أحدث الأخبار
صخب وزغاريد وأجراس وترانيم، تستقبلك بمجرد أن تصل إلى قرية دميانة بمحافظة الدقهلية، حيث تجري الاحتفالات بعيد القديسة التي تحمل القرية اسمها، وسط مشاركة آلاف من المسلمين والأقباط.
ويحتفل الزوار بذكرى تدشين كنيستها يوم 12 بشنس (شهر قبطي ويبدأ من 9 مايو إلى 7 يونيو) في القرن الرابع الميلادي، وبدأ الاحتفال هذا العام يوم 12 مايو ويستمر حتى نهاية الشهر.
وقضت القديسة دميانة حياتها في الصلاة والتعبد، وتعذبت وقتلت في أوائل القرن الرابع مع 40 عذراء، على يد جنود الإمبراطور الروماني دقلديانوس لرفضهن ترك المسيحية وعبادة الأصنام.
* أجواء الاحتفال
ينصب الزوار الخيام في الأراضي المجاورة للدير للإقامة فيها طيلة أيام الاحتفال، تبركاً بتلك البقعة والتي يُعتقد بأن العذراء مريم زارتها خلال رحلتها إلى مصر ومعها وليدها المسيح عيسى.
وسمحت مديرية أمن الدقهلية بإقامة الخيام للزوار في منطقة البراري هذا العام، بعد منعها خمس سنوات منذ ثورة يناير عام 2011، وسط إجراءات أمنية مشددة.
كما يقام في هذه البقعة -والتي تبلغ مساحتها ما يزيد عن 30 فدانا- سوق كبير يباع فيه الحمص والسمسمية وعرائس السكر والملابس والأيقونات المسيحية، وكذلك بعض المأكولات الريفية كالجبن القديم والسمن والفطير الفلاحي.
وشهد الاحتفال أيضا زفة الصليب المقدس، والتي ترأسها الأنبا بيشوي مطران دمياط وكفر الشيخ ودير القديسة دميانة وسكرتير المجمع المقدس.
وحمل المشاركون في الزفة الصلبان، وطاف الموكب بجميع خيام الزوار والمحال التجارية في السوق لمباركتها.
* من الرهبنة إلى الاضطهاد
يرتاد الدير ما يزيد عن نصف مليون زائر سنويا لزيارة ضريح القديسة دميانة والتبرك والصلاة وإيفاء النذور والصدقات، بحسب وكيل الدير.
وقال القمص ديسقورس وكيل دير القديسة دميانة، لأصوات مصرية، إن القديسة دميانة من أعظم الشخصيات في المسيحية، حيث تعرضت للاضطهاد والتعذيب واستشهدت من أجل الدفاع عن عقيدتها وإيمانها المسيحي.
وأضاف أن "المكان به بركات عظيمة، وأثناء زيارة العائلة المقدسة لمصر مرت بمنطقة البرلس آتية من سمنود حتى منطقة البراري هنا، وهي التي سفكت فيها دماء القديسة دميانة والأربعين عذراء".
وأشار إلى أن والد دميانة "مرقص" كان والي منطقة البرلس، وبنى فيها قصرا لابنته لتتعبد فيه، بعد أن نذرت حياتها للرهبنة وهي بعمر الثامنة عشرة، وانضمت لها 40 عذراء عشن حياة نُسكية امتزج فيها الصوم بالصلاة مع التسبيح.
ودُفنت أجسادهن جميعا في المكان الذي تعبدن فيه، بعد أن قام الإمبرطور الروماني دقلديانونس بذبحهن جميعا، إبان عصر الاضطهاد في القرن الرابع الميلادي.
وحين جاءت الملكة هيلانة والدة الملك قسطنطين، بنت مقبرة خاصة بهن وكنيسة، وهي الكنيسة الأثرية الموجودة في الدير حتى الآن.
ويضم الدير كنيسة تم بنائها حديثا وبيتا لخلوة الراهبات تقيم فيه أكثر من 90 راهبة، كما يضم دار ضيافة، ومبنى لإدارة الدير ومكاتب القساوسة، ومبنى آخر لبيع مشغولات الدير، ومنتجات الراهبات.
ويقع ضريح القديسة دميانة داخل الكنيسة القديمة، والتي يصر المئات من الزوار على المبيت فيها خلال فترة الليل بجوار الضريح، ويقوم عشرات الأفراد بكتابة رسائل وطلبات للقديسة دميانة، معها بعض الأموال كصدقات ونذور، ويعتقدون أن القديسة دميانة تساعدهم في قضاء تلك الحوائج والطلبات.
*مسلمون ومسيحيون يتشاركون الاحتفال
ولا يتمكن الزائر من التفرقة بين المسلمين والأقباط حيث يتشارك الجميع الاحتفال، وكثير من باعة الأيقونات المسيحية بالسوق -الذي يقام فترة العيد- من المسلمين.
وصرح الدير بإقامة 100 مخيم في المنطقة يقطنها ما يزيد عن 400 شخص، يقومون بدفع أجر للدير مقابل الإقامة ويؤدون خلال فترة إقامتهم العديد من الطقوس الدينية مثل الصلاة والتراتيل والتبرك.
ومن بين قاطني تلك المخيمات، ربيع عبد الهادي محمد (45 سنة) وأسرته، وهم يعملون في بيع حلوى المولد، وقال لأصوات مصرية "أنا بآجي الدير من 15 سنة كل مولد، عشان أبيع الحلاوة، وليا زبائني من المسلمين والمسيحين وعمري ما حسيت أني مسلم وسط المسيحيين".
وقالت مديحة السيد (زوجة ربيع) إن "الأجواء بتكون جميلة جدا، والناس هنا طيبين".
ويقوم عدد من الأقباط بعمل حفلات تعميد لأطفالهم حديثي الولادة أمام الدير، وينتظرون لتعميدهم في موسم المولد، ويقوم أهل المولود بتوزيع الحلوى على الموجودين.
كما تحتفل عدد من الأسر المسلمة بختان أبنائها أمام الدير أيضا في أيام المولد.
* ارتفاع الأسعار يعكر صفو الاحتفال
يعكر صفو الاحتفال ارتفاع الأسعار هذا العام، حيث ارتفع سعر الحمص إلى 35 جنيه للكيلو بدلا من 28 جنية العام الماضي.
كما أثر ارتفاع سعر الدقيق على أسعار المخبوزات التي تميز عيد القديسة دميانة، حيث يأتي العديد من الزوار من مختلف المحافظات مثل المنصورة والقاهرة والإسكندرية، لتناول الفطائر والعسل والطحينة في الأراضي الخضراء، المجاورة للدير.
ووصل سعر الفطيرة 60 جنيه بدلا من 40 جنيه الماضي، مما أثر على حركة البيع والشراء.
وقال وفائي جرجس عطية، أحد زوار المولد والقادم من محافظة القاهرة، "كل سنة كنا بنشتري الفطير لما نيجي أنا وأسرتي، ووجبة الفطير السنة دي ممكن تكلفنا 200 جنيه، وأولى أشتري بيهم 2 كيلو لحمة أفيد".
وقال حسن عبد السلام، بائع حمص، إن "ارتفاع الأسعار أثر على البيع وكنت بأبيع كل سنة أكتر من 3 طن حمص في المولد، والسنة دي بقول يا ريت نكمل طن"!
* قديسات مصر
قال القس "إبرام" أحد رعاة الدير، إن مولد القديسة دميانة من أهم المناسبات المسيحية، ويأتيه الزوار من كل مكان في مصر وبعض شعب الكنيسة الأرثوذوكسية خارج مصر.
وأضاف أنه يعد من أهم 3 موالد في مصر، وهو الثاني من حيث ضخامته بعد مولد مارجرجس، ويأتي في المرتبة الأخيرة مولد الملاك ميخائيل.
ويوجد أكثر من 14 قديسة مصرية لهن مكانة كبيرة ومحبين، أبرزهن دميانة ومارينا الراهبة وصوفيا وفيرينا وألكسندرا وأفروسينا.
* ارتباط المصريين بالموالد
قالت د.عائشة شكر، باحثة فلكلورية، إن من سمات الشخصية المصرية الارتباط بالموالد وإحيائها، حتى وإن كان صاحب المولد يختلف عنهم في الديانة.
وبررت ذلك قائلة إن "الاعتقاد في كرامات الأولياء والقديسين هو السبب اللي بيخلي فيه إقبال على الموالد عشان يتباركوا بأصحابها ويتقربوا من الله بالدعاء".
وأشارت إلى أن تمسك القديسة دميانة بإيمانها رغم تعرضها للتعذيب هو سبب محبة الناس لها، قائلة "القديسة دميانة وغيرها من القديسين بيمثلوا نماذج لشخصيات إيجابية ارتضاها المجتمع كنموذج يحتذى به".
كما أشارت إلى أن مولد القديسة دميانة من أشهر الموالد التي يشارك فيها المسلمون، إضافة إلى مولد السيدة العذراء ومارجرجس، قائلة إن هذه المشاركة تعكس "التسامح الديني بين فئات الشعب المختلفة، ولكن للأسف افتقدنا جزء كبير منه في الوقت الحالي".