سد النهضة "قمة الأزمة" في قرنين من الصراع على النيل (1-3)

السبت 26-12-2015 PM 02:41
سد النهضة

جانب من أعمال البناء التي تتم في سد النهضة بإثيوبيا - صورة من رويترز.

قامت حضارة مصر القديمة على ضفتي نهر النيل اعتمادا على الفيضان الذي يأتي سنويا من هضبة الحبشة "إثيوبيا"، وحينما شرع محمد علي والي مصر بداية القرن التاسع عشر في بناء الدولة الحديثة توجه بجنده عام 1820 لتنمية مصادر المياه وتأمينها في حملات متعددة للجنوب لفتح السودان وبناء المدن، حتى حدود جنوب السودان، وفي عهد الخديوي إسماعيل والي مصر امتدت الحملات إلى هضبة الحبشة وضمت خلالها الأراضي الإريترية والصومالية وجنوب السودان وأوغندا، والتي انتهت بهزيمة في إثيوبيا عام 1876.

دور بريطانيا في الاتفاقيات التاريخية لنهر النيل

ومع الاحتلال البريطاني لمصر وقع العديد من الاتفاقيات التاريخية لرسم الحدود كانت أهمها اتفاقية عام 1902 وأبرمتها بريطانيا نيابة عن مصر والسودان مع إمبراطور إثيوبيا، منليك الثاني والذي تعهد فيها بعدم إقامة أي منشآت على بحيرة تانا والنيل الأزرق ونهر السوباط إلا بموافقة بريطانيا والسودان المصري البريطاني، كما تم توقيع اتفاقية 1906، مع حكومة الكونغو المستقلة، والتي تتعهد فيها بعدم إقامة أي منشآت بالقرب من أو على نهر السمليكي "أحد روافد نهر النيل" من شأنها تخفيض كميات المياه التي تصب في بحيرة ألبرت إلا بالإتفاق مع حكومة السودان المصري البريطاني، كما تم توقيع اتفاقية 1929 بين مصر المستقلة وقتئذ وبريطانيا نيابة عن السودان ودول الهضبة الاستوائية "أوغندا وتنزانيا وكينيا"، تنص على حصتي مصر والسودان من النهر وعلى عدم إقامة أي مشروع على النيل إلا بموافقة مصر، كما توجد مذكرات متبادلة بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا، عقب قيام ثورة يوليو تقر بإتفاقية 1929 وتطالب فيها مصر بالمشاركة في تمويل خزان اوين على مخرج بحيرة تانا والذي يهدف لتوليد الكهرباء لصالح اوغندا وكينيا ولزيادة ايراد النهر لصالح مصر.

المياه تُستخدم في الحرب الباردة

وبالرغم من كل تلك الاتفاقيات، ومع اشتعال الحرب الباردة منتصف القرن الماضي بين المعسكرين الشرقي والغربي استخدمت المياه، لتأجيج الصراع، وذلك بعد تبني الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فكرة إنشاء السد العالي لزيادة حصة مصر من مياه النيل التي كانت تهدر في البحر المتوسط دون فائدة وتوفير الطاقة الكهرومائية، وهو ما ردت عليه إثيوبيا بمخاطبة مكتب استصلاح الأراضي الأمريكي لدراسة حوض النيل الأزرق لاستخدام المياه في الزراعة وانتاج الكهرباء. وأصدر المكتب تقريره عام 1964، وأكد فيه إمكانية بناء أربعة سدود كبرى، وزراعة مساحات شاسعة من الأراضي المنبسطة. وعقب توقيع إتفاقية تقاسم حصص مياه النيل بين مصر والسودان عام 1959 انفصلت الكنيسة الإثيوبية عن المصرية بعد ارتباط دام أكثر من 1600 عام، وتم الاعتراض على الاتفاقية بمذكرة في الأمم المتحدة. ومع تحول سياسة مصر نحو الولايات المتحدة، استعانت حكومة إثيوبيا بخبرات الاتحاد السوفيتي لبناء سد على النيل الأزرق في موقع سد النهضة الحالي، لكن اعتراض مصر المنتصرة في حرب أكتوبر 1973 والتهديد باستخدام القوة جمد المشروع الإثيوبي ما يقرب من أربعين عاماً.

استغلال اثيوبي لثورة يناير لإطلاق السد

يقول الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري الأسبق، إن بناء سدود على النيل الأزرق لم يكن متوقعا حدوثه، حيث تمكنت مصر عام 2010 من وقف كافة المخططات الإثيوبية لبناء سدود تم الإعلان عنها خلال اجتماع لوزراء الكهرباء والري لدول حوض النيل الشرقي عام 2005، برفض دراسات الجدوى لهذه السدود وإبلاغ سكرتارية مبادرة حوض النيل ومكتب النيل الشرقي الانترو (هو مكتب يضم مصر وإثيوبيا والسودان ودول جنوب السودان للتعاون الفنى) والجهات المانحة بالآثار الوخيمة للسدود الإثيوبية التي تم دراستها من خلال وزارة الموارد المائية والري، لافتا إلى أن حجم السعة التخزينية للسدود بلغت وفقا للدراسات الإثيوبية 140 مليار متر مكعب، تُولد طاقة كهربائية تبلغ 7100 ميجاوات، وهي سد كاردوبي وبيكو أبو ومندايا والحدود ، وكانت السعة التخزينية في ذلك الوقت للسد الأخير الذي عدل اسمه فيما بعد إلى النهضة تبلغ 14.5 مليار متر مكعب.

يضيف علام أن قيام ثورة يناير عام 2011 تسبب في انشغال مصر بقضاياها الداخلية التي كانت تلقى صدى لدى الرأي العام أقوى من أي حدث خارجي. وفي فبراير 2011 كشفت صحيفة "اديس فوتشن" الإثيوبية عن بدء الشركة الإثيوبية للطاقة الكهربائية في إجراءات إنشاء سد "اكس" لتوليد الكهرباء على النيل الأزرق.

وعقد وزير المياه والطاقة الإثيوبي مؤتمرا صحفيا لتأكيد الخبر والإعلان عن سعة السد التخزينية بحوالي 60 مليار متر مكعب وعلى موقع قريب من الموقع القديم في منطقة بني شنقول على الحدود "الأثيوبية- السودانية"، وبعدها بيوم تم توقيع عقد تنفيذ السد مع شركة سالينى الإيطالية بتكلفة 4.8 مليار دولار. وفي الثاني من أبريل 2011 وضع رئيس الوزراء الإثيوبي هالي مريام ديسالين حجر أساس سد النهضة واطلق عليه "الألفية"، بارتفاع 140 مترا بهدف انتاج 5250 ميجاوات من الكهرباء ولتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه وهو ما يماثل حصتي مصر والسودان من مياه النيل، إذا ما تم إضافة 10 مليار متر تفقدها بحيرة ناصر في البحر.

تعديل متكرر لأبعاد السد

يقول علام إنه بعد عام تم تعديل أبعاد السد الإثيوبي واطلاق اسم النهضة عليه ليصبح ارتفاعه 145 مترا، لتوليد 6000 ميجاوات، الأمر الذي يؤكد أن تصميمات السد تم إعدادها على عجل استغلالا للوضع الداخلي في مصر، مضيفاً أن سد النهضة يتكون من سدين، الأول يقع على مجرى النهر الرئيسي ويتم بناؤه باستخدام الخرسانة، وتم زيادة ارتفاعه ليصبح 145 متر بطول 1.8 كيلو متر وتقع أمامه بحيرة التخزين بمساحة تبلغ 1900 كيلو متر مربع، أما السد الثاني فهو جانبي يقع على الجانب الأيمن لبحيرة التخزين، وذلك لغلق مصب واد جانبي يقع بين جبلين لمنع هروب مياه البحيرة عبر الوادي إلى النيل الأزرق خلف السد، وهو من النوع الركامي ويبلغ ارتفاعه 50 مترا بطول 4.8 كيلو متر، ويوجد مفيض خرساني على يمين السد لاستخدامه في حالات الطوارئ لتصريف الفيضانات العالية وغير المتوقعة، وذلك بالإضافة إلى محطة كهرباء على يمين السد بها ستة توربينات، وأخرى على يسار السد بها عشرة توربينات من طراز فرانسيس تصل إلى 375 ميجاوات لكل منها، وذلك لانتاج 15000 ميجاوات سنوياً.

وفيما يتعلق بآثار سد النهضة على مصر والسودان يقول وزير الري الأخير قبل اندلاع ثورة يناير، إن الدراسة التي أعدتها التي اعدتها الوزارة انتهت إلى أن السد أثناء سنوات ملئه سيؤدي إلى نقص شديد في حصة مصر المائية يزيد عن 30 مليار متر مكعب سنويا ثم ينخفض إلى 2.2 مليار متر مكعب سنويا بعد الانتهاء من ملء السد. وأضاف أن السد سوف يتسبب في تخفيض كهرباء السد العالي وخزان أسوان في حدود 30% سنويا، موضحاً أن تأثير السد الأثيوبي يأتي من حجمه التخزينى الضخم الذي يقدر بحوالي 74 مليار متر مكعب بالإضافة إلى فواقد التخزين الأولية عن طريق تسريب المياه المخزنة إلى باطن الأرض وهي كميات مياه هائلة كان من المفترض أن تحتجز أمام السد العالي في مصر، بالإضافة إلى سد الرصيرص السوداني. ووفقا للمخطط الإثيوبي سيكتمل سد النهضة عام 2017.

توقف توربينات السد العالي

من جانبه، يقول الدكتور محمد عبد العاطي، رئيس قطاع مياه النيل السابق، بوزارة الموارد المائية والري إنه عند الانتهاء من بناء سد النهضة وبدء عملية التخزين سيبدأ منسوب بحيرة ناصر أمام السد العالي في التراجع التدريجي ليصل إلى أدنى مستوياته عند ملء بحيرة سد النهضة البالغة سعتها 74 مليار متر مكعب، موضحا أن آثار السد تتمثل في توقف بعض توربينات السد العالي التي توفر لمصر 10% من الطاقة الكهربائية، كما ستتأثر كافة محطات الشرب المنتشرة على طول مجرى نهر النيل، وهو ما سيدفع الحكومة إلى إعادة تركيب مناسيب سحب مياه أقل من الحالية، وهو أمر ينطبق على محطات تبريد محطات الكهرباء في الوادي والدلتا، وهو ما سيضيف أعباء لميزانية الدولة، وهو أمر سينطبق على القناطر الكبرى والجسور والكباري على النيل حيث سيزيد نحر المياه في أماكن لم تكن في الحسبان وقت إنشائها مما سيدفع وزارة الري إلى التدخل هندسياً لتدعيم الاماكن المعرضة للنحر.


وفيما يتعلق بالزراعة قال رئيس قطاع مياه النيل السابق، إن ضغط مياه البحر المتوسط سيرتفع على الأراضي الزراعية في دلتا نهر النيل، الأمر الذي سيؤثر على الإتزان الملحي في التربة وهو ما سيؤدي إلى بوار مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة، وتوقف دخل المزارعين، كما سيتأثر الأمن الأجتماعي، حيث سيؤدي نقص المياه إلى حدوث نزاع على المياه خاصة في نهايات الترع والمصارف بين المزارعين وبعضهم، فضلا عن ارتفاع تلوث مياه النيل والترع الرئيسية والفرعية نتيجة الصرف الزراعي، كما سيتوقف النقل النهري والسياحي، في السنوات الأخيرة لملء بحيرة السد، ثم يعود العمل تدريجيا مع بدء تصريف مياه سد النهضة، الا أن أخطر ما سيتسبب فيه سد النهضة يتمثل في تحول تخزين مياه نهر النيل من بحيرة ناصر إلى أعالي النيل في بحيرة سد النهضة، مشيرا إلى أن إثيوبيا ستفرض سيطرتها على مياه نهر النيل إلى الأبد، لتحقيق أكبر استفادة من مياه نهر النيل، بتوفير 15 الف ميجاوات سنوياً من السد.

105 مليارات متر مكعب فاتورة الأمن الغذائى المصرى سنوياً

كشف عبد العاطي أن الأمن الغذائي المصري يحتاج إلى 105 مليارات متر مكعب مياه سنويا، يأتي منهم 55.5 من نهر النيل سنويا، يتم توفير 21 مليار متر مكعب عن طريق معالجة مياه الصرف الزراعي، كما يتم توفير جزء ضئيل من مياه الأمطار في الساحل الشمالي وسيناء، والمتبقي والذي يصل إلى 27 مليار متر يتم استيرادها من الخارج في صورة أغذية بـ 10 مليار دولار يتم استيرادها سنويا لسد الفجوة الغذائية، مشيرا إلى أن 97% من المياه التي تحتاجها مصر تأتى من الأنهار الدولية.

موضوعات متعلقة:

سد النهضة.. "المفاجأة" الإثيوبية تربك التنسيق المصري السوداني (2-3)

تعليقات الفيسبوك