أحدث الأخبار
يجلس إبراهيم على شاطيء برج البرلس ويشاهد مراكب الصيد المبحرة. وعلى شاطيء المدينة الواقعة في منتصف الطريق بين الإسكندرية ودمياط، تبدو الرمال من أنعم ما يمكن والبحر المتوسط أهدأ ما يكون.
يرتدي إبراهيم (54 عاما) جلبابا، وترتسم على وجهه تعبيرات حالمة وهو ينظر عبر المياه نحو الضفة الأخرى.
ومثل عقد من اللآليء تبحر مراكب الصيد في خط منتظم إلى عرض البحر. لكن هل تعمل بالصيد في وضح النهار؟ يجيب إبراهيم قائلا "لا.. المراكب تنقل اللاجئين."
ونقلت صحيفة دي فيلت الألمانية عن إبراهيم قوله إن من المعتاد أن يعيش الجميع في بلدة برج البرلس اعتمادا على مهنة الصيد. لكن مع تزايد أعداد من يريدون الوصول لأوروبا، حل نقل اللاجئين محل الصيد كوسيلة للعيش.
وباع إبراهيم أيضا مركبه لمهربي بشر وحصل على مبلغ جيد في مقابله.
وقالت الصحيفة إن مصر أصبحت المركز الجديد لمن يفرون من أفريقيا للوصول إلى أوروبا. وما بدأ كعمل متقطع، أصبح الآن عملية كبيرة تتوسع باطراد.
وأدى اتفاق اللاجئين بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وإغلاق طريق البلقان إلى دفع المزيد والمزيد من الناس إلى تجربة الطرق شديدة الخطورة من شمال أفريقيا إلى إيطاليا.
ودفعت وكالة فرونتكس لحراسة الحدود الأوروبية حركة اللاجئين باتجاه مصر بتشديدها القيود أمام سواحل ليبيا، وهي إستراتيجية عرفت باسم العملية صوفيا.
وقال فابريس ليجيري، رئيس وكالة فرونتكس، عن مصر "إنها المعقل الجديد. المسار يتسع." وأضاف "هذا العام وحده حدثت ألف عملية عبور من مصر إلى إيطاليا." ويزيد العدد باطراد.
ويؤكد إبراهيم ذلك قائلا إن الحركة زادت بصورة خاصة بعد تشديد الضوابط أمام الساحل الليبي في الأسابيع القليلة الماضية. وقال أيضا إن الشرطة تغض الطرف وتترك المهربين ومراكبهم. وأشار إبراهيم بيده هامسا "البقشيش".
وذكرت الصحيفة أنه بالنسبة لصيادين مثل إبراهيم، يمكن أن يعني بيع مركبه إلى مهربي البشر صفقة العمر حيث أصبحت برج البرلس مكانا لنقل المهاجرين إلى السفن التي ستبحر بهم تجاه شواطيء أوروبا.
قطعة صغيرة من التورتة
يجلس هادي أمام مقهى في الشارع الرئيسي الممتد باستقامة في البلدة، حيث يستمتع بشرب الكركديه والشاي. وقال الشاب البالغ من العمر 30 عاما بفخر إنه يعمل في بناء السفن، مثل باقي الناس حوله.
وعرض صور يخوت بناها وأثثها لشيوخ خليجيين أثرياء. ويقول إن شركة ألمانية تعاقدت معه في وقت من الأوقات.
لكن هادي يتكسب رزقه حاليا من إعادة تجهيز مراكب الصيد لتعمل كمراكب لاجئين. وتنقل المراكب حينئذ إلى خارج المياه الإقليمية المصرية إلى المياه الدولية بعيدا عن حرس السواحل المصري.
وبمجرد أن يمتلئ مركب، ينطلق إلى إيطاليا لكن فقط في الليالي التي يكون القمر فيها بدرا. وللاختباء من حرس السواحل تطفئ المراكب أنوارها وتعتمد على ضوء القمر في إبحارها.
ويقول هادي إنه يكسب حوالي 1500 جنيه فقط شهريا من إعادة تجهيز المراكب، وهو جزء يسير من الأموال التي تتداولها الأيدي التي تحصل على ما بين 30 ألفا و50 ألف جنيه من الشخص مقابل رحلة العبور الخطرة.
ويقول "لا يمكنني حتى أن أتزوج بأجر مثل هذا، ناهيك عن الذهاب إلى لامبدوزا" في إيطاليا.
ويضيف هادي أن "بيزنس اللاجئين" في أيدي رجال (المافيا) في مدينة رشيد، مشيرا إلى أنهم وحدهم من يشترون كل المراكب.
كل الرؤوس الكبيرة مصرية
وأبدى ثلاثة ممن يطلق عليهم سماسرة لاجئين في مدينة رشيد استعدادهم للحديث مع الصحيفة. وشرح أحدهم أنهم في الماضي كانوا يقومون بتهريب السجائر والمخدرات، أما اليوم فهم يهربون "البشر".
وأبدى شخص واحد فقط من المهربين استعداده لنشر لقبه وهو ناجي. ويقول إن عشرة رجال فقط يتحكمون في "بيزنس اللاجئين"، مضيفاً "كل الرؤوس الكبيرة مصرية ولديهم علاقات في إيطاليا".
وبالرغم من أن ناجي يبلغ من العمر 32 عاماً فقط إلا أنه حقق ثروة لا بأس بها، وهو أمر لا يخشى من التباهي به. يرتدي ناجي حذاءً أنيقاً، وبنطلوناً أسود، وقميصاً أبيض موشى "بالترتر"، وساعة "روليكس" في معصمه.
ويقول ناجي إن السمسار يرتب لنقل اللاجئين من البر إلى سفن الصيد الكبيرة، مستخدماً مراكب صيد صغيرة أو حتى قوارب مطاطية. وأحيانًا يكون عليه ترتيب إقامة اللاجئين في بيوت حتى يتم نقلهم إلى المراكب. ويحصل السمسار مقابل ما يقوم به على عمولة.
وبمجرد اقترابهم من السواحل الإيطالية يقوم السماسرة بالاتصال بحرس السواحل الإيطاليين، الذين يستقبلون اللاجئين. وبحسب ناجي يأتي الكثير من اللاجئين من سوريا والصومال وإريتريا. لكن هناك أيضاً الكثير من القادمين من مصر في الفترة الأخيرة، والعديد منهم أطفال.
وعلى عكس السوريين ليس لدى المصريين أي وسيلة قانونية لدخول الاتحاد الأوروبي لذلك يدعي بعضهم أنهم سوريون. ويحصل بعض المصريين على كورس في الإسكندرية بعنوان "كيف أصبح سورياً؟" حيث يتعلم اللاجئون المصريون اللهجة السورية ويحصلون على هويات سورية.
لا يشعر ناجي بالندم بسبب مهنته التي اختارها، متسائلا "ما هي المشكلة في مساعدة الناس على الوصول لأوروبا حيث سيحصلون على حياة أفضل؟"