الإجهاض.. رحلة الآلام والمعاناة في مصر

الإثنين 16-06-2014 PM 07:53
الإجهاض.. رحلة الآلام والمعاناة في مصر

اختبار حمل - صورة من رويترز.

كتب

كتبت – جهاد عبادة

عندما ذهبت أميرة جمال إلى العيادة الواقعة بشارع مظلم في حي إمبابة، لم تكن تعرف تماما ماذا عليها أن تتوقع ولا كم مضى عليها في فترة الحمل، لكنها وصلت إلى العيادة قبل الطبيب، وأخذت تقرأ، ربما لتمضية الوقت، الكتيبات المختصة بالصحة الإنجابية ومراحل الحمل.

كانت قلقة حيال خوض اختبار الحمل دون ارتداء خاتم الزواج واتفقت مع رفيقها على استخدام اسم مستعار عند ملء استمارة التحاليل.

"عازبة مصرية وأيضا حامل.. إنه ليس حالا جيدا توضع به امرأة، أو يتم تقبلها أو فهمها من الآخرين".. هكذا قالت أميرة جمال ذات الست وعشرين سنة لأصوات مصرية.

وأضافت "لم أرد لأي شئ أن ينمو بداخلي، لمعرفتي أنه ليس لدي أدنى فرصة للاحتفاظ بالطفل.. كان ذلك يقتلني.. فأنا أحب الأطفال. قبل معرفتي بكيفية خوض العملية، شعرت بحاجتي لشق معدتي كي استعيد عقلي واتصرف بشكل طبيعي."

القانون المصري يجرم الإجهاض، والسيدات اللاتي يتعمدن إجراء عمليات الإجهاض قد تصل عقوبتهن إلى السجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وفقا للمادة 262 من قانون العقوبات.

أما الطبيب الذي يجري عمليات الأجهاض فيواجه حكما بالسجن يترواح بين ثلاثة إلى خمسة عشر عاما، وهو الأمر الذي يدفع العديد من السيدات إلى اللجوء لأطباء يعملون بشكل مستتر ويبالغون كثيرا في أسعارهم، أو يدفعهن للجوء إلى طرق إجهاض بدائية وغير آمنة.

"لكن على الرغم من شدتها فإن العقوبة عادة لا تطبق إلا إذا توفيت المرأة جراء مضاعفات عملية الإجهاض وتمكنت السلطات من التوصل إلى الطبيب الذي قام بإجراء العملية"، هذا ما تؤكده داليا عبد الحميد مسؤولة برنامج حقوق المرأة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

تقول أميرة جمال إنها كانت ستحتفظ بالجنين لو كانت تعيش في دولة أخرى، ولم تكن لتمانع في أن تصبح أما عزباء، إلا أنها لا تستطيع أن تحتمل فكرة أن يكون طفلها طفلا غير شرعي في مصر.

"لحسن الحظ تقبل رفيقي الموقف وقدم لي الدعم أيضا، لكنه كان شديد الحرص على ألا أخبر أحدا بالأمر."

تعد "جمال" من المحظوظات مقارنة بأخريات كثيرات واجهن نفس موقفها، فهناك فتيات أصغر وأفقر لا يملكن المعلومات ولا الإمكانيات المتاحة لها.

ويقول تقرير صدر مؤخرا عن وضع الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن "تجريم الإجهاض لا يمنع حدوثه.. إنه يدفع النساء فقط للبحث عن السرية والعمليات غير الآمنة".

ورغم أن هناك نقصا في المعلومات الدقيقة عن الإجهاض في مصر، إلا أن دراسة أجريت على 1300 سيدة مصرية من قبل مركز القاهرة الديموغرافي أظهرت أن ثلثهن حاولوا إنهاء حملهن، وقد شملت العينة متزوجات وعازبات.

وهناك دراسة أخرى صغيرة أجريت في صعيد مصر وجدت أن 41% من السيدات في المناطق الريفية قمن بعمليات إجهاض مرة واحدة على الأقل، وأن 25% منهن قمن بذلك أكثر من مرة، وقال 92% من اللوائي خضن تجربة الإجهاض إنهن فعلن ذلك دون مساعدة طبية محترفة، بل انهن استخدمن مساعدة الداية التقليدية.

أميرة جمال أجرت اجهاضا طبيا غير جراحي بناء على توصية الطبيب عندما بلغ حملها سبعة أسابيع.. اشترت الحبوب المطلوبة من الخارج حيث يندر وجودها في مصر، وأخذت إجازة مرضية من العمل قبل ان تبدأ في تناول الدواء.

تقول "شعرت بألم شديد.. وبدأت أتقيأ عندما بدأت الحبوب في العمل بعد ساعتين من تناولها، بعد ذلك نزفت حتى خرج. كنت مرهقة بشكل شديد لمدة أسبوعين بعد ذلك."

وتقول جمال إن القلق كان يتملكها طوال الأسبوع التالي خوفا من حدوث مضاعفات أو من أن تكون هناك بقايا للحمل ظلت بداخلها.

معدل من تتلقين العلاج في المستشفيات جراء مضاعفات الاجهاض مرتفعة في مصر، حوالي 15 حالة لكل 1000 سيدة تتراوح أعمارهن بين 15-44، وفقا لتقرير أعدته هيئة المعونة الأمريكية.

وعلى الرغم من الألم الذي شعرت به أميرة جمال بعد تناولها حبوب الإجهاض، إلا أن الأمر يكون أكثر صعوبة وأشد ألماً في حالة الإجهاض عن طريق الجراحة.

وفي دراسة أجراها المعهد الأمريكي المختص بالصحة الجنسية والانجابية جوتماتشر Guttmatcher في مصر، قالت إحدى المشاركات "لقد عانيت من ألم شديد جراء خوض الجراحة. بعد ذلك لم يزدد الألم إلا سوءا .. لقد كانت تلك أشد تجربة ألما خضتها في حياتي".

وتقول داليا عبدالحميد، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن "السرية تضيف الكثير من العبء على المريضة، فهي تدخل في مرحلة تخدير عام دون علم ذويها، وأحيانا تخشى أن تموت دون أن يعلم أي شخص مصيرها".

ووفقا لوزارة الصحة المصرية فإن الإجهاض تسبب في 1.9% من الوفيات المتعلقة برعاية الأمومة في عام 2006.

"إنه موضوع شائك، العديد من المنظمات النسوية تتجنب التعامل مع قضايا الإجهاض حتى لا يوصموا بسبب الدفاع عنها.. الخطاب الاجتماعي حول الإجهاض ضد حقوق المرأة.. التجربة مفترض لها أن تمكن المرأة من اتخاذ قرارها الخاص بجسدها، لكن رؤية المجتمع تدفعها إلى رحلات من الشعور بالذنب".. تقول داليا عبد الحميد.

وتشير "عبد الحميد"، التي عملت مع مجموعات من النساء من خلفيات اجتماعية وظروف مختلفة، إلى أن المرأة تصبح ضعيفة جدا في ذلك الموقف.

وتضيف "قالت إحدى فتيات الشوارع عند سردها لتجربتها مع الإجهاض أن الطبيب طلب منها ممارسة الجنس مقابل إجراء العملية."

"النساء الأفقر هن دائما من يعانين أكثر لصعوبة تحملهن نفقات الدواء أو الجراحة، مما يسبب خطورة كبيرة على حيواتهن وصحتهن".. يقول أحمد عوض الله الناشط في حقوق المرأة والذي يقدم النصائح والدعم للناجيات من الاغتصاب.

ويضيف "النساء اللواتي يصبحن حوامل جراء الاغتصاب، يردن إنهاء حملهن بشدة لأنهن بالفعل يعانين من الوصمة المجتمعية الناجمة عن الاغتصاب علاوة على ذلك تحمل طفل غير شرعي مما يشكل عناء مضاعفا يرغمن على العيش معه إلى الأبد."

ولكن حتى بالنسبة للمتزوجات والسيدات ميسورات الحال اللائي يسعين للإجهاض، فإن التجربة ليست سهلة أيضا.

أمل فريد* 40 عاما تؤكد أنها كانت تجربة مخزية للغاية، قائلة "عاملني الطبيب كما لو كنت عاهرة.. أنا امرأة متزوجة وأخذت أنا وزوجي قرارا مشتركا بعدم إنجاب أطفال آخرين.. زوجي لم يكن موجودا عندما ذهبت إلى الطبيب أول مرة.. أخبرني الطبيب أن باستطاعتي أن أجلب أي شخص كي يدعي أنه زوجي.. معاملته معي تبدلت فقط عندما رأى زوجي وتأكد من خلال الأوراق أننا بالفعل متزوجان."

قالت أمل فريد إنها ذهبت إلى أربعة أطباء مختلفين، قابلوها "إما برفض تام أو إهانة.. الإجهاض في مصر مؤلم جدا.. ينظر إليكِ كإمرأة فاسدة أخلاقيا."

أما أميرة جمال فقد أنهت تجربة الحمل والإجهاض علاقتها برفيقها.. "آخر مرة اتفقنا على الالتقاء كان في عيادة الطبيب لعمل الفحوص النهائية.. وبعد انتهاء الأمر.. كنا ننوى اللقاء لاحقا ولكن لم يحدث.. أعتقد أننا لم نكن جاهزين للتغلب على كل تلك المشاكل التي نجمت عن التجربة."

* تم تغيير أسماء السيدات بناءً على رغباتهن.

تعليقات الفيسبوك