أحدث الأخبار
على مر الأسابيع والشهور تتكرر المرة تلو المرة مداهمة رجال الشرطة لبيوت هذه المدينة المصرية الفقيرة الواقعة على أطراف العاصمة وفقا لروايات أهلها.
ويمثل ذلك جانبا من حملة شديدة على الإسلاميين كان أحدث مظاهرها الحكم يوم الثلاثاء على الرئيس المعزول محمد مرسي و12 آخرين من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها بالسجن 20 عاما.
غير أن زيارة واحدة لكرداسة تكشف عن الكثير مما يذكر بأسباب عدم نجاح الاعتقالات في إسكات أعداء الدولة من شبان عاطلين يسهل تجنيدهم لحساب الجهاديين إلى نساء ترتدين النقاب ويغطيهن السواد من قمة الرأس إلى أخمص القدمين إلى عبارات مكتوبة بالطلاء على جدران مركز محترق للشرطة تسب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وتطالب بعودة مرسي إلى كرسي الرئاسة.
وتعد المدينة مثالا على التحديات التي تواجه السيسي في تصديه لما يصفه بخطر وجودي يواجهه الشرق الأوسط والغرب من التشدد.
وقد ازدادت العمليات الأمنية في كرداسة حدة بعد أن تعرض مركز الشرطة لهجوم بقذائف صاروخية في أغسطس آب عام 2013 وسقط 12 من رجال الشرطة قتلى بعد ساعات من مقتل مئات من أنصار مرسي عندما تدخلت الشرطة لفض اعتصامين كبيرين في القاهرة.
وجاء رد الدولة مثلما كان الحال على مدار عشرات السنين في مصر الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة والتي نشأ فيها متشددون مشهورون وبدأوا طريق الجهاد من أمثال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
فأصدر قاض حكما بالإعدام على 185 من أنصار جماعة الإخوان المسلمين بسبب أحداث العنف.
ويوم الثلاثاء أصدر قاض حكما بالسجن على مرسي الذي عزله السيسي عندما كان قائدا للجيش في عام 2013 في أعقاب احتجاجات شعبية واسعة على حكمه الذي استمر عاما وذلك في اتهامات تتعلق بمظاهرات أمام قصر الرئاسة سقط فيها قتلى من المتظاهرين عام 2012.
وشن السيسي واحدة من أقسى الحملات حتى الآن على جماعة الإخوان التي ظلت فترة طويلة تمثل كتلة المعارضة السياسية الرئيسية.
وتقول جماعات حقوق الإنسان إن عشرات الآلاف من الإسلاميين اعتقلوا منذ الإطاحة بمرسي كما صدر قانون يشترط الحصول على إذن من وزارة الداخلية لتنظيم أي احتجاجات. وتنفي السلطات المصرية اتهامات واسعة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
وقد تراجعت حدة التوترات في معظم أنحاء مصر بما يطمئن المستثمرين الذين يتطلعون للاستفادة من سوق حجمها 90 مليون مستهلك.
* مداهمات ليلية
لكن قوات الأمن لا تترك شيئا للصدفة. فما زالت تقيم حواجز التفتيش على الطرق المؤدية إلى كرداسة وتفحص بكل دقة أوراق سائقي السيارات. وأثناء ساعات الليل تقتحم الشرطة من آن لآخر بعض الشقق بحثا عن المطلوبين من أعضاء جماعة الإخوان.
وقال رجل بلحية طويلة طلب عدم الكشف عن اسمه خوفا من رد انتقامي "الناس يختبئون. فهم خائفون. لكن هل أدى ذلك إلى تحسين المعيشة؟"
وأضاف "كثيرون محبطون لأنهم بلا عمل. فهل ستفيدهم تلك الاعتقالات؟ أشك في ذلك."
وقد صور رؤساء مصر من جمال عبد الناصر إلى حسني مبارك أنفسهم على أنهم علمانيون يحاربون التشدد الإسلامي لكن صعود التشدد الذي أعقب انتفاضات الربيع العربي عام 2011 أدى إلى تغير هذا النهج.
فالسيسي يعتقد أن نشر الاعتدال الديني هو مفتاح التغلب على جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على مساحات كبيرة في العراق وسوريا واجتذب تأييد جماعات متشددة في ليبيا ومصر.
ويريد بعض سكان كرداسة أن يروا اعتدالا في تصرفات رجال الأمن ويقولون إنهم يشعرون أنهم وضعوا في قائمة سوداء في أعقاب الهجوم على مركز الشرطة.
قال أيمن القهاوي أحد أهالي كرداسة ويعمل معلما بالأزهر "كرداسة أصبحت نقطة سوداء في حياتنا بالرغم من أن المسيئين قليلون جدا فكيف يكون واحد يسيء للجميع؟ ولماذا يعاملوننا وكأننا كلنا إرهابيون؟"
وأضاف "لي زميل وجار بكفر حكيم مركز كرداسة خريج كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر وقد تقدم للسفر عدة مرات وينجح في كل الاختبارات ويجد من هم أقل منه ينزل اسمهم في الكشف للسفر واسمه لا ينزل في الكشف. وعندما يسألهم يقول له أحد الموظفين لأن محل إقامتك كرداسة. وكأن كرداسة عاصمة الإرهاب في العالم. فلماذا يأخذوننا كلنا بذنب مخطيء؟"
وقال السائق سيد حسان (31 عاما) "ذهبت لتجديد رخصة سيارتي الميكروباص. وعندما نظر أمين الشرطة إلى بطاقتي قال لي نصا: إركن على جنب انت يا إرهابي."
وأضاف "ولم أستخرج رخصة السيارة إلا بعد أسبوعين متتاليين حيث دخلت الفحص أربع مرات... وهذا كله لأنني من كرداسة."
ولضمان عدم عودة الإسلاميين وسيطرتهم على منابر المساجد يتعين استمالة القلوب والعقول في كرداسة.
وبالنظر إلى الجو العام السائد في كرداسة على السيسي أيضا توفير الوظائف وتحسين البنية التحتية والمدارس والمساعدة في استعادة الأنشطة الاقتصادية التي تضررت من الاشتباكات بين الشرطة والإسلاميين في المدينة التي كانت في يوم من الأيام تشتهر بصناعة المنسوجات.
وقال عبد السلام حكيم (27 سنة) الحاصل على بكالوريوس تجارة "كافة الطرق.. مداخل ومخارج القرى بالمركز سيئة جدا وأغلبها غير مرصوف. كما أن المياه ملوثة وبها العديد من المشاكل ودائما ما تنقطع عنا. بالإضافة إلى وجود مدرسة واحدة ابتدائية في قريتي كومبيرا وكفر حكيم والفصل به من 70 إلى 80 تلميذا. وهي تعمل فترتين صباحا ومساء."
وهذه الأوضاع تعد أرضا خصبة لنمو الشعور بالسخط في مدينة مازالت تتعاطف فيما يبدو مع مرسي.
وقال الطالب عبد الرحمن محمد (22 عاما) قبل صدور الحكم على مرسي "نتوقع أن يصدر حكم على مرسي بالمؤبد. لكننا متأكدون من أنه حكم ظالم وملفق سياسيا. البلد لن تهدأ إذا حكم عليه بحكم جائر والحل الوحيد هو الإفراج عنه وعن كل المعتقلين الذين تخطوا 40 ألفا منذ الانقلاب العسكري."
وحمل صيدلي الجانبين مسؤولية تدهور الوضع في كرداسة وكذلك في أحواله المالية.
وقال لصحفي من رويترز "أرجوك لا تنشر اسمي. الإخوان يقاطعون صيدليتي لأنني لا أتفق مع وجهة نظرهم. وأنا لا أريد إغضابهم أكثر من ذلك. فما زالوا موجودين."