لماذا غرقت الإسكندرية؟

الثلاثاء 27-10-2015 AM 02:09
لماذا غرقت الإسكندرية؟

الأمطار تغرق شوارع الإسكندرية،25 أكتوبر 2015. تصوير: أحمد عبد القوي - أصوات مصرية

كتب

تعاني الإسكندرية من ضعف في شبكة الصرف الصحي، نتيجة لعدم إحلال وتجديد الشبكة منذ سنوات والاكتفاء بأعمل صيانة محدودة، فضلا عن زيادة الضغط عليها نتيجة لاستمرار البناء المخالف بمختلف أنحاء المدينة.

لم تكن الأزمة الأخيرة التي شهدتها الإسكندرية هي الأولى، ذلك أن أزمات شبكة الصرف الصحي بالثغر تظهر مع كل نوة أمطار، خاصة في 10 مناطق هي العجمي، ميامي، المندرة، العوايد، أبي سليمان، الزوايدة، غبريال، دربالة، الفلكي، وسيدي جابر.

تصريحات ماقبل الاستقالة

وكانت آخر تصريحات المحافظ السابق هاني المسيري، الذي أطاحت به أزمة الأمطار، حول الصرف الصحي، وأكد من خلالها أن مشكلة الصرف الصحي تحتاج إلى مبلغ ٧٥ مليون جنيه لإصلاح مختلف المحطات والمعدات وإدخال شبكة جديدة تتناسب مع حجم الزيادة السكانية للمحافظة.

وأضاف المسيري "طالبت رئيس الوزراء شريف إسماعيل، خلال زيارته الأخيرة للإسكندرية، بتوفير نفقات للتعامل مع تلف الطرق العامة نتيجة الحمولات الزائدة التي تؤدي إلى تراكم المياه بها، ووعد رئيس الوزراء بتوفير المبالغ المطلوبة وحل المشكلة في الشتاء المقبل 2016".

من ناحية أخرى، امتنع المسؤولون بشركة الصرف الصحي بالإسكندرية عن التصريح، معللين ذلك بأن صاحب الحق في الإدلاء بتصريحات هو رئيس الشركة المستقيل، ولم يعين غيره حتى الآن.

وتقدم رئيس مجلس إدارة الشركة يسري هنري باستقالته، أمس، عقب تقديم المحافظ السابق هاني المسيري لاستقالته. ومن المقرر أن تعقد الشركة القابضة للصرف الصحي اجتماعا لاختيار رئيس مجلس إدارة جديد.

لكن مصدرا داخل الشركة، فضل عدم ذكر اسمه، قال إن شبكة الصرف الصحي في الإسكندرية لا تستوعب سوى مليون و300 ألف متر مكعب من المياه، في الوقت الذي تستقبل فيه 4 ملايين متر مكعب، مضيفًا أنه تم إحلال وتجديد شبكة الصرف في 200 شارع بتكلفة 140 مليون جنيه خلال العام الحالي.

وأضاف المصدر، في تصريح لأصوات مصرية، أن مشاريع عملية تطوير البنية التحتية بالإسكندرية كانت تتطلب اعتماد ملايين الجنيهات من الجهاز التنفيذي للمدينة، مشيرا إلى أن شبكة الأمطار مرتبطة بشبكة الصرف الصحي لأن مياه الأمطار تنزل في الصرف.

البحث عن 300 مليون جنيه

وتابع المصدر "نحتاج إلى عشرات الملايين لإصلاح شبكات ومحطات الصرف في الإسكندرية، منها على سبيل المثال 5 ملايين جنيه لإحلال شبكة الصرف بمنطقة الفلكي، و300 مليون جنيه لإدخال صرف بأبي ثلاثاء في العجمي".

وقال إن مشروع الصرف الصحي بمنطقة أبي ثلاثاء، يحتاج إلى 300 مليون جنيه لعمل شبكة صرف صحي كاملة بهذه المنطقة التي لا يوجد بها صرف.

وأضاف "شبكة ومحطات الرفع تستوعب مليون و300 ألف متر مكعب فقط، وفي حال زيادة كمية الأمطار عن هذا الاستيعاب تغرق الشوارع بالكامل، وخاصة أن الأمطار في النوة تصل إلى 4 ملايين متر مكعب".

وأشار إلى وجود مشكلات في بعض المناطق، مؤكدًا أنه يجري الانتهاء من مشروعات لحلها، وأن مشروعًا تم إنجازه بالفعل وهو نقل محطة رفع "المعمورة البلد" إلى محطة رفع "الزياتين"، الأمر الذي ساهم في تقليل نسبة المياه من "أبو قير" إلى "الرأس السوداء".

ولفت إلى أنّه جار تنفيذ مشروع إضافي من خلال شركة المقاولون العرب لزيادة القدرة الاستيعابية لمياه الصرف، للقضاء على أي مشكلات في منطقة شرق الإسكندرية بعد استكمال المشروعين، بالإضافة إلى تطوير محطة السيوف من 600 إلى 800 ألف متر مكعب في اليوم.

وقال يسري هنري، الرئيس السابق لشركة الصرف الصحي بالإسكندرية (المستقيل)، في آخر تصريحاته، إن شركة الصرف الصحي، تخدم حوالي 4893420 نسمة إجمالي عدد سكان الإسكندرية من خلال 4313.2 كم خطوط طرد وانحدار و133 محطة رفع و17 محطة معالجة ملحق بها عدد شنايش تجميع أمطار لا تقل عن 200 ألف شنيشة تتركز معظمها في مناطق تجميع الأمطار وطريق الكورنيش.

التوسع العمراني هو السبب

وأضاف هنري أن شبكة الصرف الصحي تعانى من كثرة الضغوط بسبب التوسع العمراني الكبير وأول ما تفعله الشركة هو استيعاب الموقف، فقد بدأت في تغيير الشبكات، حيث قامت بإحلال وتجديد شبكة الصرف بأكثر من 200 شارع بتكلفة تصل إلى 140 مليون جنيه.

وقال العميد محيي الصيرفي، المتحدث باسم الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، إن رئيس الوزراء شريف إسماعيل أعطى الضوء الأخضر بالانتهاء من كل المشروعات المتوقفة، وعلى رأسها مشروع محطة الثلاثيني لرفع كفاءتها، مؤكدا أنه من المقرر الانتهاء من عمل مناقصة لإحدى شركات المقاولات خلال 15 يوما ليبدأ العمل في المحطة وتعمل في وقت قريب بعد أن تم بالفعل تخصيص 75 مليون جنيه للانتهاء من تلك المشروعات.

وأضاف الصيرفي، لأصوات مصرية، أن كميات المياه التي تساقطت على المدينة كبيرة جدا، وأن وزير الإسكان يتابع الأزمة مع غرفة العمليات، حتى يتم تلافي أي مشاكل خلال الأيام المقبلة.

التحقيق مع الجميع

وقال محمد سمير، المتحدث باسم النيابة الإدارية بالإسكندرية، إنه تم تحويل جميع مسؤولي الإسكندرية للتحقيق لمعرفة أسباب التقصير، وما إذا كان حدوث تلك الكارثة، سببه تقصير جسيم من المسؤولين أم أنه سبب خارج عن إرادتهم.

وأضاف سمير، في تصريحات للصحفيين، أن المحافظ منصب سياسي وليس على النيابة الإدارية تحويله للتحقيق، مشيراً إلى أن النيابة من الممكن أن ترفع تقريرا لرئيس الجمهورية.

كان المحافظ السابق هاني المسيري تقدم باستقالته إلى رئيس مجلس الوزراء، عقب اجتماع دام لأكثر من ساعتين. وقبل رئيس الوزراء الاستقالة على الفور، بعد مطالبة عدد كبير من أهالي الإسكندرية للمسيري بالاستقالة.

فتش عن المخالفات العقارية

"إذا أردت أن تتعرف على أهم أسباب أزمة الصرف الصحي بالإسكندرية، فتش عن المخالفات العقارية"، بتلك الجملة فسرت المهندسة عبير يوسف، رئيس لجنة الإسكان بنقابة المهندسين بالإسكندرية، أهم أسباب تدهور حال شبكة الصرف الصحي بالإسكندرية.

وتقول عبير "إحنا عندنا شبكة صرف صحي منذ سنوات لم تشهد أي إحلال أو تجديد، بل شهدت أعمال صيانة محدودة، وفي المقابل شهدت الإسكندرية بشكل يومي بناء العشرات من العقارات المخالفة منذ ثورة 25 يناير. وبالرغم من علم المسؤولين بخطورة تلك العقارات على البنية التحتية بالإسكندرية، إلا أنهم فشلوا في مواجهة مافيا المقاولات".

وأوضحت يوسف، لأصوات مصرية، أن "كل دور زيادة عن المسموح به يؤثر على طاقة شبكة الصرف الصحي، وإحنا عندنا آلاف الأدوار المخالفة، شوارع الرخص فيها بأربع أدوار يطلع فيها عمارات بعشرين دور، وبالتالي الناتج بيكون أكبر بكتير من طاقة استيعاب شبكة الصرف الصحي، وده بيظهر بوضوح مع سقوط المطر، اللي الشبكات مبتقدرش تستوعبه".

وقال الدكتور حسن ندير، الأستاذ بكلية الهندسة، إن "شبكة الصرف الصحي في إسكندرية محتاجة تطوير منذ سنوات، وطبعاً بناء كم كبير من العقارات المخالفة في فترة قصيرة أثر على قدرة شبكات الصرف الصحي، وسط عجز من الدولة عن منع تلك المخالفات العقارية، أو تطوير منظومة الصرف دي، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه".

مشكلة مزمنة

وعن سبب ظهور الأزمة بشكل واضح الآن، قال ندير، لأصوات مصرية، إن "الأزمة لم تظهر الآن فقط، بل ظهرت منذ سنوات وبوضوح في العام الماضي، حين غرق العديد من مناطق الإسكندرية وخاصة منطقة ميامي، لكن للأسف كان التحرك وقتها مقتصرا على صيانة بعض الشبكات، والاعتماد على عربات الشفط التي تقوم بسحب المياه من الشوارع".

وتابع "تسببت تلك الأزمة في هجوم على محافظ الإسكندرية السابق طارق مهدي، واليوم بعد عام تسببت في رحيل المسيري، بعد زيادة نسبة الأمطار مع زيادة المخالفات العقارية التي ضغطت على شبكات الصرف، لأن الدولة اعتمدت على المسكنات".

وقال "لابد أن تترك الدولة المسكنات وأن تلجأ للحلول الفعلية، وهي أولا إحلال وتجديد فعلي لشبكة الصرف الصحي وعدم التوقف عن أعمال الصيانة وتسليك الشنائش، وثانياً إنهاء كارثة المخالفات العقارية في الإسكندرية".

95 % من العقارات بدون رخصة

من ناحية أخرى، قال علي راغب، رئيس لجنة الإسكان بجمعية رجال أعمال الإسكندرية، إن 95 % من العقارات التي بنيت خلال الفترة الماضية بدون رخصة، بينما 5% فقط كان ترخيصها 4 أدوار فقط، حيث استغل ما وصفهم بـ"البلطجية" تلك الرخص وقاموا يزيادة الأدوار إلى 20 دورا.

وأضاف "من الطبيعي أن تؤثر تلك النسبة على البنية التحتية بالإسكندرية".

وشهدت الإسكندرية تعيين 6 محافظين عقب ثورة 25 يناير، هم عصام سالم، أسامة الفولي، وعطا عباس، ماهر بيبرس، وطارق مهدي، وهاني المسيري، وجميعهم أجمعوا على خطورة مشكلة المخالفات العقارية بالإسكندرية وتأثيرها على البنية التحتية.

ويقول رئيس حي شرق الإسكندرية سعيد الفوال، لأصوات مصرية، "إحنا عشان نزيل بيت واحد مخالف بنحتاج شهر تحضير وموافقات أمنية وحاجات كتير، الموضوع مش سهل، معظم البيوت المخالفة اتبنت وقت الثورة".

26 ألف عقار مخالف 

كما قال محافظ الإسكندرية الأسبق أسامة الفولي، لأصوات مصرية، "لما كنت محافظ كنت باحذر من قنبلة العقارات المخالفة الموقوتة، وقلت إن فيه 26 ألف عقار مخالف بالإسكندرية، بيضغطوا على شبكة الصرف الصحي، وطبيعي مع الوقت المشكلة تزيد يوم مع التاني، والموضوع دة محتاج تدخل الدولة بقوة".

وأجمع المحافظون السابقون، في تصريحات سابقة لهم، على أن المشكلة الأكبر في مواجهة أزمة المخالفات العقارية تعود لعدم توفير التأمين اللازم لحملات الإزالات خاصة عقب ثورة 25 يناير.

تعليقات الفيسبوك