أحدث الأخبار
قال بنك الاستثمار الإماراتي "أرقام كابيتال"، في تقرير حديث، إن "الوقت يعمل ضد البنك المركزي"، وإن تأخر اتخاذ قرار تخفيض قيمة الجنيه يعوق النمو الاقتصادي.
التقرير الذي يحلل أوضاع الاقتصاد المصري يفرد قسما لأزمة الدولار، يتوقع فيه أن يتخذ المركزي خطوة تخفيض قيمة الجنيه عندما يؤمِن الموارد الكافية من العملات الأجنبية، من مؤسسات التمويل الدولية والدول المانحة والسوق المحلي، ليتمكن من ضخ الكميات الكبيرة التي ستكون مطلوبة من العملات الأجنبية عند اتخاذ القرار.
"لكننا نظن مع ذلك أن الوقت يعمل ضد المركزي، وأن مزيدا من التأخير سيضيف ضغوطا أكبر على سوق الصرف، وسيوسع من الفجوة بين السعر الرسمي وأسعار السوق الموازية، بما يرفع المخاطر من أن يصبح قرار تخفيض قيمة العملة غير ذي جدوى حينما يتخذ"، كما يحذر التقرير الذي حصلت اصوات مصرية على نسخة منه.
وتعاني مصر من مشكلة نقص في العملات الأجنبية، أرجعها بنك الاستثمار الإماراتي إلى مزيج من التدفقات المحبِطة للاستثمار الأجنبي، وتراجع عائدات السياحة والتصدير، بالإضافة إلى المشهد السياسي المضطرب، وبعض قرارات البنك المركزي التي ساهمت في تزايد الأزمة.
وتتسع الفجوة بين السعر الرسمي للجنيه مقابل الدولار وبين السعر المتداول في السوق السوداء بشكل كبير مؤخرا، فبينما استقر السعر الرسمي الذي يقره البنك المركزي عند 7.73 جنيه للدولار، فقد وصل في السوق الموازية إلى 9.70 جنيه.
أسئلة بلا إجابات
يقول تقرير "أرقام" إن عدم التواصل وإتاحة المعلومات من جانب البنك المركزي والحكومة حول مدى خطورة الوضع يطرح سلسلة من الأسئلة بلا إجابات.
"إلى متى ستحافظ مصر على القيود على التعاملات البنكية بالعملات الأجنبية، وهل ستدافع مصر عن الجنيه بلا حدود قبل أن تصبح مجبرة على تخفيضه لمستوى يمكن أن يحد من النمو الاقتصادي؟ أم إنها ستعلن بشكل مفاجئ عن قرض من صندوق النقد الدولي يدعم الاحتياطي ويجنبها تخفيض العملة، أو يمكنها من تخفيض محدود على أحسن تقدير؟".
وكان المركزي فرض في بداية العام الماضي قيودا على الإيداع النقدي بالدولار في البنوك، للتضييق على السوق السوداء، وحملّ كثير من المستوردين والمصدرين تلك القيود مسؤولية نقص الدولار في السوق في الشهور الأخيرة.
ورغم تخفيف المركزي لتلك القيود منذ بداية العام الجاري إلا أن الأزمة لا تتجه للإنفراج، لأن الطلب على العملة الصعبة أكثر من المعروض منها، وهو ما يرى عدد من بنوك الاستثمار أنه يقتضي تخفيض قيمة الجنيه أمام العملة الأمريكية.
تصاعد الأزمة
تشير البيانات إلى تصاعد أزمة العملة بشكل حاد خلال الربع الأخير من 2015 (أكتوبر إلى ديسمبر) نتيجة لعدد من العوامل الاقتصادية، بالإضافة لتصاعد التوقعات التي ارتبطت بتغيير شخص محافظ البنك المركزي في نوفمبر الماضي، كما يقول تقرير "أرقام".
وكانت الضربة التي تلقتها السياحة بعد سقوط الطائرة الروسية في نهاية أكتوبر الماضي، من أهم العوامل التي ساهمت في نقص العملة الأجنبية، كما يوضح التقرير، حيث ترتب عليها تراجع في أعداد السائحين الوافدين لمصر بنحو 44% ما بين أكتوبر وديسمبر.
ويتوقع بنك الاستثمار أن تتراجع عائدات السياحة إلى 5.5 مليار دولار خلال العام المالي الجاري، مقابل 7.4 مليار في العام الماضي.
كما تأثرت الصادرات، أحد المصادر الهامة للعملة الصعبة، بأزمة نقص الدولار، حيث أدت الصعوبات في توفير العملة إلى تأخر استيراد الخامات، مما عطل عملية الإنتاج، وأثر على التصدير.
ويوضح التقرير أن تقييد التعاملات الدولارية والتضييق على السوق السوداء انعكس على التحويلات، حيث اتجه بعض المصريين العاملين بالخارج إلى تغيير العملة في الخارج وتقليل المبالغ التى يحولونها بالعملة الأجنبية إلى مصر، "لكن لا توجد بيانات كافية لتحديد حجم هذا التطور".
وبالإضافة إلى هذه العوامل هناك عامل نفسي ارتبط بالتوقعات، "فمحافظ البنك المركزي الجديد كان بإمكانه تغيير السياسات التي فاقمت من أزمة نقص العملة الأجنبية في 2015، إلا أن عدم تحقق ذلك بسرعة أدى إلى إشعال أسعار في السوق الموازية، وزاد من توقع المتعاملين للمخاطر"، بحسب تفسير بنك الاستثمار.
وكان محافظ البنك المركزي الحالي، طارق عامر، تولى منصبه في نوفمبر الماضي، خلفا لهشام رامز الذي تقدم باستقالته في 21 أكتوبر، والذي كان مسؤولا عن سياسات تقييد الإيداع الدولاري في البنوك. وعبر كثير من المستثمرين عن تفاؤلهم بالمحافظ الجديد متوقعين أن يلغي تلك القيود.
لكن عامر لم يعدل من تلك السياسة إلا مع بداية العام الجديد، حيث رفع حد الإيداع في يناير الماضي من 50 ألف إلى 250 ألف دولار شهريا للشركات المستوردة للسلع الأساسية، ثم أعلن في فبراير عن رفع الحد الأقصى مجددا إلى مليون دولار للمصدرين الذين يحتاجون لاستيراد مستلزمات إنتاج.
طلب بغرض المضاربة
رغم أن حجم الطلب على العملة الصعبة من جانب الشركات الخاصة والقطاع العائلي ليس واضحا، فإنه من الملاحظ أن "نسبة غير قليلة من هذا الطلب تكون بهدف المضاربة والبحث عن الربح من فروق أسعار العملة"، كما يقول بنك الاستثمار.
وقدر التعاملات اليومية للسوق الموازية للعملة في مصر بما يتراوح بين 4 إلى 5 ملايين دولار، "معظمها يغطي طلبات الشركات".
ويشير التقرير إلى أن "تسريب القرارات إلى السوق قبل الإعلان عنها بشكل رسمي يؤدي إلى الارتباك والهلع".
وكان قرار البنوك العاملة في مصر بتخفيض الحد اليومي والشهري لتعامل عملائها بالعملات الأجنبية خارج مصر، وتقليص المبالغ المسموح بتحويلها إلى العملات الأجنبية، على سبيل المثال، أثار قلق القطاع العائلي، وأدى للإقبال على شراء الدولار في السوق السوداء تحسبا لاحتمال عدم توافره في فترات لاحقة أو زيادة سعره بشكل كبير، مما أدى فعليا لزيادة أسعار السوق السوداء عن معدلاتها قبل القرار، الذي تم بناء على تعليمات البنك المركزي.
وحاول تقرير "أرقام" أن يلقى الضوء على أهم جوانب العرض والطلب فيما يخص العملات الأجنبية المتاحة للبنك المركزي والمطلوبة منه، رغم صعوبة الإلمام بها بدقة "نظرا لعدم توافر المعلومات بشكل كاف".
وبحسب التقرير، تلقى المركزي دفعات من القروض والمساعدات من مؤسسات مختلفة منها على الأقل 1.2 مليار دولار من البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، و0.5 مليار دولار من البنك الأفريقي للتنمية، و0.2 مليار من صندوق النقد العربي، بالإضافة لآخرين.
وتوقع بنك الاستثمار أن تكون هناك مبالغ أخرى في الطريق سواء من خلال مؤسسات تمويل دولية أو دول مانحة.
ويرى "أرقام" أن "المركزي ربما يكون استخدم هذه المبالغ خلال الشهور الماضية لتمويل الاحتياجات من العملة الصعبة، بدلا من الاعتماد على الاحتياطي النقدي".
ويتوقع التقرير أن يكون المركزي وجه الـ900 مليون جنيه التي حصل عليها من الصين في يناير الماضي لزيادة قيمة الاحتياطي.
ورغم انخفاض موارد مصر من العملة الصعبة إلا أن احتياطي النقد الأجنبي لدى المركزي يحافظ على استقرار نسبي خلال الشهور الأخيرة، حيث استقر في الفترة من أكتوبر إلى يناير الماضيين حول 16.4 مليار دولار، وارتفع الشهر الماضي إلى 16.5 مليار.
وتتضمن المبالغ المنتظر دخولها بالعملة الصعبة للمركزي في الفترة المقبلة 15 مليار دولار حصيلة اتفاقيات استثمارية وقروض تجارية مع الصين، بالإضافة لمليار دولار من البنك الدولي، وهي الشريحة الأولى من قرض معروض على البرلمان، ويتوقع التقرير صرفه خلال الربع الثاني من العام (إبريل إلى يونيو).
كما يرجح التقرير حصول مصر على مليار دولار إضافية على الأقل من دول الخليج في الشهور المقبلة.
وفي المقابل استخدم البنك المركزي نحو 14.2 مليار دولار، خلال الفترة من نهاية أكتوبر إلى نهاية يناير، سواء بشكل مباشر أو من خلال البنوك التجارية، كما يوضح بنك الاستثمار.
وتم توجيه هذا المبلغ لتغطية واردات سلع غذائية أساسية بـ 2.1 مليار دولار (لا تشمل واردات هيئة السلع التموينية، وهي المستورد الأكبر للقمح وزيت الطعام في مصر)، و1.5 مليار للآلات وقطع الغيار، و6.9 مليار للسلع الوسيطة والمواد الخام، و600 مليون دولار للأدوية والكيماويات المرتبطة بها، و3.1 مليار لسلع أخرى.
ولا تشمل هذه المبالغ واردات الحكومة من السلع والتي تتمثل بالأساس في القمح والمواد البترولية.
ويبيع المركزي حوالي 120 مليون دولار أسبوعيا للبنوك، من خلال ثلاثة عطاءات أسبوعية دورية، بالإضافة لميار دولار طرحها بشكل استثنائي للبنوك في نوفمبر الماضي، لسد احتياجات المستثمرين والمستوردين.
ولكن لا توجد أرقام رسمية معلنة عن حجم المتأخرات على المستوردين والمستثمرين ولا ما تم تسديده منها حتى الآن كما يقول التقرير.
وتتمثل الالتزامات قصيرة الأجل على مصر بالدولار بالنسبة لديونها في تسديد 700 مليون دولار من أقساط ديون نادي باريس، بالإضافة إلى مليار دولار قيمة سند مستحق لقطر، بحلول يوليو المقبل.
ويعتقد معدو التقرير أن المعروض من العملة الأجنبية سيزيد عن المطلوب، لكن العبرة بالسرعة التي سيحدث بها ذلك، والتي لا تنفصل عن اغتنام البنك المركزي "لأقرب فرصة ممكنة لتحقيق التوازن في سعر الصرف".