أحدث الأخبار
قال محلل سياسي إن المنطقة العربية تشهد الآن انفجارا ثوريا له "سيرورة" لن تنتهي إلا بحدوث تغيير اجتماعي واقتصادي مصاحب للتغيير السياسي والديمقراطي.
وأضاف جلبير الأشقر الأستاذ في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن أن ما حدث "سيرورة ثورية نابعة عن أسباب أعمق بكثير من مواضيع مثل التوريث أو إسقاط فلان أو فلتان... الموضوع المحرك الأساسي للوضع الانفجاري اليوم في الساحة العربية هو اجتماعي اقتصادي بالدرجة الأولى، هو الوضع الاجتماعي المزري الناجم عن الحالة الاقتصادية العربية التي بدورها مرتبطة بنمط معين من الاقتصاد ومن التركيبة الاجتماعية وطبيعة الدولة ومؤسسات الدولة في بلداننا...هذا هو حيث تكمن الجذور العميقة للانفجار الثوري الذي بدأ من تونس في ديسمبر 2010."
ويقوم الأشقر حاليا بزيارة قصيرة للقاهرة لإلقاء محاضرات ولتدشين كتابه الجديد "الشعب يريد- بحث جذري في الانتفاضة العربية".
وأضاف في مقابلة خاصة مع أصوات مصرية أن "الاستنتاج المنطقي هو أن العملية ليست عملية تخلص من شخصية حاكم ما أو حتى من نظام سياسي ما... بل هي عملية لن تتوقف قبل أن توجد حلول للمشكلة العميقة التي هي اجتماعية واقتصادية بالدرجة الأولى. لذلك أجزم بأننا دخلنا في سيرورة ثورية طويلة الأمد لن تتوقف قبل ايجاد حلول جذرية للمشاكل المذكورة."
وأعرب الأشقر عن أمله بأن تظهر قوى حاملة لمثل تلك الحلول "وإلا فالأوضاع مهددة بردات قد تؤدي إلى نتائج سياسية خطيرة قد تكون أسوأ مما سبق."
وشدد الأشقر على أن تعبير الربيع العربي كان له ما يبرره في بداية الموجة على اعتبار أن الناس ظنوا أن العملية مجرد فترة تستمر أشهرا قليلة تؤدي إلى إشاعة حد أكبر من الديمقراطية في المنطقة العربية.
لكن التعبير- من وجهة نظره- لم يعد ملائما، لأننا دخلنا في السنة الثالثة, بينما أطلقت تسميات الربيع على أحداث تاريخية محدودة زمنيا.
"في نظري يشكل ما نحن في صدده سيرورة ثورية طويلة الأمد سوف تستغرق على أقل تقدير سنوات عديدة إن لم تستغرق عشرات السنين."
وشهدت المنطقة العربية على مدار السنوات الثلاث الماضية انتفاضات شعبية أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي وبالمصري حسني مبارك، وأسفرت عن مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي وأرغمت الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على التخلي عن الحكم وفق شروط محددة.
ووصف الأشقر ما حدث بأنه انتفاضات "لكن السؤال هو: هل هذه الانتفاضات مجرد فورات آنية محدودة الأفق أم إنها أعمق من هذا."
وعرّف الأشقر مفاهيم الثورة والانتفاض قائلا "علينا أن ننتبه من حيث اللغة العربية أن تعبير ثورة مدلولاته مختلفة عن ريفوليوشن Revolution. فالأخير مفهوم سياسي باللغات الغربية ويرتبط بالتحولات العميقة (التي) أحد نماذجها الرئيسية الثورة الفرنسية.. ومجموعة من الثورات ميزت انتقال أوروبا من العصر الإقطاعي والاقتصادات الزراعية إلى العصر الحديث والصناعة.. إلخ."
"بينما في اللغة العربية: ثورة من ثار.. فعل ثار ممكن يأتي بمعنى تمرد أو هب.. لذلك نستعمل في اللغة العربية تعبير ثورة على أحداث تاريخية كثيرة لم تؤد إلى تغييرات هامة بل كانت انتفاضات مثل ثورة فلسطين عام 1936 والثورة العربية الكبرى."
وأكد على أن ما حدث هو "سيرورة ثورية.. نحن في الطور الأول مما سميته سيرورة ثورية طويلة الأمد.. ثورة.. سائرة. ما حصل حتى الآن مجرد بداية.. نحن في الطور الأول.. يمكن أن نؤرخ بدايتها في معظم البلدان التي شهدت انتفاضات على نطاق واسع لكن نهايتها في مستقبل غير منظور."
وتابع أنه "لما تهب الجماهير على مستوى مثلا ما شهدته مصر.. وتؤدي إلى... تغييرات هامة في النظام السياسي... لو اقتصر الأمر على ذلك فهي ثورات، وتعبير ثورة هنا مبرر.. لكن لو قصدنا ثورة بمعنى أعمق: تغيير النظام الاجتماعي وإلى آخره.. (فهذه) لم تحصل بعد وهي تغييرات ضرورية إن أردنا أن تنتهي العملية الثورية أو تستقر الأمور فهذه لا تزال أمامنا وليست وراءنا.. لهذا أقول إنها سيرورة ثورية طويلة الأمد."
وقال إن الشروط الواجب توافرها من أجل استكمال السيرورة الثورية "تتعلق بتغيير عميق في التركيبة الاجتماعية وفي السياسة الاقتصادية.. النهج الاقتصادي للدولة بحيث تخرج مصر من التنمية المعاقة التي تعاني منها هي كما تعاني كافة الدول العربية الأخرى."
وعرّف الأشقر التنمية المعاقة بأنها مراوحة التنمية في المكان جراء اعتماد سياسات اقتصادية لا تعالج مشاكل مجتمعية كالبطالة، واصفا اقتصادات معظم دول المنطقة بأنها اقتصادات ريعية تعتمد على النفط والغاز والدعم الخارجي.
وأضاف "هذه الأمور سهلت تطور أنظمة من النوع الذي يسمى في العلوم السياسية بالميراثي حيث تمتلك المجموعة الحاكمة الدولة بل الاقتصاد: وكأنه تملك فردي، وهذا واضح في الملكيات.. لكن هذا لا يقتصر على الملكيات في المنطقة العربية بل العديد من الجمهوريات.
ووضح أن طبيعة الرأسمالية التي نمت وسادت تتكون من جهة من رأسمالية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحكم السياسي. "وهذه رأسمالية سياسية بمعنى ما وليست محكومة بالسوق.. لا توجد لدينا شفافية في السوق لدينا بل محاسيب وإلى آخره.. وحتى القسم الآخر.. رأس المال غير المرتبط بالضرورة بالدولة يبحث عن الربح السريع، والقليل جدا من الاستثمارات طويلة الأمد والثقيلة والصناعية تتطلبها التنمية الحقيقية."
ودعا إلى حدوث تغيير حقيقي في المجتمعات مشددا على أنه "لا مجال للخروج من الأزمة التي أدت إلى الانفجار الثوري سوى بتغيير عميق، ليس في المؤسسات السياسية فحسب، بل في التركيبة الاجتماعية وفي طبيعة الدولة الاجتماعية.. وفي السياسات الاقتصادية للدول القائمة."
ودعا إلى تأميم الثروات التي تراكمت جراء العمليات الاقتصادية التي شهدها النظام السابق، "برأيي هذه ثروات يجب أن تكون ملك الشعب.. تؤمم لأنها غير مشروعة ولم تنتج عن عملية اقتصادية ولو بالمنطق الرأسمالي سليمة."
وبخصوص الوضع القائم في مصر قال الأشقر "لم يتبدل شيء بل بعض المظاهر السياسية.. وربما تبدلت طبيعة الخطاب الرئاسي.. هذه شكليات.. لكن المضمون الأساسي هو نفسه والسياسة الاقتصادية نفسها والعلاقة بصندوق النقد الدولي هي نفسها والقبول بشروط صندوق النقد الدولي هي نفسها إن لم يكن الحكم الحالي أكثر رضوخا أو أكثر استعدادا للرضوخ لشروط الصندوق النقد."
وأضاف "الإخوان المسلمون لا يختلفون مع النظرية النيوليبرالية بل هم يقدسون السوق ويقدسون القطاع الخاص ويعتبرون أن هذا هو ويجب أن يكون هو محور الاقتصاد.. وهذه السياسات أجزم بأنها محكوم (عليها) بالفشل الذريع ولن تستطيع أبدا إخراج المنطقة من التنمية المعاقة.. بل تزيد الأوضاع سوءا".
وتابع أن اتباع النظام القائم نفس السياسات الاقتصادية التي اتبعها النظام السابق مآله الفشل، وأن هذه السياسات لا تستطيع حل هذه المشكلة التي تعانيها المجتمعات العربية. بل المطلوب- من وجهة نظر الأشقر- تغيير جذري في السياسات الاقتصادية.
وتابع أن ذلك يتطلب قوى اجتماعية لها مصلحة في هذا التغيير الجذري، مشيرا إلى أنها ليست ممثلة الآن في السلطة، "قوى اجتماعية تستند إلى المنتجين، إلى العمال، إلى الحركة الشعبية ولا تعكس مصالح الرأسماليين."
ودعا القوى التي تعتبر نفسها تقدمية في الساحة المصرية إلى "أن تعمل من أجل بناء قطب شعبي تقدمي عريض يتضمن جملة القوى التي يمكن أن تلتقي على ضرورة التغيير والعودة إلى سياسات تنموية تعتمد على الدولة كعمود فقري لها وبمنطق يعطي الأولوية المطلقة لوضع الشعب المعيشي لتوفير فرص العمل للشعب ويكرس كافة الطاقات الموجودة في الاقتصاد والمجتمع لتلك الغاية."
وقال إن الإخوان لديهم منطقهم وفهمهم للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية: "الحرية عندهم هي الحرية الاقتصادية وليس الحرية السياسية فحسب.. في المجال الثقافي هم ليسوا مع الحرية. ولديهم منطق لا يخلو من الطابع القمعي في المجال الثقافي باسم الدين، الموقف الليبرالي الحر من هذه الناحية مختلف. ولكن حيث يلتقون مع الليبراليين التقليديين هو تقديس الحرية الاقتصادية والقطاع الخاص. لديهم تقديس كامل في هذا المجال وقد يجدون تبريرات دينية."
وتابع قائلا "مفاهيم العدالة تختلف جدا، العدالة بمفهوم حركة الإخوان المسلمين والتيارات الدينية هي من باب العدالة السياسية العدالة القضائية أما عدا ذلك فانقسام المجتمع إلى فقراء وأغنياء مسألة طبيعية. والشيء الوحيد في هذا المجال هو في الإحسان والزكاة وتخفيف العبء عن الفقراء."