أحدث الأخبار
محطات عديدة مرت بها علاقة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالإعلاميين منذ توليه زمام السلطة في مصر، لم يفارقها التوتر بين الحين والآخر حتى بلغت ذروة مرحلة الصدام عقب اقتحام الشرطة لنقابة الصحفيين مساء الأحد الماضي في سابقة هي الأولى من نوعها.
ودعت نقابة الصحفيين إلى اجتماع جمعية عمومية، اليوم الأربعاء، للرد على ما سمته بـ"انتهاكات الشرطة ضد الصحفيين وانتهاك حرمة النقابة".
واحتشد آلاف الصحفيين، اليوم، أمام مقر النقابة بوسط القاهرة للمطالبة بإقالة وزير الداخلية وسط إجراءات أمنية مشددة وتظاهرات مضادة تدعم السيسي والداخلية.
بدايات ودية
بنبرة حانية يسودها الود إلتقى عبد الفتاح السيسي بالإعلاميين وقت أن كان لا يزال مرشحا لرئاسة الجمهورية، في مايو 2014، طالبا منهم تشكيل الوعي العام للمصريين وإعادة الاصطفاف الوطني.
وقال السيسي للإعلاميين، قبل شهر من فوزه بالرئاسة بفارق كبير في الأصوات عن منافسه الوحيد حمدين صباحي، إن "دور الإعلام هايكون حاكم جدا خلال المرحلة القادمة لأن فيه استقطاب وتشرذم ووعي الناس محتاج شغل كتير".
كما شهد عام 2014، الذي تولى فيه السيسي زمام الحكم في مصر، ثلاثة لقاءات مع الإعلاميين ومقدمي البرامج التلفزيونية، حيث عقد لقاءين أحدهما في أغسطس، والآخر في ديسمبر واستمر لمدة 6 ساعات.
وساد لقاءات السيسي بالإعلاميين خلال هذا العام الود والاتفاق على التكاتف لوأد الصراعات وانهاء حالة الاستقطاب، كما تعهد الرئيس خلالها بإصدر مشروع قانون لتجريم إهانة الثورة، وتشكيل لجنة لمراجعة جداول المعتقلين.
مرحلة التوتر
بدأت إرهاصات التوتر في العلاقة بين السيسي والإعلاميين في الظهور منذ انعقاد المؤتمر الاقتصادي في مارس 2015 بشرم الشيخ، رغم أن معظم الصحف نسخت مانشتاتها وقتئذ بعبارة السيسي الشهيرة خلال المؤتمر "مصر تستيقظ".
لكن بوادر الصدام ظهرت عندما وجه بعض الصحفيين وكتاب الأعمدة انتقادات بشأن المشروعات القومية الكبرى التي أعلنها السيسي في المؤتمر الاقتصادي، وخاصة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بعد انسحاب المستثمر الإماراتي.
وشهد عام 2015 تراجعا في عدد لقاءات السيسي بالإعلاميين وحدهم، حيث إلتقى بهم الرئيس ضمن ممثلي القوى السياسية خلال لقاءات الأسرة المصرية والندوات التثقيفية للقوات المسلحة.
كما عقد السيسي اجتماعات مع عدد من الإعلاميين في الخارج على هامش زيارته للولايات المتحدة في سبتمبر 2014، والإمارات في فبراير 2015، وألمانيا في أبريل 2015، وإلتقى مع ممثلي الوكالات والمؤسسات الإعلامية الأجنبية في أكتوبر 2015.
وشكلت العبارة الشهيرة "هاشتكي للشعب المصري منكم" البداية الفعلية لتوتر العلاقة بين الرئيس والإعلاميين، في نوفمبر 2015، عندما قال خلال ندوة تثقيفية للقوات المسلحة "أحد الإعلاميين انتقدني أثناء تغطية غرق مدينة الإسكندرية بمياه الأمطار، وقال إن الرئيس قاعد مع شركة سيمنز وسايب الإسكندرية تغرق، ما يصحش كده.. انتوا بتعذبوني اني جيت وقفت هنا..انا هاشتكي للشعب المصري منكم".
وأوضح السيسي على هامش افتتاح أحد مصانع السماد بالفيوم، في ديسمبر 2015 أنه يتأذى من حالة الاشتباك التى يراها أحيانا على الشاشات، قائلا "أتابع كل شىء جيدا.. ولا يعتبر صمتي رضا ولكني أريد أن تكتمل التجربة".
كما اعتبر السيسي أن التناول الإعلامي لقضية مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني هو سبب الأزمة، حيث قال خلال لقائه بممثلي فئات المجتمع، في أبريل 2016، إن "طريقة التناول الإعلامي ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لقضية مقتل ريجيني هي من صنعت الأزمة في هذه القضية".
وكان ريجيني اختفي يوم 25 يناير، وتم العثور على جثته عليها آثار تعذيب يوم 3 فبراير على جانب طريق مصر- اسكندرية الصحراوي. ورفضت الحكومة المصرية مرارا مزاعم بأن الأجهزة الأمنية ربما تكون متورطة في مقتله.
ذروة الصدام
بالتوازي مع تصاعد أزمة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي تقضي بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، تصاعدت الانتقادات حيال القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير، لا سيما بعد اتهام عدد من الصحفيين بالتحريض على التظاهر وتكدير السلم العام.
لكن لحظة احتدام الأزمة بدت عقب اقتحام قوة شرطية لمقر نقابة الصحفيين بوسط القاهرة للقبض على اثنين من الصحفيين اعتصموا داخل النقابة احتجاجا على توجيه اتهامات لهما بالتحريض على التظاهر من خلال مقالات لهما نشرت بعدد من المواقع الإليكترونية.
ورغم أن قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 ينص على أنه "لا يجوز تفتيش مقار نقابة الصحفيين ونقاباتها الفرعية أو وضع أختام عليها إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة وبحضور نقيب الصحفيين أو النقابة الفرعية أو من يمثلهما"، لكن النيابة العامة أكدت أن ما اتخذ من إجراءات فى شأن ضبط وإحضار الصحفيين من داخل نقابتهم يتفق مع صحيح القانون.
وفي تصعيد أثار غضب الجماعة الصحفية قررت النيابة العامة حظر النشر فى القضية المتهم فيها الصحفيان عمرو بدر، ومحمود السقا.
تطويع الإعلام
وقال الخبير الإعلامي والمستشار في مجال الاتصال والإعلام، ياسر عبد العزيز، إن دراسة التعامل الرئاسي مع المجال الإعلامي خلال العامين الماضيين أظهرت اتجاه السيسي لاستخدام الإعلام كإحدى أدوات إنفاذ الإرادة السياسية.
وأوضح عبد العزيز، في مقابلة مع "أصوات مصرية"، أن السيسي بدأ علاقته بالإعلام بالود والتعاون، لكنه اصطدم بالمجال الإعلامي عندما أراد أن يطوعه لتحقيق رؤيته السياسية رغم أن الإعلام من المفترض أن يقوم على التعدد والتنوع.
ودلل عبد العزيز على رأيه بقول السيسي خلال تدشين محور تنمية قناة السويس، في أغسطس 2014، إن "الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان محظوظ، لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه".
ولا تزال الأزمة بين السيسي والإعلاميين قابلة للتصاعد، خاصة بعد أن طالب اجتماع الجمعية العمومية "للصحفيين" بتقديم رئاسة الجمهورية اعتذارا عن اقتحام الشرطة للنقابة، قال إنه بهدف "حفظ كرامة الصحفيين ومهنتهم ونقابتهم".