كيف فازت الصحف وخسرت الدولة في معركة المنع والمصادرة؟

الأحد 23-08-2015 PM 08:44
كيف فازت الصحف وخسرت الدولة في معركة المنع والمصادرة؟

الصحف المصرية - تصوير عمرو دلش - رويترز

كتب

كتب: جورج ميخائيل

في لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بوفد رؤساء تحرير الصحف الرئيسية في عدد من الدول الأفريقية، سأله أحدهم عن حرية الصحافة في مصر فأجاب أن الدولة المصرية تحترم وتُقدر دور الإعلام وتتيح له العمل بدون أي قيود.. وعلى الرغم من أن إجابته كانت متوقعة من الحضور، لكن الواقع أحيانا يتناقض مع التصريحات الرسمية، ففي عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي شهدت الصحف عددا من وقائع المنع أو المصادرة.

القصة مكررة واعتاد عليها رؤساء التحرير، فالمنع يبدأ من المطبعة لتنهال عدد من الاتصالات على رؤساء التحرير سواء من إدارة مطبعة الأهرام أو من جهات يرفض أحد الكشف عن هويتها مكتفين بوصفها "جهات سيادية"، وتكون الاختيارات إما حذف الموضوع الصحفي الذي يثير غضب السلطة أو منع طباعة الصحيفة.

ويستجيب رؤساء التحرير لاختيار الحذف من الصحيفة لتطرح في الأسواق، لكنهم يستفيدون من المنع في الترويج لها فينتشر الموضوع أو المقال المحذوف على صفحات الإنترنت بكلمات تضاف على عنوانه الأصلي "المقال الممنوع من النشر" رافضين تقديم أي شكوي لنقابة الصحفيين، وتتكرر الواقعة دون أن تسفيد السلطة أو يمل الصحفيون.

* من 25 يناير إلى 30 يونيو تتغير الأنظمة وتستمر قرارات المنع والمصادرة

بعد ثورة 25 يناير 2011 وبالتحديد في يوم 23 سبتمبر عام 2011 خاطبت إدارة الأهرام جريدة صوت الأمة لتبلغها بوقف طباعة الصحيفة بسبب نشر موضوع بعنوان "شهادة الخمس الكبار في قضية مبارك" رغم قرار حظر النشر، لكن رئيس تحرير الصحيفة نفي ذلك وأكد أن المنع جاء بسبب موضوعين وأولهما "فضيحة مخابرات عمر سليمان" والثاني "لماذا لا يبدأ اللواء مراد موافي في تطهير الجهاز؟!" لكن الصحيفة طرحت في الأسواق لأن قرار المنع جاء بعد طرح بعض النسخ في الأسواق فعليا.

وفي عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي اندلعت أزمة جريدة الدستور ولكن هذه المرة لم تبدأ الأزمة في المطبعة لكن الأمن سحب الأعداد من الاسواق، حسب ما نشرت جريدة الدستور بعد ذلك، وحمل عدد الأزمة مانشيتات بعنوان "إنقاذ مصر من الهلاك والدمار لن يأتي إلا باتحاد الشعب والجيش".

ولم يتوقف المنع والمصادرة بعد مظاهرات 30 يونيو ففي عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي تعرضت جريدة الوطن لوقف طباعة أعدادها ثلاث مرات الأولى بعد أن نشرت الصحيفة تقريرًا عن الذمة المالية لوزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسي وقتها، وتم حذفه، والواقعة الثانية انتهت بحذف تقرير عن امتناع 13 جهة منها جهات سيادية عن دفع الضرائب، والمرة الثالثة عدلت الصحيفة عنوان ملف "7 أقوى من السيسي" ليصبح "7 أقوى من الإصلاح"، وحذفت مقالا آخر للكاتب الصحفي علاء الغطريفي عن مسؤول في رئاسة الجمهورية يكتب مقالا في أحد المواقع الإخبارية.

ولم تكن جريدة "المصري اليوم" بعيدة عن مسلسل المنع والمصادرة، فقد تم حذف الحلقة السادسة من سلسلة حلقات "مذكرات رجل المخابرات الفريق رفعت جبريل" وطرح العدد في الأسواق.

وكانت صحيفة "صوت الأمة" تعرضت للمنع والحذف بعد مظاهرات 30 يونيو مرتين، الأولى في العام الماضي بعد نشر تحقيق عن فساد أحد رجال الأعمال وتم حذف الموضوع الصحفي، والأخيرة عندما نشرت الصحيفة موضوعا عن مرض والدة الرئيس عبد الفتاح السيسي بعنوان "أحزان الرئيس".

واحتلت صحيفتا "الصباح" و"المصريون" موقع آخر أبطال مسلسل الحذف والمنع والمصادرة، فالجريدة الأولى (الصباح) نشرت مقالا بعنوان "كيف تصبح طفل الرئيس في تسع خطوات" تعقيبا على تصريحات رئيس "حزب مستقبل وطن" محمد بدران في ندوة عقدها بالجريدة، وأما الصحيفة الثانية (المصريون) فتم حذف مقال رئيس التحرير الذي حمل عنوان "لماذا لا يتوقف السيسي عن دور المفكر الإسلامي"، وموضوع آخر عن زيارة الرئيس السيسي لبريطانيا واحتمالات اعتقاله بسبب البلاغات ضده.

* الممنوعون من النشر يتحدثون

يروي جمال سلطان رئيس تحرير "المصريون" كواليس مصادرة الصحيفة قائلا "في صباح السبت الماضي اتصل بي أحد مسؤولي إدارة مطبعة الأهرام وأكد لي منع طباعة الجريدة بسبب اعتراض جهة سيادية على مقال رئيس التحرير وموضوع (مخاوف الرئيس من السفر إلى بريطانيا)، وبالفعل قمت مع إدارة التحرير برسم صفحة أخرى وحذفت المقال لتجاوز الأزمة" .

ويضيف سلطان "لم أستطع تقديم شكوى لنقابة الصحفيين أو أي جهة قضائية لأن المنع يأتي شفهيا وليس مكتوبا"، وبالرغم من حذف الموضوعات المذكورة من الصحيفة، إلا أن الموقع الإلكتروني لجريدة المصريون نشر تلك الموضوعات.

ويقول سلطان "لم أتلق أي اتصال من أي جهة بعد نشر مقالي والموضوع الآخر على الموقع الإلكتروني، فالعقلية الأمنية المسؤولة عن المصادرة والحذف نمطية لم تدرك بعد أن الانتشار الصحفي في الإنترنت أكثر من الإعلام المطبوع".

ويؤكد سلطان أن المقال المحذوف انتشر بشكل كبير بعد قرار منع نشره، مشددا على أن "الصحافة أقوى دائما من السلطة ومن الصعب تقييدها".

ويشير رئيس تحرير المصريون إلى أن "الإعلام في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي يتعرض لعدة قيود، وهو ما يضر الرئيس نفسه".

ويكشف مصدر في جريدة "الصباح" تفاصيل حذف مقال "كيف تصبح طفل الرئيس في تسع خطوات"، قائلا "تلقت إدارة التحرير اتصالا من إدارة مطابع الأهرام وطلبت حذف المقال بناء على رغبة جهة سيادية، وبالفعل استجابت الجريدة وتم نشر المقال على الموقع الإلكتروني وتناقلته كل المواقع الإلكترونية وانتشر بشكل كبير على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي".

ويكمل المصدر أن رئيس حزب "مستقبل وطن" أرسل بيانا يعقب فيه على منع المقال الذي ينتقده ليؤكد أنه لا علاقة له بمنع المقال.

وبالرغم من نشر المقال على الموقع الإلكتروني لجريدة الصباح أمس بعد قرار حذفه من العدد المطبوع، إلا أنه تم حذفه اليوم من الموقع الإلكتروني تماما وحاولت "أصوات مصرية " الاتصال برئيس تحرير الجريدة وائل لطفي لكنه لم يرد.

* لماذا ترفض الصحف الاحتماء بنقابة الصحفيين من مقص الرقيب؟

في أول رد فعل من نقابة الصحفيين على تكرار مصادرة ومنع الصحف، أصدرت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين بيانا أعربت فيه عن قلقها من ظهور مؤشرات قوية على عودة الرقابة على الصحف بما يهدد حرية الصحافة في مصر، ويخالف نصوص الدستور الذي صوت عليه ملايين المصريين، وأقسم رئيس الجمهورية على الالتزام به.

وأدانت لجنة الحريات بكل قوة ظاهرة وقف طباعة الصحف، والتدخل في محتواها بالحذف أو التغيير من خلال جهات رقابية غير معلومة – على حد وصف رؤساء تحرير الصحف - داخل مطابع المؤسسات القومية، وهو ما تكرر خلال الفترة الأخيرة أكثر من مرة مع صحف "صوت الأمة" و"الصباح" و"المصريون".. ووصل إلى حد فرم نسخ إحدى الصحف بعد طباعتها، وتعطيل طبع صحيفتين في يوم واحد، حتى يتم تغيير موضوعات بعينها.

وأكدت اللجنة أنه تلاحظ لها أن جميع الموضوعات -التي قال رؤساء تحرير مختلف الصحف إنه تم وقف طباعتها- تمس قيادات عليا بالدولة، وهو ما يؤشر لوجود اتجاه لفرض سقف على حرية الصحافة بعدم تناول أشخاص بعينهم، وتقييد مساحات حرية التعبير، التي ناضل من أجلها الصحفيون لفترة طويلة ونجح الشعب المصري في انتزاعها عبر عقود من النضال وثورتين شعبيتين.

وذكرّت اللجنة القائمين على الأمور في مصر بنصوص الدستور، خاصة (المادة 71) والتي تمنع فرض أي رقابة على الصحف، أو مصادرتها، أو تعطيلها، أو وقف طباعتها بأي طريقة، علما بأن مجلس إدارة جريدة الأهرام المسؤولة عن طبع هذه الصحف أعلن عدم مسؤوليته عن قرارات وقف الطبع، أو فرم النسخ مثلما حدث مع صحيفة صوت الأمة.

ودعت لجنة الحريات لوقف هذه التجاوزات في حق حرية الصحافة، كما دعت جميع الصحفيين إلى التصدي لمثل هذه الظواهر، والعودة لعصور تجاوزتها الصحافة والصحفيون بنضالهم .

ويقول خالد البلشي رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، لأصوات مصرية، إنه لم يتلق حتى الآن شكوى من أي صحيفة تعرضت للمنع والمصادرة، منتقدا خضوع ملاك ورؤساء تحرير تلك الصحف للرقيب، قائلا "عندما طلب مني أحد المسؤولين في عهد الرئيس حسني مبارك حذف أحد الموضوعات في جريدة البديل رفضت وبالفعل امتنعت مطبعة الأهرام عن طبع الطبعة الثانية لجريدة البديل لكني هاجمت الأهرام والنظام وقتها ولم أخضع لتعليماتهم".

ويضيف البلشي "عودة الرقيب في المطبعة أسلوب قمعي تقليدي، وبمراجعة الموضوعات التي أغضبت الجهات السيادية نجدها تخص الرئيس أو الجيش، والاستجابة للرقيب (الخفي) في المطبعة يقلل سقف الحريات ليصل الأمر إلى منع أي موضوع صحفي ينتقد مسؤولا في الدولة".

ويكشف البلشي عن نيته طرح أزمة مصادرة وحذف الموضوعات الصحفية في الصحف في اجتماع مجلس النقابة المقبل، داعيا كل رؤساء التحرير للتوحد ضد مقص الرقيب.

* كيف خسرت الدولة في معركة المنع والمصادرة؟

ويرى الناشط الحقوقي جمال عيد أن منع نشر الموضوعات الصحفية أو التهديد بمصادرة الصحف هو انتهاك واضح للدستور، معتبرا أن "الخاسر في تلك المعركة هو النظام لأنه يفكر بعقلية قديمة في منع الصحف المطبوعة والتضييق عليها، لكن ما لا يعرفه أن انتشار قرار المنع يزيد انتشاره (الموضوع الممنوع) أكثر على صفحات مواقع الإنترنت وبالتالي يخسر النظام مصداقيته واحترام المواطن له".

* الأهرام تنفي مسؤوليتها

ويؤكد أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام، في تصريح صحفي، أن "الأهرام ما هي إلا جهة طبع فقط، وكل ما ينشر أو يخص الجيش أو المخابرات هناك قانون ينظمه ولا علاقة للمؤسسة بما يحدث مع الصحف".

* الحكومة لا تعرف جريدتي "الصباح" و"المصريون"

ويؤكد السفير حسام القاويش المتحدث باسم رئاسة الوزراء، لأصوات مصرية، أن هذه هي أول مرة يسمع فيها عن منع أو مصادرة جريدتي "الصباح" و"المصريون"، مشيرا إلى أنه يعرف لأول مرة أن هناك صحفا تطرح في الأسواق باسم "الصباح" أو "المصريون"، رافضا التعليق وواصفا أخبار المنع والمصادرة بأنها "معلومات غير مؤكدة".

تعليقات الفيسبوك