متى تستعيد مصر ثقة سوق القمح العالمي؟

الجمعة 12-02-2016 AM 01:34
كتب

كتبت: مي قابيل

بالرغم من أن الحكومة المصرية حاولت أن تستعيد ثقة السوق العالمي للحبوب، بعد أن أربكته بسبب التصريحات المتضاربة التي صدرت عنها خلال الفترة الماضية فيما يتعلق بشروطها لقبول شحنات القمح المستورد، لا يبدو أن الأزمة انتهت بعد.

فأعلنت بونجي، شركة أمريكية متخصصة في تجارة المنتجات الزراعية، منذ يومين، عن اتخاذ إجراءات قانونية ضد الحكومة المصرية بعد رفضها استقبال شحنة قمح ورّدتها الشركة من فرنسا، رغم "مطابقتها لشروط المناقصة (التي أجرتها هيئة السلع التموينية)"، كما قالت الشركة في بيان لها.

لكن المتحدث باسم وزارة الزراعة، عيد حواش، قال لأصوات مصرية إن الشحنة البالغة 63 ألف طن، كانت مقسمة إلى عدة أقسام "عنابر"، وأن عددا من تلك العنابر كانت نسبة القمح المصاب بالفطر فيه أعلى بكثير من المعدل المسموح به، مشيرا إلى أن "الشركة هي المسؤولة عن أن تكون كل أقسام الشحنة مستوفية للشروط".

كانت مصر رفضت شحنة قمح فرنسي في ديسمبر الماضي، بعد وصولها لميناء دمياط، وذلك على الرغم من أن "جهة الفحص التي عينتها هيئة السلع التموينية المصرية" أقرت جودة القمح ومطابقته للمواصفات المصرية قبل خروج الشحنة من فرنسا، كما تقول الشركة.

وتقوم هيئة السلع التموينية بشراء القمح في مناقصات عالمية، ليتم توجيهه للخبز المدعم من الحكومة. وتشاركها وزارة الزراعة، متمثلة في الحجر الزراعي، في الجوانب الفنية المتعلقة بجودة المحاصيل المستوردة ومطابقتها للمواصفات.

ويوضح حواش أن القواعد المعمول بها في هذا المجال تقضي بفحص الشحنات مرتين، إحداهما في بلد المنشأ والأخرى في البلد المستورد.

وأجرت لجنة من الحجر الزراعي الفحص الأولي بالفعل قبل خروج الشحنة من فرنسا، واعتبرتها مطابقة للمواصفات، و"أحال الوزير المهندسين المسؤولين إلى التحقيق"، لمعرفة أسباب إجازتهما للشحنة رغم ما ظهر فيها في الفحص الفني من عيوب، حسبما قال المتحدث باسم الوزارة.

وتتوافق المواصفات المصرية مع العالمية فيما يخص النسبة القصوى المسموح بوجودها في القمح من فطر الإرجوت، والتي تبلغ 0.05% من الشحنة، بحسب الدستور الغذائي العالمي (الكوديكس)، كما يؤكد حواش.

وتم فحص شحنة القمح الفرنسي مرة أخرى بعد وصولها مصر، فتبين أن "نسبة الإصابة في بعض العنابر تصل إلى 4% و7%، رغم أن متوسط الإصابة في مجمل الشحنة كان في الحدود المسموحة، مما أدى لرفضها"، تبعا لما قاله المتحدث باسم وزارة الزراعة.

وأثر رفض الشحنة الفرنسية سلبا على تجار القمح في العالم، بعد أن صرحت مصادر في وزارة الزراعة في يناير الماضي بأن مصر لن تستقبل أي شحنات من القمح تحمل آثارا لفطر الإرجوت، دون أن يصدر إعلان رسمي حكومي بذلك.

وأكدت وزارة التموين، التي تتبعها هيئة السلع التموينية المسؤولة عن شراء القمح، في نفس الوقت أن مصر لم تغير مواصفاتها القياسية، وأنها ستقبل القمح بنسبة إصابة لا تتجاوز 0.05% من الإرجوت.

وأقلقت هذه التصريحات المتضاربة تجار الحبوب، ومنعتهم من التقدم لمناقصة شراء القمح التي عقدتها مصر في بداية الشهر الجاري، حيث رأوا أنه لا يمكن ضمان خلو شحنات القمح من أي أثر لهذا الفطر.

وقال آل كونواي، التاجر الأمريكي ومستشار شركة كاسكيد لاستشارات السلع الأولية، لرويترز "هذا شيء مخيف وخطر فيما يتعلق بمحاولة العمل مع مصر بسبب تلك الهيئات المتصارعة فيما بينها."

وألغت هيئة السلع مناقصة القمح، التي لم يتقدم لها أحد، ثم أعلنت وزارة الزراعة في اليوم التالي أنها تقبل نسبة 0.05% من الإرجوت في شحنات القمح، إلا أن هذا لم يطئمن التجار لاستقرار المعايير المصرية، فرفعوا أسعار العروض التي تقدموا بها لبيع القمح لمصر في المناقصة التالية التي عقدتها الهيئة يوم الجمعة الماضية.

وقال بول جافيه، محلل في أوفر إيه دوموند أجريكول، لوكالة بلومبرج، إن البعض حاليا "لا يرغب في أن يأخذ مخاطرة التجارة مع مصر".

ويقول حواش، لأصوات مصرية، إن "التجار خافوا أن يكون رد شحنة القمح الفرنسي علامة على تشدد وزارة الزراعة، كما أربكتهم التصريحات المتضاربة"، مؤكدا في الوقت نفسه أن المعايير المصرية لم تتغير.  

وتراجعت أسعار الحبوب الفرنسية في الأسابيع الأخيرة، وسط مخاوف بخصوص الطلب المصري، ووصلت العقود الآجلة للقمح في باريس (تسليم مارس) لأدنى مستوى لها منذ سبتمبر 2014، ليصل سعر الطن إلى ما يوازي 171 دولار، تبعا لبلومبرج.

ورغم تراجع الأسعار مع ارتفاع الإنتاج العالمي من القمح، فقد ألغت مصر أيضا مناقصتها الثانية لهذا الشهر بعد أن تلقت أربعة عروض فقط، وبأسعار تزيد على المعروض في الأسواق.

وقال ممدوح عبد الفتاح، نائب رئيس هيئة السلع التموينية، لوكالة رويترز تعليقا على إلغائها "رأيتم في المناقصة الأخيرة أن الأسعار كانت أعلى 10 دولارات عن السوق".

وفي مسعى لاستعادة الثقة عقدت وزارتا التموين والزراعة مؤتمرا صحفيا مشتركا يوم الأحد الماضي، وأكدتا فيه قبولهما للشحنات التي تحوي فطر الإرجوت بنسبة تقل عن 0.05%.

لكن بعض التجار المتعاملين في السوق الدولية للحبوب أبدوا عدم اطمئنانهم رغم هذه التصريحات الرسمية المشتركة، حسبما قال بول جافيه لبلومبرج، مضيفا "الكثيرون ينتظرون ليروا إذا ما كان سيتم قبول المراكب".

واعتبرت وكالة بلومبرج في تقرير لها أن الزيادة في الإنتاج العالمي تأتي في صالح مصر، حيث يحتاج المنتجون إلى تصدير محصولهم، والذي أدت زيادته إلى تراجع الأسعار بنحو 13% مقارنة بالعام الماضي.

كما أن مصر "ليس أمامها خيارا سوى الاستيراد" تبعا لما قالته جويوم لالمونت، التي تدير شركة جرينيتريد الفرنسية لتجارة الحبوب، لبلومبرج، وإلا ستواجه "احتجاجات بسبب الغذاء".

وتملك مصر مخزونا من القمح يكفيها حتى منتصف مايو المقبل، بحسب ما أكده وزير التموين في تصريحات صحفية.

وتتوقع وزارة الزراعة الأمريكية أن يسجل الإنتاج العالمي من القمح خلال الموسم 2015/2016 مستوى قياسيا، ببلوغه 735 مليون طن، بزيادة 1.3% عن الموسم السابق، وهو ما يجعل السوق تعمل لصالح "المشترين"، كما يقول سويثان ستيل، رئيس شركة سولاريز السويسرية لتجارة الحبوب، لجريدة فاينانشال تايمز البريطانية.

تعليقات الفيسبوك