في قرية الشامية.. معاش "تكافل" وحده لا يكفي (1-2)

الأحد 27-12-2015 PM 08:24
في قرية الشامية.. معاش

أسيوط

كتب

هدى: المعاش غيّر كتير.. هجيب كسوة للعيال وبطانية عشان السقعة

نجاة: كنت هبطل ولادي من المدرسة علشان مش قادرين على مصاريف التعليم

إيمان: لو التعليم في المدارس كويس .. مش كنا وفرنا فلوس الدروس؟

كتبت: ياسمين سليم

في نهاية طريق ترابي ضيق غير ممهد بجواره مصرف مائي مليء بالقمامة، كانت هدى محمد، ربة منزل، تجلس داخل منزلها الريفي بقرية الشامية بمركز ساحل سليم بمحافظة أسيوط، تفكر كيف ستنفق معاش "تكافل" الذي ستصرفه خلال الشهر الجاري.

وتقول هدى لأصوات مصرية، التي التقتها داخل منزلها "بفكر هعمل إيه بالفلوس لما أخدها، وقررت أجيب كسوة للعيال وبطانية علشان السقعة دخلت علينا، وفرش للأرض". 

في يونيو الماضي صرفت هدى للمرة الأولى معاش الدعم النقدي المشروط "تكافل"، بقيمة 1000 جنيه، وبأثر رجعي 3 أشهر، نظير استمرار أولادها في المدارس.

وبدأت وزارة التضامن الاجتماعي في يناير الماضي في تسجيل الراغبين في الحصول على معاش "تكافل" في محافظتي أسيوط وسوهاج كخطوة أولى لتطبيق نظام الدعم النقدي المشروط.

ويقدم برنامج "تكافل" دعما نقديا للأسر التي تعاني من الفقر الشديد، وتحتاج إلى دعم نقدي، على أن يكون لديها أطفال في الفئة العمرية (0-18 سنة). وتبلغ قيمة الدعم 325 جنيها في الشهر بالإضافة إلى 60 جنيها لطفل المرحلة الابتدائية، و80 جنيها لطالب المرحلة الإعدادية، و100 جنيه للمرحلة الثانوية، ويصرف بشكل تراكمى كل 3 أشهر عن طريق الأم، بشرط استمرار الأبناء فى المدرسة، وتلقيهم للرعاية الصحية.

تعيش هدى مع أسرة مكونة من زوجها و4 أولاد، منهم اثنان في مراحل التعليم واثنان لم يكملا تعليمهما، في بيت مبني بالطوب الأحمر، مكون من حجرتين بسقف خرساني وصالة صغيرة جدا بسقف من الحطب والجريد، وأرضيته ترابية غير مبلطة.

وتقول هدى "البيت يا دوب بيلمنا أنا والعيال وجوزي، والأكل يوم بنلاقي ويوم ما بنلاقيش، وفي الآخر ربنا يخلي لنا عيش الطابونة اللي بيسد الجوع."

في مارس الماضي اختارت وزارة التضامن الاجتماعي بدء تطبيق برنامجي كرامة وتكافل في محافظتي أسيوط وسوهاج نظرا لارتفاع نسبة الفقر بين سكانهما مقارنة ببقية المحافظات.

وبحسب خريطة الفقر التي أعدها كل من الصندوق الاجتماعي للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى والبنك الدولى والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، في بداية العام الماضي، فإن محافظة أسيوط بها أعلى نسبة فقر في مصر.

ووفقا للخريطة، من بين أفقر 1000 قرية في مصر توجد 221 قرية فى أسيوط، تمثل 94% من إجمالى القرى فى المحافظة.

يعمل زوج هدى فلاحا باليومية، تقول عنه "شغلانته مش وظيفة.. ده يوم شغال وعشرة لأ وحسب الظروف لو اشتغل العيال بتأكل لو ما اشتغلش يبقى مفيش".

تقدمت هدى للحصول على معاش تكافل للأسر الفقيرة، فحصلت على 1000 جنيه لكل 3 أشهر، وهو مبلغ تعتبره "مش بطال أهو خلانا نشتري حاجات مكناش بنشوفها".

بعد أن حصلت هدى على أول معاش لتكافل اشترت بعض الاحتياجات الأساسية لأسرتها "جبت شكارة دقيق علشان لما نجوع نخبز عيش ناكله، لأن عيش الطابونة ما بيكفيش في اليوم رغم أننا بناخد 30 رغيف يوميا".

يوم الخميس من كل أسبوع هو موعد إعداد وجبة من اللحوم والخضروات في الغداء لدى أسرة هدى، "ده معاد السوق الأسبوعي للبلد، بقينا نشترى لحمة وخضار بعدما خدنا المعاش، قبل كده كنا ساعات ندبح فرخة من اللي بنربيها عندنا".

بقية وجبات الغداء في الأسبوع تحددها سيولة الأموال مع ربة الأسرة "يعني يوم بطاطس وبتنجان، ويوم عدس ويوم مفيش".

تتحدث هدى وهي تعد وجبة من العدس لأسرتها، وتشرح أن هناك نوعين من العدس تطبخهما حسب الحالة الاقتصادية، "العدس الخفيف بنعمله لو عندنا عيش كتير نسقي فيه ونشربه، وفيه العدس المدمس بنعمله علشان نغمس احنا والعيال".

تغير أسلوب حياة أسرة هدى بعدما حصلت على معاش تكافل، "كنا عيانين أنا وجوزي كشفنا وجبنا دوا، لكن الأهم أننا بقينا نشوف اللحمة".

مع دخول الشتاء وعدم وجود نوافد أو أبواب محكمة للبيت، تفكر هدى في أن تنفق معاشها الثالث، الذي تستعد للحصول عليه خلال الشهر الجاري، في شراء "فرشة للأرض وبطانية، أهم حاجة علشان الدنيا بقت تلج".

تتكون غرفة نوم هدى وأولادها من سرير وأريكة وضع عليهما غطاء خفيف تستخدمه الأسرة، وقد غطت الشباك بغطاء رأس قديم بديلا عن الستارة، أما الباب فبه ثقوب من كل جانب. وفي أرضية هذه الغرفة فرشت حصيرة متهالكة.

تشير هدى للغرفة وتقول "عايزين نكسي البيت، واحنا كمان نتكسي علشان العيال معندهمش حاجة يلبسوها".

لا يوجد لدى هدى مطبخ، لكنها تضع موقدا صغيرا في الصالة، وبعضا من أدوات المطبخ، وتقول "لما المطر ينزل أجري أدخل الحاجات جوه علشان سقف الصالة من الحطب، فبينزل علينا ميه".

تقول هدى "المعاش غيّر كتير، والعيال بقت تروح المدرسة، بس خايفة الحكومة تبطل تديهولنا، ونرجع للعوز".

معاش بدون تأمين صحي

إذا كان معاش تكافل حسن من أحوال أسرة هدى فإن أسرة فايزة أحمد، 35 عاما، لم تشعر بأنها حصلت عليه، لأنها أنفقته عند الطبيب لإجراء عملية جراحية في الغدد.

تقول فايزة لأصوات مصرية من مسكنها بقرية الشامية بساحل سليم، إحدى القرى الفقيرة المستهدفة ضمن برنامج الدعم النقدي، "أخدت 2400 جنيه أول قبض بأثر رجعي 6 شهور، راحوا كلهم للدكتور، وزيادة عليهم، والعيال ما استفدتش حاجة".

تعاني فايزة من بعض الأمراض التي تجعلها ضيفا دائما على المستشفيات بأسيوط، "كل مرة أخد المعاش أروح بيه للدكتور، بيتصرف في التحاليل والأشعات، ومفيش تأمين صحي لي ولا لأولادي يتكفل بالمصاريف اللي قضمت ظهري".

كانت فايزة عائدة من مستشفى ساحل سليم الذي يبعد عن قريتها نحو ربع ساعة بالمواصلات، بعدما تناولت حقنة مسكنة للألم، وهي تتحدث بصعوبة "جالي القولون العصبي كمان، وبقيت كل شوية أروح أخد حقن مسكنة له، ولسه هرجع تاني المستشفى أكشف علشان الدكتور مكنش هناك".

وتستهدف الخريطة التى وضعتها وزارة التضامن لبرنامجي الدعم النقدي تكافل وكرامة، 76 قرية ونجعا فى محافظة أسيوط فى مراكز أبو تيج والبدارى وساحل سليم والغنايم وصدفا، كما بدأت الوزارة مؤخرا توسيع قاعدة المستهدفين في المحافظة لتشمل مراكز أخرى.

يعمل زوج فايزة في تقليم النخيل في موسم حصاد التمر، وتقول "ده موسم بيشتغل فيه شهر في السنة، وممكن يشتغل طول اليوم وياخد 20 جنيه، يعني ما يكفيش عيش حاف".

لدى فايزة 4 أولاد جميعهم في مراحل التعليم، "كنت بضطر أغيبهم من المدرسة علشان يشتغلوا ويجيبوا مصاريفنا، لأن جوزي عيان هو كمان".

في بيت مكون من غرفة واحدة وصالة صغيرة بدون سقف، يتوسطها فرن بلدي وموقد نار "كانون"، تعيش أسرة فايزة.

تجلس فايزة في الغرفة الوحيدة وتشير إلى محتوياتها قائلة "كنبة بنام عليها وكنبتين جنب بعض للعيال والراجل على الأرض".

على الكنبة التي ينام عليها أولاد فايزة وضعت "مرتبة" رقيقة صنعتها هي وزوجها من القش وكستها بشيكارة من البلاستك ثم فرشت عليها مشاية من ألياف صناعية متهالكة بطول الكنبة، "أهي حاجة تقضي الغرض".

في بداية الشهر الجاري أرسلت فايزة ابنها الأكبر، الذي يدرس بالصف الأول في مدرسة ثانوية زراعية، إلى الإسكندرية ليعمل لمدة شهر  يعود بعده للمدرسة "راح يشتغل في مزرعة وهياخد ألف جنيه في الشهر، علشان المعاش اللي هقبضه هيروح للدكتور لأني لسه تعبانة، هنصرف منين يعني".

تعلم فايزة أن استمرار صرف المعاش مرتبط بشكل كبير باستمرار أولادها في المدرسة وتقول "طب نجيب منين، المدرسة محتاجة دروس وكتب ومصاريف واحنا معناش ومفيش حل غير كده".

ومنذ بداية صرف معاشات الدعم النقدي للأسر الفقيرة، صرفت وزارة التضامن حتى الآن لأكثر من 47 ألف أسرة في محافظة أسيوط، من أصل 123 ألف أسرة مستحقة في المرحلة الأولى من البرنامج، والتي تشمل ست محافظات، وهي أسيوط وسوهاج وقنا وأسوان وبني سويف والجيزة.

لا تعليم بدون أموال

جاء معاش تكافل كطوق نجاة لأولاد محاسن عبد السميع، ينقذهم من الخروج من المدرسة، بعدما ضاقت حالتهم المادية بشكل كبير.

تقول محاسن التي تسكن بنفس القرية الفقيرة في ساحل سليم بأسيوط، لأصوات مصرية، "كنت هبطلهم من المدرسة علشان مش قادرين على مصاريف التعليم، وكل ما العيال بتكبر مصاريفها بتكتر".

لدى محاسن 5 أولاد وبنت في مراحل تعليمية مختلفة، "واحد في مدرسة زراعة والتاني في صناعة والباقي في الإعدادي والابتدائي".

تحصل محاسن وأسرتها على 1500 جنيه كل 3 أشهر من معاش تكافل، والذي بدأت في صرفه منذ شهر سبتمبر، وتقول "في حاجات مكنتش أقدر أجيبها أنا وولادي، بس جبتها بعد المعاش، زي اللبس ومصاريف المدرسة".

يعمل زوج محاسن باليومية وليس لديه دخل ثابت، كما أنها تسكن في شقة منحها لها والدها بعدما تهدم بيتها، ولم تستطع اصلاحه. "جوزي يوم شغال و30 يوم لأ، والبيت لما وقع صعبت على أبويا وأخواتي فخلوني أسكن هنا".

في الإجازة الصيفية يعمل أبناء محاسن لتلبية مصروفات الأسرة، "بيشتغلوا أي حاجة سواء في الزراعة أو على توك توك، المهم يجيبوا قرش آخر اليوم".

تقول محاسن "مكنتش أقدر أديهم دروس لأن معيش فلوس، لكن دلوقتي جبت مدرس يديهم درس علشان بقى معايا".

يعاني زوج محاسن من مرض السكر كما تعاني هي من حساسية بالصدر، وتقول "كنت بجيب نص العلاج بس أنا وجوزي، دلوقتي أول لما آخد المعاش بجيب دواء بزيادة، يكفينا 3 شهور".

تصف محاسن كيف غيّر معاش تكافل في حياة أسرتها قائلة "وسع علينا كتير قوي، دلوقتي بفكر أجيب كسوة للعيال، وأسد ديوني وأعمل حاجات تانية للبيت".

الفرج يأتي كل 3 أشهر

تشارك إيمان ناصر، ربة منزل، محاسن نفس الشعور بالسعادة بحصولها على المعاش، لكنها في الوقت نفسه تقول "لو يقسموه كل شهر بدل كل 3 شهور دي، لأن صعب قوي أستنى كل الفترة دي".

كانت إيمان تعيش مع زوجها في مدينة 6 أكتوبر، القريبة من القاهرة، حيث كان يعمل سائقا، لكنه اضطر منذ عام لترك عمله والعودة إلى قريته الشامية بساحل سليم في أسيوط، لأنه لا يستطيع دفع إيجار الشقة التي كانوا يسكنون بها.

وكان الإيجار يتراوح ما بين 800 إلى 900 جنيه، تقول إيمان، بينما "المرتب ما بيكفيش حاجة. فرجعنا البلد، ومن وقتها وجوزي مش لاقي شغل، رغم انه معاه رخصة درجة أولى".

تسكن إيمان مع والدة زوجها، "صحيح مش بندفع إيجار، لكن مصاريف الولاد مش بتخلص، خصوصا انهم في التعليم".

لدى إيمان 3 أولاد، منهم اثنان في المرحلة الإبتدائية، وثالث في الحضانة، وتحصل على 970 جنيها معاشا كل 3 أشهر. "أول مرة جبنا لبس للعيال وسددنا ديوننا".

لم يتمكن أولاد إيمان من الحصول على دروس خصوصية قبل معاش تكافل، "مكنش معانا الأول، بس دلوقتي ولادي أولى وتانية ابتدائي بياخدوا دروس. الحصة حقها من 3.5 إلى 4 جنيه، وده غالي علينا جدا".

وتتساءل ربة المنزل قائلة "يعني لو المدارس التعليم فيها كويس مش كنا وفرنا الفلوس وجبنا بيهم أكل ولا شرب؟".

تستعد إيمان لصرف معاشها الثالث خلال أيام، وتقول "هجيب لبس للولاد والباقي لمصاريف الأكل والشرب والمدرسة".

تُعرف وزارة التضامن برنامج تكافل للأمهات بأنه "مساعدة الدولة بتقدمها لِك، عشان تكفلي أطفالك وتقدري تعلميهم"، هذه المقولة تتذكرها إيمان جيدا وتقول "أي قرش هاخده هصرفه على ولادي، ومش مهم أنا أو جوزي.. المهم إنهم يتعلموا".

تعليقات الفيسبوك