أحدث الأخبار
"خطبة الجمعة المكتوبة"، ربما كان الهدف منها هو توحيد الفكر للقضاء على التطرف.. لكنها منذ ظهورها أشعلت صراعا لم يكن في الحسبان، بين اكبر مؤسستين دينيتين، وهما مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف، الأمر الذي قد يؤثر علي قدرتهما في تنفيذ ما دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السياسي العام الماضي بشأن تجديد الخطاب الديني، لمواجهة الفكر المتطرف والهدام.
ودعا السيسي مرارا المؤسسات الدينية الإسلامية في مصر لتجديد الخطاب الديني لمواجهة التطرف والطائفية. وشدد على أهمية مواصلة الأزهر لدوره في تصويب الخطاب الديني وتنقيته من أي أفكار مغلوطة، بما يساهم في الجهود المبذولة لمكافحة التطرف والإرهاب.
كلمات السيسي كانت هي المفتاح الذي دافعت به كل جهة عن وجهة نظرها بشأن "الخطبة المكتوبة" التي ما زال الغموض يلف مصيرها وكيفية تطبيقها.
وقررت هيئة كبار العلماء، التي تعد أكبر مرجعية بالأزهر، بإجماع الأراء رفض قرار تطبيق "الخطبة المكتوبة"، معتبرة أنها تمثل "تجميدا للخطاب الديني" وطالبت بتدريب جاد للخطباء وتثقيفهم ليستطيعوا مواجهة الأفكار المتطرفة والشاذَّة بالعلم والفكر الصحيح.
وأعلنت وزارة الأوقاف في وقت سابق هذا الشهر تشكيل لجنة علمية لإعداد وصياغة خطب الجمعة "بما يتوافق مع روح العصر من قضايا إيمانية وأخلاقية وإنسانية وحياتية وواقعية وتعميمها مكتوبة"، مبررة ذلك بأن بعض الخطباء لا يملكون أنفسهم على المنبر، إما بالإطالة أو الخروج عن الموضوع أو الدخول في أمور سياسية وحزبية.
وبحسب هيئة كبار العلماء، فإن قرار الرفض جاء تنفيذا لدور الأزهر الذي حدده الدستور باعتباره المؤسسة المسؤولة عن الدعوة الإسلامية.
وتنص المادة 7 من الدستور على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على جميع شؤونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم . وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء".
قرار هيئة كبار العلماء ملزم للأوقاف
ويقول أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، لأصوات مصرية، " كنت من الحاضرين في اجتماع هيئة كبار العلماء أمس والتي قررت بالإجماع رفض الخطبة المكتوبة، وهذا قرار ملزم لوزارة الأوقاف وعليها تنفيذه فورا، حفاظا علي المصالح العليا للوطن".
ويضيف هاشم "الدستور المصري حدد مهام مؤسسة الأزهر الشريف والتي تختص وحدها دون غيرها بشؤون الدعوة، ومن ثم جاء القرار لتصحيح المسار، وعدم إعطاء فرصة لأصحاب الفكر المتطرف للسيطرة على المشهد".
ووصف قرار الخطبة المكتوبة الصادر عن الوزير بأنه "سقطة كبرى منه، وعليه التراجع فورا، من أجل توحيد الجهود من أجل مواجهة الفكر المتطرف، من خلال تجديد الخطاب الديني، الذي دعا إليه الرئيس".
واتفق مع هاشم، عضو المكتب الفني لشيخ الأزهر محمد مهنا، الذي وصف قرار وزير الأوقاف بتعميم الخطبة المكتوبة "بغير المنطقي"، وقال إن الخطبة المكتوبة "تقتل الإبداع وتضعف من موقف الأئمة أمام المصلين ، وتجعل فرصة نجاحهم في مواجهة أصحاب الفكر المتطرف مستحيلة".
وأكد وكيل الأزهر الشريف عباس شومان أن "قرار هيئة كبار العلماء أنهى حالة الجدل التي أعقبت قرار تعميم الخطبة المكتوبة غير المدروس".
وشدد شومان على أن "الأزهر لا يدخل في خصومة أو خلافات مع أي مؤسسة، ويمارس مهامه التي حددها الدستور المصري، الذي حمله مسؤولية شؤون الدعوة دون غيره".
وقال "علي وزير الأوقاف تنفيذ قرار هيئة كبار العلماء الرافض للخطبة المكتوبة".
وأشار إلي أن هناك دورات تدريبية وتثقيفية متواصلة لوعاظ الأزهر، تحت رعاية شيخ الأزهر أحمد الطيب، من أجل الارتقاء بأداء الواعظ وفكره، لمواجهة الفكر المتطرف، والقوافل الدعوية متواصلة في كافة أنحاء الجمهورية ، للقضاء علي الفكر الهدام بالحجة والمنطق.
وزارة الأوقاف تتمسك بموقفها
وغداة قرار هيئة كبار العلماء، قال رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، جابر طايع، في بيان نشر على موقع الوزارة، إن الأوقاف "ماضية في تعميم الخطبة الاسترشادية المكتوبة"، مشيرا إلى أنه من المقرر عقد مزيد من الاجتماعات مع القيادات والأئمة "لشرح آليات تطبيقها عبر الحوار والإقناع دون إكراه".
وأضاف أن الوزارة تؤكد "بضرورة الالتزام إما بنص الموضوع (نص الخطبة) أو بجوهره كعمل تنظيمي للقضاء على الفوضى في الخطاب الديني، لحين الانتقال من الخطبة الاسترشادية إلى الخطبة المعدة من اللجنة العلمية المشكلة".
ونشرت الورزاة على موقعها نص خطبة يوم الجمعة المقبل، التي جاءت بعنوان "النظافة سلوك إنساني متحضر".
ورغم تجاهل بيان اليوم لقرار هيئة كبار العلماء، إلا أن طايع قال، لأصوات مصرية، إن الوزارة " لا تتحدى أحدا. ونحترم كل مؤسسات الدولة وهدفنا الصالح العام، ورأي هيئة كبار العلماء غير ملزم لنا بشأن الخطبة المكتوبة ونحترم الأزهر".
وكان وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، قال، في تصريحات للتلفزيون المصري أمس ونشرها علي موقع الوزارة على الإنترنت، إن "القرار (هيئة العلماء) غير ملزم، ولن يتم إلغاء الخطبة المكتوبة، التي تأتي في إطار إستراتيجية تجديد الخطاب الديني، الذي دعا إليه الرئيس السيسي، لمواجهة الفكر الهدام والمتطرف".
وأكد الوزير في تصريحاته إن "الخطبة المكتوبة لن يتم تطبيقها بالقوة والإجبار ولكن سيظل هناك حوار مفتوح بشأنها، لإقناع الأئمة والدعاة بأهميتها، لمواجهة التطرف والإرهاب، حفاظا علي المصلحة العليا للوطن".
وأشار إلي أنه بدأ بنفسه في إلقاء الخطبة المكتوبة، والتي ألقاها يوم 15 يوليو، مضيفا أنه "لم يلزم باقي الأئمة، وهناك حوارات مفتوحه لإقناع الأئمة بالحوار والمنطق".
ضربة في مقتل
وقال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد بان، لأصوات مصرية، إن وزير الأوقاف يتحمل مسؤولية "إشعال الفتنة وغضب مؤسسة الأزهر، بسبب قراراته الكارثية غير المدروسة، والتي تفتح الطريق أمام أصحاب الفكر المتطرف والهدم وتكبل الأئمة بالقيود والسلاسل في مواجهتها".
وأوضح أن قرار الخطبة الموحدة " أصاب الخطاب الديني بالجمود وقضى علي الإبداع بحجج واهية، ثم جاء قراره الذي أشعل الخلاف مع الأزهر بتعميم الخطبة المكتوبة، الأمر الذي يعيق جهود مواجهة الفكر المتطرف، الذي يتطلب تضافر المؤسستين".
وأشار بان إلي أن قرار تطبيق الخطبة المكتوبة "ضرب تجديد الخطاب الديني ، الذي دعا إليه الرئيس في مقتل وأضعف من فرص نجاحه في مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب والتشدد".
ودعا وزير الأوقاف إلى الاستجابة "لقرار هيئة كبار العلماء بالأزهر، من أجل توحيد الجهود ونبذ الخلافات ، للقضاء علي التطرف والتشدد ، ونشر الوسطية والاعتدال".
دور البرلمان في الأزمة
وقال عمر حمروش عضو اللجنة الدينية بالبرلمان، لأصوات مصرية، إن اللجنة الدينية ستناقش قرار هيئة كبار العلماء برفض الخطبة المكتوبة، خلال الأيام المقبلة.
وأضاف أنه من المتوقع دعوة أطراف من الأزهر والأوقاف "لتقريب وجهات النظر بين الجانبين لوأد الفتنة، وضمان تضافر جهود القضاء علي الفكر الهدام".
وقال إن البرلمان "يهمه توحيد صفوف المؤسسة الدينية بقيادة الأزهر والأوقاف، من أجل لم الشمل ونبذ أي خلافات، لمواجهة التطرف والعنف".
وانتقد حمروش عدم دعوة هيئة كبار العلماء لوزير الأوقاف للاستماع له قبل قرارها أمس برفض الخطبة المكتوبة، "حيث كان بإمكانها القضاء علي ظهور أي خلافات".