أوجاع التنين الصيني تهز العالم.. هل تتأثر مصر؟

الخميس 27-08-2015 PM 05:56
أوجاع التنين الصيني تهز العالم.. هل تتأثر مصر؟

هل الصين في مأزق اقتصادي المصدر: رويترز

كتب

نموذج النمو الصيني القديم لم يعد قابلا للاستدامة.. والبعض يشكك في مصداقية بيانات الحكومة

العالم يترقب انتخابات اليونان.. والأسواق الناشئة تخشى هروب رؤوس الأموال بعد رفع الفائدة الأمريكية

كتب: محمد جاد

لم تكد مخاوف متابعي الاقتصاد العالمي تهدأ قليلا مع وصول اليونان لاتفاق مع دائنيها على حزمة إصلاحات تجنب العالم تداعيات سيناريو خروجها من الاتحاد الأوروبي، حتى عاد القلق مجددا مع تصاعد المخاوف من تباطؤ اقتصاد الصين والتخارج المنتظر للولايات المتحدة من السياسات النقدية التي طبقتها بعد الأزمة المالية، والتي قد يكون لها تداعيات أيضا على النمو العالمي.

فهل يواجه العالم تهديدا بأزمات اقتصادية تدفعه إلى مزيد من التباطؤ وهو لم يسترد عافيته بعد من أزمة 2008، وما تأثير ذلك على مصر؟

البحث عن نموذج جديد للصين

ساهم التراجع القوي للبورصة الصينية الإثنين الماضي، اليوم الذي عُرف باسم "الإثنين الأسود"، بنسبة 8.5%، في لفت الأنظار إلى أحوال الاقتصاد الصيني الذي يعاني من تباطؤ عن مستوياته التاريخية.

وقد سبق تلك الجلسة العاصفة مؤشرات سلبية عن الاقتصاد الصيني أشعرت المستثمرين بالقلق على مستقبل النمو في البلاد، حيث أظهر مسح أن نشاط قطاع المصانع في الصين انكمش في أغسطس بأسرع وتيرة في حوالي ست سنوات ونصف.

وتسجل الصين معدلات نمو أقل من 8% منذ عام 2012، وهو مستوى لم تصل إليه منذ عام 1999. وقد نما اقتصاد البلاد بنسبة 7.4% في 2014 وتستهدف الحكومة معدل نمو مقارب في 2015.

وتعد تلك المعدلات أرقاما كبيرة بالنسبة لأسواق ناشئة مثل مصر، لكن تاريخ التنين الصيني يخبرنا بأن المتوسط السنوي للنمو بلغ 10% لثلاث عقود مضت. لذا ينظر المحللون بقدر من عدم التفاؤل لمعدلات النمو الحالية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذي يمثل ركيزة مهمة للنمو العالمي إذ يقدم وحده 15% من الإنتاج العالمي.

بل أن العديد من الخبراء أصبحوا يتشككون في مصداقية بيانات النمو الصادرة عن البلاد ويقولون أنها أقل من المعدلات الحقيقية.

ويقول إدواردو بورتر، الكاتب بصحيفة نيويورك تايمز، في تحليل نشره يوم 25 أغسطس، إنه "لم يعد أحد يصدق الإحصاءات الرسمية الصينية" متسائلا "ماذا لو كان اقتصاد البلاد يتباطئ بأكثر مما يعرفه الجميع؟".

وتقول صحيفة الفاينانشال تايمز، في تحليل يوم 25 أغسطس، إن حسابات بديلة للمحللين تقدر النمو الصيني بمعدلات تقل عن المعلنة من الحكومة.

وفي هذا السياق وصف تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، في تقرير يوم 24 أغسطس، الاقتصاد الصيني بالصندوق الأسود، منتقدا عدم وجود شفافية كافية في البيانات الاقتصادية الصادرة عن البلاد.

وجاءت خطوة الصين بتخفيض قيمة عملتها لتؤكد مخاوف المحللين من أن البلاد تحاول الخروج من مأزق اقتصادي.

وكان بنك الشعب الصيني قد أعلن في 11 أغسطس عن سياسة جديدة في سعر الصرف، حيث قال إنه سيحدد متوسط سعر عملة البلاد استنادا لأسعار المتعاملين في السوق وسعر الإغلاق في اليوم السابق.

ثم خفض البنك متوسط السعر إلى 6.22 يوان للدولار صباح هذا اليوم مقابل 6.11 يوان عند التسوية اليوم السابق وهو أكبر تعديل يومي لمتوسط السعر على الإطلاق.

وقدم البنك الصيني تلك الخطوة على أنها اقتراب أكبر من آليات السوق، لكن المحللين فسروا تلك الخطوة بأنها محاولة لدعم نشاطها التصديري، وذلك في الوقت الذي يرى فيه الكثيرون أن النمو الصيني القائم على التصدير لم يعد مستداما وأن البلاد عاجزة عن التحول لنموذج اقتصادي جديد.

وانتقد تقرير لصحيفة التليجراف، في 25 أغسطس، نموذج النمو الصيني الحالي الذي رأى أنه يواجه تحديات للاستدامة موضحا أنه يقوم على "العمالة ورؤوس الأموال الرخيصة والصادرات القوية".

وأوضحت التليجراف أن هذا النموذج يواجه تحديات ارتفاع الأجور الصينية وارتفاع تكاليف توفير رؤوس الأموال، كما أن الطلب الخارجي لم يعد مثل الأحوال السابقة.

وتوضح دراسة لمنظمة أو أي سي دي، صدرت هذا العام، بعنوان الصين في بيئة عالمية متغيرة، أن الصين أصبحت تواجه منافسة من العديد من الدول منخفضة الدخل التي تحاول تكرار نموذج جنوب شرق آسيا القائم على خلق النمو الاقتصادي من خلال التصدير، مما يجعل الصين في حاجة إلى نموذج جديد للنمو يقوم على الاستهلاك المحلي والصادرات الأكثر تعقيدا في تقنياتها.

ويوضح تحليل للواشنطن بوست في هذا السياق أن البلاد تحتاج إلى التحول من "ضخ الأموال في الصناعات الثقيلة واستثمارات البنية الأساسية وسوق العقارات إلى الخدمات والإنفاق الاستهلاكي".

القلق لا يقتصر على الصين

تلقى المخاوف من التباطؤ الصيني بثقلها على أسواق السلع العالمية، حيث تستمر أسعار النفط في مستوياتها المنخفضة والتي بلغت مستوى تاريخي في بورصة نيويورك الجمعة الماضية مع انخفاض برميل برنت عن 40 دولار لأول مرة منذ 2009.

وتقول الإيكونوميست، في تقرير يوم 24 أغسطس، إن الرؤية المتشائمة للنمو الصيني تمثل ضغوطا على الاقتصادات الناشئة، خاصة تلك التي يعتمد نموها على الصادرات الصناعية والسلعية للصين.

وهذه الأسواق تواجه ضغوطا أخرى من الولايات المتحدة الأمريكية التي من المنتظر أن تقوم بـ"أول زيادة في أسعار الفائدة خلال عقد تقريبا"، على حد تعبير الإيكونوميست.

وتعد الخطوة الأمريكية المنتظرة إحدى خطوات التخارج من الإجراءات الاستثنائية التي طبقتها عقب الأزمة المالية العالمية في 2008 لتيسير الاقتراض وتنشيط الاقتصاد.

وساهم تخفيض الفائدة في تقليل أسعار الديون السيادية عالميا وهو ما استفادت منه مصر عند طرح سندات دولارية هذا العام. كما شجع على اتجاه العديد من الأموال للأسواق الناشئة بحثا عن العوائد المرتفعة مقارنة بالفائدة الأمريكية التي تقترب من الصفر في المئة.

لذا تشعر الأسواق الناشئة حاليا بالتوتر من خروج قوي لرؤوس الأموال من بلادها مع ارتفاع الفائدة في أمريكا، وهو ما يهدد النمو الاقتصادي بهذه البلدان.

أوروبا أيضا مازالت مهددة

لا يزال مستقبل الاتحاد الأوروبي مهددا بعد استقالة رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس وإعلانه عن انتخابات مبكرة.

وكان رئيس الوزراء قد قاد عملية مفاوضة عسيرة مع دائني البلاد للحصول على حزمة مساعدات مالية مقابل إصلاحات اقتصادية تزيد من الضغوط على المواطنيين اليونانيين الذين يعانون من تداعيات الأزمة المالية المستمرة في بلادهم منذ 2010.

وتعد أزمة اليونان جزءا من أزمة الديون السيادية في أوروبا، والتي كانت إحدى التطورات الناتجة عن أزمة العجز عن سداد ديون الرهن العقاري في الولايات المتحدة في 2008 وأربكت النظام المالي العالمي الذي تترابط تعاملاته مع بعضها وتتأثر بأي أزمة تعثر تقع في أي من أجزائه.

ومع اقتراب اليونان من الإفلاس في خريف 2010 قدمت لها الدول الأوروبية وصندوق النقد الدولي أولى المساعدات المالية المشروطة بإصلاحات اقتصادية في مايو من نفس العا. .ولكن المساعدات لم تحقق النتائج المرجوة منها، حيث كانت تذهب بشكل رئيسي إلى سداد الديون اليونانية بدلا من إصلاح الاقتصاد، وفقا لتقرير لصحيفة النيويورك تايمز في 8 أبريل الماضي، والذي أشار إلى انكماش الاقتصاد على مدار الخمس سنوات الماضية وارتفاع البطالة فوق مستوى 25% من قوة العمل.

هل العالم في مأزق اقتصادي؟

نقلت صحيفة الواشنطن بوست عن الاقتصادي جوليان جوسب، في تقرير يوم 25 أغسطس، قوله بإن المستثمرين يبالغون في تقديرهم للمخاطر الاقتصادية في الصين معتبرا أن "انهيار فقاعة الأسهم لا يعبر عن حالة الاقتصاد الصيني".

وأضاف أن "البيانات الأخيرة من اقتصاديات أخرى كبيرة كانت جيدة وهناك مخاوف قليلة يمكن تبريرها بخصوص تباطؤ عالمي كبير".

وتقول الإيكونوميست إنه بالرغم من الانخفاضات الأخيرة في مؤشر شانغاهاي لكنه لا يزال أعلى 43% عن مستوياته في العام الماضي، كما أن جزءا صغيرا من الثروة الصينية هو الذي يتم تداوله في أسهم البورصة والكثير منها متركز في سوق العقارات الذي اتسم بالاستقرار خلال الأشهر الأخيرة.

وأضافت الإيكونوميست "تكرار الأزمة المالية الآسيوية لعام 1997 يبدو غير مرجح" مشيرة إلى أن النظم المالية الآسيوية حاليا أكثر كفاءة من حيث سياسة سعر الصرف وحجم الاحتياطيات.

وقالت المجلة البريطانية الأشهر في عالم الاقتصاد "لا يبدو أن انهيارا من طراز 2008" ظاهر في الأفق، مشيرة إلى عدم وجود مؤشرات على سوء تسعير للأصول مثل تلك التي كانت وقت الأزمة المالية العالمية.

ما تأثير ذلك على مصر؟

يقول عمرو عادلي، الباحث بمعهد كارنيجي، إن "الاقتصاد العالمي لم يتعافى بعد من أثار الأزمة المالية العالمية في 2008 ونحن نعيش الآن احدى دورات هذه الأزمة".

وأضاف "هناك مخاطر في حال استمرار التباطؤ الاقتصادي العالمي لفترة طويلة والذي قد يتحول إلى ركود اقتصادي وهو ما سينعكس على أداء الاقتصاد المصري بشكل واضح".

وأوضح عدلي أنه "إذا تباطأت الصين أكثر وتضررت أوروبا من أزمة الديون السيادية فهذا يعني أن أنشطة مثل الملاحة في قناة السويس بمصر ستتأثر بشكل ملموس".

ويشير عادلي إلى أن أحد أكثر الصور وضوحا لتأثيرات التباطؤ العالمي على مصر تتمثل في التأثير السلبي لأسعار النفط المنخفضة على قيمة صادرات البترول المصرية "لكن في المقابل مصر تستفيد من انخفاض تكاليف استيراد المواد النفطية وهي مستورد صافي للنفط".

ومثلت صادرات البترول الخام في مصر نحو 22% من إجمالي الصادرات المصرية، بحسب آخر البيانات المعلنة من البنك المركزي عن الربع الثالث للعام المالي 2014-2015.

تعليقات الفيسبوك