآن فى تعافي مما انعكس على زيادة التدفقات النقدية لسندات الدول الناشئة.. لذا أتوقع نتائج جيدة للطروحات القادمة (من سندات يوروبوندز المصرية)".
ويشهد الاقتصاد المصري تعافيا أيضا في وتيرة النمو الاقتصادي، الذي بلغ 5.6% في النصف الأول من العام المالي الجاري، ويقول فرحات إن التوقعات بتزايد النمو والاستثمارات خلال الفترة المقبلة تساعد على إنجاح طرح السندات الحكومية.
لماذا تلجأ الحكومة للاستدانة بهذه الآلية؟
تمثل السندات بصفة عامة فرصة للحكومة للاقتراض بالدولار على الآجلين المتوسط والطويل، مقارنة بأذون الخزانة التي تضطر الحكومة لسداد قيمتها خلال عام على الأكثر.
ويقول محلل هيرميس إن لجوء الحكومة لهذه السندات يأتي في ظل اتجاهها منذ العام الماضي لزيادة نسبة السندات مقابل أذون الخزانة من إجمالي ديونها "لتوفير ديون بآجال أطول وهو ما يخفف من الضغوط المالية عليها".
كما أن "مصر استنفذت مصادر التمويل التى من الممكن أن تتمتع بتكلفة تمويل منخفضة مثل المساعدات الخارجية التي بلغت حوالى ٣٠ مليار دولار خلال العامين الماضيين" كما يقول محلل سي أي كابيتال، في إشارة إلى المساعدات الخليجية لمصر التي تراجعت وتيرتها بالتدريج بعد التدفقات القوية التي تلت 30 يونيو 2013.
ويقول محلل هيرميس إن "العائد على السندات الدولية أكبر من سعر الفائدة الذي تقدمه مؤسسات التمويل التنموية الدولية، ولكن مصر بالفعل حصلت مؤخرا أو في سبيلها للحصول علي تمويل من مؤسسات كالبنك الإسلامي للتنمية وبنك التنمية الافريقي والبنك الدولي في ظل الحاجة لتنويع مصادر التمويل".
وتتميز السندات الدولارية الدولية بأن العائد عليها أقل من عائد السندات بالعملة المحلية في ظل انخفاض الفائدة الأمريكية، حيث يتوقع أبو باشا أن يكون عائد اليوروبوندز "حوالي نصف العائد على السندات المصدرة في السوق المحلية".
وترى الحكومة أن أسعار الفائدة العالمية المنخفضة بفضل سياسات طبقتها أمريكا بعد الأزمة المالية العالمية تتيح فرصا للحصول على تمويل دولاري بعائد منخفض نسبيا، كما قال وزيرا المالية والاستثمار المصريين في مؤتمر قبل أيام للإعلان عن مديري طرح اليوروبوندز.
وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي الأمريكي) قد خفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل في أعقاب الأزمة المالية في 2008 إلى صفر، وهي تقترب الآن من هذا المعدل.
ويشير أبو باشا إلى أن أسعار العائد على طروحات في العام الماضي لدول تصنيفها الائتماني مشابه للتصنيف المصري "كانت تتراوح بين 6.5% و7% على سندات دولارية لعشر سنوات"، والتي تمثل مؤشرا يمكن على أساسه توقع عائد الطرح المصري.
كانت وكالة ستاندرد أند بوزر قد حسنت من التصنيف الائتماني للديون المصرية في نوفمبر 2013، وقامت فيتش بخطوة مماثلة في ديسمبر الماضي، وذلك بعد تخفيضات متوالية للتصنيف المصري منذ يناير 2011.
ويقول باسكال دوفو، المحلل الاقتصادي المتخصص في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ببنك بي إن بي باريبا، أحد مديري طرح السندات المصرية المرتقبة، إن رؤية الأسواق الدولية لمخاطر الديون السيادية المصرية قد تحسنت الآن مقارنة بـ2013، وهو ما يقلل من التكاليف المتوقعة للسندات الدولارية التي تعتزم الحكومة طرحها، كما جاء في رد على سؤال لأصوات مصرية بالبريد الإلكتروني.
ويستند دوفو إلى مؤشر تصدره وكالة بلومبرج عن المخاطر السيادية للديون المصرية الدولارية والذي أظهر تراجع المخاطر المصرية. واعتبر المحلل أن "الحكومة المصرية تستفيد (في طرحها للسندات) من حالة الاقتصاد بعد قمة شرم الشيخ والسيولة المتوافرة في أسواق الدين الدولية".
كانت الحكومة قد أعلنت عن اختيار بنوك ناتيكسيس وجي بي مورجان ومورجان ستانلي وبي إن بي باريبا وسيتي بنك من البنوك العالمية لإدارة الطرح، بالاضافة إلى بنكي الأهلي المصري وأبو ظبي الوطني كبنوك محلية تشارك في إدارة الطرح.
مستقبل من الفرص والمخاطر
ويأتي إصدار الحكومة المصرية لسندات يوروبوندز مع توسع الأسواق الناشئة في هذا السوق خلال السنوات الأخيرة، حيث يمثل العائد فرصة جاذبة للمستثمرين في تلك الأدوات المالية.
"الطلب على أدوات ديون الأسواق الناشئة لايزال قويا، لذلك شهدنا ظهور طروحات لسندات دولارية سيادية من دول أفريقيا جنوب الصحراء خلال السنوات الأخيرة" كما قال بول ادامز، المحلل الاقتصادي بمركز الدراسات الأفريقية في إنجلترا، ردا على سؤال لأصوات مصرية بالبريد الإلكتروني.
ويرى محلل سي أي كابيتال أن الحكومة المصرية أمامها فرصة للتوسع في إصدارات السندات الدولارية بشرط "استكمال سياسات الإصلاح الاقتصادى التى ستساهم فى تخفيض مستوى المخاطر السيادية.. مثل خفض عجز الموازنة والدين المحلى والعمل على تحرير حركة رأس المال من القيود المفروضة على التحويلات بالعملات الأجنبية".
ولكن محلل بي إن بي باريبا يحذر من تأثير هذه السندات على الديون الخارجية "هذه الديون حاليا غير مرتفعة، تمثل 16% من الناتج المحلي الإجمالي.. ولكن الاستثمارات التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر شرم الشيخ ستساهم في زيادة الديون الخارجية"، مشيرا إلى أن البلاد ستحتاج إلى تدبير قروض أجنبية لتمويل العديد منها.
"المخاطر الرئيسية تكمن في أن زيادة أعباء خدمة الدين ستمثل ضغوطا إضافية على احتياطات النقد الأجنبي في المستقبل" كما يضيف المحلل.