أحدث الأخبار
تبدو الجولة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الأيام الماضية في أربع دول إفريقية -أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا- وكأنها مبادرة طبيعية لتعزيز العلاقات الاقتصادية، لكن لم ينظر لها على هذا النحو في مصر. ورافق نتنياهو 80 رجل أعمال إسرائيليا يسعون للاستثمار في أفريقيا، ولكن لا يمكن إغفال البعد الاستراتيجي للجولة من قبل مصر التي ينظر إليها على أنها الأكثر تأثرا من مثل هذه الخطوة.
وقال تلفزيون العربية في تحليل نشر بموقعه باللغة الإنجليزية على الانترنت إن مخاوف مصر أثارتها عدة عوامل على رأسها أن الدول الأربعة التي زارها نتنياهو هي جزء من حوض النيل، والتوقع بأن يؤثر بناء إثيوبيا لسد النهضة بشكل خطير على حصة مصر من مياه مهر النيل.
ونقل التحليل عن الصحفي إبراهيم الشحات قوله إن جولة نتنياهو "ليست عادية بأي حال من الأحوال"، وربطها بعملية عنتيبي عام 1976، التي قتل فيها يوناتان نتنياهو شقيق رئيس الوزراء الاسرائيلي. وأضاف الشحات "نتنياهو اختار بدء زيارته في عنتيبي بالتزامن مع الذكرى الأربعين للعملية".
ووقعت عملية عنتيبي يوم 4 يوليو 1976 بمطار عنتيبي الأوغندي الذي حملت اسمه، حيث أرسلت إسرائيل قوات كوماندوز إلى المطار لتحرير رهائن طائرة اختطفها فلسطينيون كانت متجهة من تل أبيب إلى باريس وأجبرت على التوجه إلى عنتيبي حيث أفرج الخاطفون عن جميع الرهائن باستثناء الإسرائيليين. وانتهت العملية بمقتل المختطفين و3 رهائن إلى جانب جنود أوغنديين وشقيق رئيس الوزراء الإسرائيلي يوناتان الذي كان قائد الوحدة الإسرائيلية التي قامت بالعملية.
وبحسب الشحات، فقد حددت هذه الحادثة شكل العلاقة بين إسرائيل وإفريقيا على مدى عقود، و"نتنياهو ذهب إلى هناك لتغيير هذه الصورة". ويقول الشحات إنه في ذلك الوقت، كانت معظم البلدان الأفريقية تنظر لإسرائيل كدولة عنصرية، كما كانت تناصر القضية الفلسطينية. "مصر، وهي القوة الرائدة في القارة في ذلك الوقت (تحت قيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر)، لعبت دورا مهما في تأكيد هذه الصورة".
العلاقات المصرية مع أفريقيا
كان جمال عبد الناصر يدرك الأهمية الحيوية لحوض النيل، وهو ما دعاه إلى تعزيز العلاقات مع دول الحوض. كما أيد أيضا حركات الاستقلال الأفريقية، "الأمر الذي أدى بدوره إلى تعزيز وضع مصر في القارة".
يقول الشحات إن الإهمال التدريجي لعلاقات مصر مع أفريقيا، بدأ مع الرئيس أنور السادات ووصل ذروته مع خليفته محمد حسني مبارك، الأمر الذي مهد الطريق لإسرائيل للسعي للحصول على قبول في نفس البلدان التي رفضت وجودها. وتابع "إسرائيل تسعى للحصول على مكان في أفريقيا كما لم يحدث من قبل. اختيار نتنياهو لأربع دول من حوض النيل لزيارتها، من بينها إثيوبيا، ينذر بزيادة نفوذ إسرائيل في المستقبل على حساب مصر".
يقول الكاتب والناشط عبد العال بهنسي إن زيارة نتنياهو تسجل خطوة حاسمة في "حرب المياه"، التي توشك مصر على خوضها، وألقى باللوم على القاهرة لإعطاء إسرائيل الفرصة للتدخل. وكتب بهنسي "نتنياهو قام بما لم يستطع أي زعيم مصري القيام به لعقود. وحصل على أحر ترحيب في أفريقيا، واكتسب أرضاً لم تستطع مصر الحصول عليها".
وكتب بهنسي أن نتنياهو استفاد من تقصير مصر في بذل جهود حقيقية لتأمين احتياجاتها من مياه النيل. "المنازعات حول المياه بين مصر ودول حوض النيل ليست سوى مظهر من مظاهر العداء التي لا تنتهي بين مصر وإسرائيل". مبادرة إسرائيل للمشاركة في تنمية أفريقيا تستهدف أولا وقبل كل شيء أمن مصر واستقرارها".
ويقول عطية عيسوي، الخبير في الشؤون الأفريقية، إن "إثيوبيا، والتي تحصل مصر منها على 85 % من حصتها في المياه، قد تصبح أكثر تشددا في موقفها من حصة مصر عقب تعزيز علاقاتها مع إسرائيل. كما أن الاتفاقيات الزراعية بين إسرائيل والبلدان التي زارها نتنياهو قد تؤدي إلى مشاريع من المحتمل أن تؤثر على حصة مصر من مياه النيل".
تقطيع الأوصال
ويقول عيسوي إن جولة نتنياهو الإفريقية يمكن أن تكون جزءا من "سياسة تقطيع الأوصال" التي تستخدمها إسرائيل لإضعاف أي بلد بشكل غير مباشر إذا اعتبرتها إسرائيل تهدد مصالحها. ويضيف أن هذه السياسة "تتوازى مع اتجاه سائد في أفريقيا لتشكيل تحالفات مع دول يمكن أن تسهم في التنمية وتقديم المساعدات".
"بدأت الدول الأفريقية تبحث عن بدائل بعد انفصال مصر تدريجيا عن القارة الإفريقية بعد موت عبد الناصر ومن تحالف معهم من الزعماء الأفارقة. هذا هو ما لعبت عليه إسرائيل، فهي لا تقدم مساعدات مالية فقط، ولكن تقدم أيضا الخبرة التقنية، والتدريب العسكري والمساعدة في مجال المخابرات".
وعند سؤاله عما إذا كان هدف إسرائيل النهائي هو الضغط على مصر ليكون لها حصة من مياه النيل، قال عيسوي إنه "وفقا للقوانين الدولية، فمياه أي نهر لا يمكن أن تذهب إلى دول خارج حوضه ما لم توافق جميع دول الحوض. ومصر لن توافق أبدا على شيء مثل هذا. والسودان أيضاً لن توافق".
ويقول طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية ومدير وحدة الدراسات الإسرائيلية في المركز الإقليمي للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن إسرائيل وإن كانت ترغب في توصيل رسالة إلى العالم العربي بشكل عام، فهي تسعي إلى توصيل رسالة إلى مصر على وجه الخصوص.
"هذه الزيارة لا تؤشر لبداية علاقات بين إسرائيل ودول حوض النيل، وإنما بداية لجعل هذه العلاقات علنية. إن إسرائيل تعد لهذه الزيارة سرا منذ سنوات"، كما يقول فهمي. ويضيف أن الإستراتيجية التي اعتمدتها إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة مع مصر خطط لها خبراء إسرائيليون.
"البروفسور الإسرائيلي أرنون صوفير قاد فريقا من الأكاديميين والخبراء الاستراتيجيين الذين وضعوا هذه الإستراتيجية".
التقليل من أهمية الزيارة
وقلل الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من تكهنات بشأن التأثير السلبي لجولة نتنياهو الإفريقية. وقال "غرض إسرائيل الرئيسي من هذه الزيارة هو التغلب على عزلتها نتيجة لممارساتها التمييزية ضد الفلسطينيين. إسرائيل تريد تسويق نفسها كدولة طبيعية قادرة على المشاركة في تنمية بلدان أخرى".
واعتبر أبو الغيط أنه من المستبعد أن تعطي الدول الأفريقية أولوية لعلاقاتها مع إسرائيل، وقال "عانت هذه الدول على أيدي الاستعمار وكافحت للحصول على استقلالها، لذلك فمن غير المحتمل أن تأخذ صف إسرائيل".