أحدث الأخبار
عاد الجدل إلى الساحة الدينية مجددا عقب تصريحات الدكتور محيي الدين عفيفي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، مساء الأربعاء، بشأن عدم إصدار الأزهر الشريف حكما بتكفير تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" قائلا إنه "لا تكفير لمؤمن مهما بلغت ذنوبه".
وثار الجدل في هذا الشأن أول مرة بعد بيان للأزهر، يوم 11 ديسمبر 2014، رفض فيه تكفير تنظيم داعش.
وتعمق الخلاف بين الأزهر وبعض المفكرين، بعدما أكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في يناير 2015 رفضه تكفير داعش، في تصريحات خلال لقائه برؤساء تحرير صحف مصريّة، ما أثار انتقادات أطراف دينيّة وسياسية وإعلامية وقتئذ.
وبين الشد والجذب طيلة أعوم ثلاثة، ومع تكرار تصريحات شيخ الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، ظهر على الساحة من انتقد الازهر صراحة متهمين إياه بأنه مخترق من السلفية الوهابية، وأنه يسير على نفس الرؤى الفقهية القديمة، في الوقت الذي يعلن فيه توليه زمام تجديد الخطاب الديني.
وتُعد نقطة الخلاف الدائر بين الأزهر ومن يطالبونه بتكفير تنظيم داعش، هو أنه يعتبر داعش خوارج، يُنفذ فيهم حد الحرابة من مقاتلة وغيرها، مع الإبقاء على كونه مسلماً طالما نطق الشهادتين، فيما يرى المنتقدون أنه بمقاتلة هذا الكيان للمسلمين وسلب أموالهم وهتك أعراضهم خرج عن كونه مسلماً إلى منطقة الكفر.
ويقف فريق ثالث في منطقة وسط بين الاثنين، فيرى أن بيان الأزهر "ناقص" وكان عليه نفي إسلام كيان "داعش" كما نفى كفره، وأن المؤسسة لا يجب أن تكفر أحدا حتى لا تكون سنة سيئة تنتشر بين الناس.
تكفير واختراق
ويقول الباحث الاسلامي، أحمد بان، إن الله تعالى يقول "من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا"، ويقول النبي محمد "ص" إن "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".
ويضيف بان، في مقابلة مع أصوات مصرية، أن داعش تجاوز القتال إلى التقتيل وبطرق لم يسبق لها مثيل، والأحاديث كثيرة في حرمة الدم ومنها "ولدم امريء مسلم أشد حرمة عند الله من هدم الكعبة"، لكن الأزهر يتغاضى عن ذلك ويقول بتنفيذ حد الحرابة عليهم، لتمسكه بفقه قديم ورؤى تقليدية.
ويوضح بان أن "الأزمة داخل المؤسسات الدينية التقليدية أنهم خاضعون للفكر التقليدي وتعاطي الصحابة والتابعين مع قضية الخوارج، وفكرهم فقهيا وعقائديا كان ينطلق من مقولة علي رضي الله عنه حينما سأله أحدهم عن الخوارج بقوله :أكفار هم؟ فرد علي: بل من الكفر فروا، فرفض تكفير الخوارج، ونسوا أن عليا كان يجتهد من فقه الواقع.
ويضيف أن "الأصل في الاجتهاد إعمال العقل في النص على ضوء الواقع والتطورات الجارية، وإذا اتبع الأزهر هذا المنهج فسيحكم بتكفير داعش لأنهم أضروا الإسلام ضررا لم يقترفه أبو جهل نفسه".
ويتهم بان الأزهر بأنه مخترق من جماعات وهابية، حتى أن بعض مناهج الأزهر تنتج بنية إرهابية أو متطرفة، قائلا "هناك وهابيون داخل الأزهر يتبنون مقولات داعش والقاعدة وإلا لحرروا رأي الأزهر في داعش تجنب الوقوع فيما يفعله هذا التنظيم".
دفوع فقهية
ليس من حق أي مخلوق تكفير إنسان، فالإيمان والكفر يحكم بهما الله عز وجل، انطلاقاً من هذا المبدأ رفض الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ومن معه في المؤسسة الأزهرية تكفير "داعش" مرارا وعلى مدى ثلاثة أعوام.
ويُعلق عباس شومان، وكيل الأزهر، في تصريح لأصوات مصرية، بأن "ارتكاب داعش لمزيد من الجرائم لن يغير من موقف الأزهر شيئا، لأنه رأي علمي محسوم". ورفض شومان الرد على من يتهمون الأزهر بأنه مخترق من مجموعات وهابية، قائلا "لا تعليق".
وأكد شيخ الأزهر الطيب في تصريحات سابقة لوسائل إعلام، أنه لا يمكن تكفير داعش، قائلاً إن المسألة "تتوقف عند الإيمان بالله تعالى، والإيمان هو أن تؤمن بالله ورسوله والقضاء والقدر، والأزهر لا يحكم بالكفر على شخص حتى إذا ارتكب كل فظائع الدنيا.
وأضاف الطيب أن "جماعة داعش تؤمن، لكنها ارتكبت كل الفظائع، فنحكم عليها بالفسق والفجور، ليس لدينا حكم بأن أقول عليهم كفارا. لكي تكفر شخصاً يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن."
وتساءل "ما حكم شخص يؤمن بتلك الأمور ويرتكب إحدى الكبائر، هل يصبح كافرا؟" وهناك مذاهب أخرى، تقول إن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو مؤمن عاص، فلو أنه مات وهو مصرٌّ على كبيرته لا تستطيع أن تحكم عليه أنه من أهل النار، فأمره مفوض لربه.
واستشهد شيخ الأزهر بالآية الكريمة "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"، مضيفاً أن الأزهر لا يحكم بالكفر على شخص، طالما يؤمن بالله وباليوم الآخر، حتى ولو ارتكب كل الفظائع.
وأضاف شيخ الأزهر أن "لا أستطيع أن أكفر داعش، ولكن أحكم عليهم أنهم من المفسدين في الأرض، فداعش تؤمن أن مرتكب الكبيرة كافر فيكون دمه حلالاً، فأنا إن كفرتهم أقع فيما ألومهم عليه الآن".
ليسوا كفارا ولا مسلمين
وعلق الكاتب والمفكر الإسلامي، ثروت الخرباوي، على بيان وقرارات المؤسسة الأزهرية بقوله "اعتبر بيان الأزهر (ناقصا)، وكان من المفترض أن يكمل الطيب جملته ويصرح بأن داعش كما انهم ليسوا كفاراً فكذلك ليسوا مسلمين، لأن ما هم عليه ليس هو الإسلام، ولا يقف الأزهر موقف المتفرج على هذه الأفكار والأفعال".
ويتفق الخرباوي مع القول بأن "المؤسسة الأزهرية مخترقة من السلفية الوهابية والإخوان، خاصة في فترة حكم مبارك"، مضيفا أنه قام بعمل حصر لأساتذة ومعيدين الأزهر فكان هناك قرابة 220 منهم في كل فروع الأزهر يدرسون للطلبة موادا شرعية وأفكاراً تنتمي إلى مدرسة فكرية دينية متطرفة.
وأكد الخرباوي أن الأزهر يحتاج تطهيرا عاجلا، قائلاً إن "شيخ الأزهر رجل مستنير لكنه ضعيف الشخصية، يحوم حوله مجموعة من كبار الكهنة وأصحاب الفكر الإخواني والسلفي ويسيطرون عليه سيطرة كاملة".
ودلل الخرباوي على ذلك بتصريحات الطيب خارج مصر والتي يتحدث فيها بشكل جيد عن الإسلام الصحيح، مشبها حديث الطيب بحديث الباحث إسلام البحيري.
وأدين الباحث المصري والمفكر الشاب إسلام البحيري بتهمة ازدراء الأديان وصدر حكم بحبسه العام الماضي.
خطورة التكفير
اتفق أستاذ علم الاجتماع السياسي، عمار على حسن، مع موقف الأزهر، قائلا "تورط الأزهر في التكفير سيمتد إلى ما بعد داعش.. والتصدى لهم لا يجب أن يكون بنفس أسلوبهم".
وأوضح حسن في مقال بعنوان "الأزهر وداعش..خطورة التكفير" إنه "لو قام الأزهر بتكفير داعش لكان قد وقع في خطأ شديد، بل خطيئة، إذ من العبث مواجهة العيب بعيب مثله، لأن مثل هذا التصرف ينطوي على مغالطة منطقية جسيمة، ويعني التسليم بما رآه الخصم، والامتثال لطريقته في التفكير والتعبير والتدبير، أي الانقياد له، والسير خلفه، والانزلاق إلى المنحدر معه نحو هاوية سحيقة لا رجوع عنها، ولا شفاء منها".
وأضاف حسن، في تصريح لأصوات مصرية، أنه يتفق مع القائلين باختراق المؤسسة الأزهرية من قبل العناصر الإخوانية، لكنه يرى أن ذلك ليس السبب الحقيقي لرفض التكفير.
وأشار إلى أن "الأزهر لا يزال يحتفظ بسمته وصورته كمؤسسة إسلامية وسطية"، معتبرا أن مثل هذا الاختراق أمر طارئ وعرض عابر تم تحت ظرف سياسي واجتماعي قاهر، ولا بد من معالجته، وإن طال الزمن.