أحدث الأخبار
جاء إعفاء المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات من منصبه لتضع نقطة النهاية للسير على الأشواك في صراع مكتوم استمر لأكثر من عام بين جهات قوية و"المركزي للمحاسبات".
وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس الاثنين، قرارا جمهوريا بإعفاء جنينة من منصبه، وتكليف نائبه المستشار هشام بدوي، بمباشرة اختصاصاته لحين تعيين رئيس جديد.
وتصاعدت حدة الخلاف مع جنينة عقب إعلانه، في مايو 2015، عن حجم الفساد في بعض مؤسسات الدولة، وقال إن عدد الصناديق الخاصة بوزارة الداخلية بلغ نحو 38 صندوقا بقيمة 12 مليار جنيه، إضافة إلى وجود مخالفات بقيمة 23.5 مليار جنيه بينها 2.5 مليار بجهاز أمن الدولة.
وانتقد جنينة، خلال مؤتمر صحفي لاقي اهتماما محليا ودوليا، رفض وزارة الداخلية الخضوع للجهاز المركزي للمحاسبات، مضيفا أن "المركزي للمحاسبات" تقدم منذ عام 2011 بحوالي 428 بلاغا للنيابة العامة خاصة بإهدار المال العام ولم يتم التحقيق فيهم.
وعقب هذا المؤتمر بأقل من شهرين أصدر السيسي قرارا بقانون، في يوليو 2015، يجيز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم.
وحدد القانون رقم 89 لسنة 2015 أربع حالات يجوز فيها إعفاء رؤساء الأجهزة الرقابية من مناصبهم وهي "وجود دلائل على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، وفقدان الثقة والاعتبار، والإخلال بواجبات الوظيفة بما يضر بالمصالح البلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة، وفقدان أحد شروط الصلاحية للمنصب لغير الأسباب الصحية".
واعتبر مراقبون أن قرار السيسي كان يستهدف جنينة على وجه التحديد.
وتنص المادة 216 من الدستور على أن "يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفي أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون، ويُحظر عليهم ما يُحظر على الوزراء".
كما ينص القانون المنظم للجهاز المركزي للمحاسبات في المادة رقم 20 على أن "يصدر تعيين رئيس الجهاز بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة متضمنا معاملته المالية، ويعامل من حيث المعاش وفقا لهذه المعاملة. ولا يجوز إعفاؤه من منصبه، ويكون قبول استقالته بقرار من رئيس الجمهورية".
ويتبع الجهاز المركزي للمحاسبات -الذي يراقب مالية المؤسسات والهيئات الحكومية- رئاسة الجمهورية مباشرة، رغم أنه من المفترض أن يراقب الأوضاع المالية لمؤسسة الرئاسة نفسها.
صراع مع الزند
ومثلت الخلافات المحتدمة بين جنينة والمستشار أحمد الزند والتي سبقت تعيين الأخير في منصب وزير العدل (مايو 2015 - مارس 2016) ، مرحلة مفصلية في الصراع المكتوم مع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.
وتعود جذور الخلافات بينهما إلى عام 2009 عندما تنافسا على رئاسة نادي القضاة، وهي الانتخابات التي انتهت بفوز الزند.
وعندما عُين جنينة رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين عام 2012، أرسل مذكرة لمجلس القضاء الأعلى يطالبه بالتدخل لتسهيل عملية رقابة "المركزي للمحاسبات" على نادي القضاة، بعد أن رفض النادي برئاسة الزند رقابة الجهاز.
واستمرت تصريحات جنينة في مختلف وسائل الإعلام تحذر من استشراء الفساد في مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارة الداخلية ونادي القضاة، فيما شن الزند حربا من نوع آخر من خلال تقديم بلاغات للنائب العام ضد جنينة يتهمه فيها بإهانة القضاء.
ويعد الجهاز المركزي للمحاسبات هو الجهاز الرقابي الأبرز في مصر، حيث يختص بالرقابة على مجمل الأموال العامة وأموال الشخصيات العامة.
ذروة الأزمة
في ديسمبر 2015، قال جنينة، على هامش افتتاح فرع البنك الأهلي بمقر الجهاز المركزي للمحاسبات، إن الفساد بلغ حوالي 600 مليار جنيه خلال الفترة من 2012 وحتى 2015.
وأثارت هذه التصريحات جدلا واسعا في الأوساط السياسية المحلية والدولية وعلى صعيد مواقع التواصل الاجتماعي، وهوجم بسببها جنينة الذي اتهمه إعلاميون بزعزعة الاستقرار والعمل لصالح جماعة الإخوان المسلمين.
وشَكل السيسي، في يناير الماضي، لجنة تقصي حقائق لدراسة مدى مصداقية تصريحات جنينة. وقالت اللجنة في تقريرها إن تلك التصريحات "مضللة وتضخم حجم وقيمة ما سمي بالفساد".
وقبل أيام من الذكرى الخامسة لثورة يناير 2011، قال جنينة إن "الجهاز المركزي للمحاسبات سيرد على تقرير اللجنة بالمستندات التي بحوزته عقب احتفالات ثورة يناير وعيد الشرطة".
كما هاجم عدد من النواب البرلمانيين –بعد أيام قليلة من انعقاد المجلس- جنينة وطالبوا باستدعائه ومواجهته بتصريحاته التي اعتبروها "مسيئة لسمعة مصر"، والمطالبة بعزله ومحاكمته حال ثبوت عدم صحتها.
وحظر النائب العام نبيل صادق النشر في التحقيقات التي تجريها النيابة بشأن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن حجم الفساد في مصر.
وقبل ساعات قليلة من قرار إعفاء جنينة من منصبه أصدرت نيابة أمن الدولة العليا بيانا قالت فيه إن "تصريحات المستشار هشام جنينة بشأن الـ600 مليار جنيه تكلفة الفساد في مصر غير منضبطة وأن الجهاز المركزي للمحاسبات غير معني بتحديد الفساد".
وذكرت النيابة أنها استمعت إلى أقوال رئيسة قسم الحوكمة بوزارة الدولة للتنمية الإدارية والمشرفة والمنسقة لخمس جهات شاركت في إعداد التقرير الفني، في شأن دراسة الجهاز المركزي.
وأضافت أن رئيسة قسم الحوكمة أكدت أن الفترة الزمنية لهذه الدراسة تم تحديدها ما بين عام 2008 وحتى عام 2012، موضحة أن تصريح رئيس الجهاز بشأن تكلفة الفساد في مصر خلال عام 2015، يتسم "بعدم الدقة"، وهو الأمر الذي قرره أيضا أعضاء اللجنة المشكلة من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات.
وتعد واقعة إعفاء المستشار هشام جنينة من منصبه هي الأولى من نوعها منذ تأسيس الجهاز المركزي للمحاسبات في عام 1964.