أحدث الأخبار
قالت صحيفة ها آرتس الإسرائيلية إن موعد بدء حرب أكتوبر عام 1973 تقرر قبل عدة شهور من انطلاق الحرب وحفظ الموعد طي الكتمان كسر فشلت المخابرات الأجنبية في كشفه.
ونقلت الصحيفة عن نائب المدير العام للمخابرات المركزية الأمريكية سابقا فيرنون والترز قوله في محاضرة بمدرسة ومركز التدريب في وكالة الأمن بالجيش الأمريكي بعد عام ونصف على حرب أكتوبر "كان لدينا تقرير في المخابرات المركزية أواخر مايو 1973 قال إن مصر وسوريا ستبدآن حربا ضد إسرائيل يوم السادس من أكتوبر."
وأضاف والترز "أبلغنا بذلك كما ينبغي.. لكن إحدى خبراتي من العمل في مجال المخابرات كانت أن المحللين بصورة عامة يحجمون عن إبلاغك بشيء غير لطيف فعلا، وحتى بعد ذلك حاولنا وضع كل قطعة من معلومات المخابرات في مكانها لإظهار أنه (انطلاق الحرب) لن يحدث يوم السادس من أكتوبر. وفي النهاية أقنعنا أنفسنا أنه لن يحدث في السادس من أكتوبر. وأنا فعلا الشخص الذي وقع التقرير الذي قال إنه لن يحدث في صباح ذلك السبت، وقد حدث بعد ظهر السبت."
ورواية والترز التي يشهد فيها بأنه شريك رئيسي في الخطأ هي واحدة من القطع التي تشكل أسطورة سر حرب أكتوبر 1973 .
وقال التقرير إن جزءا آخر من الأسطورة يتمثل في الخلاصة من اجتماع العميل الكبير أشرف مروان مع رئيس الموساد تسيفي زامير في لندن عشية يوم السادس من أكتوبر حين حذر مروان من أن الحرب ستبدأ في اليوم التالي. وربما لم يحدد مروان الساعة بالضبط، وقد يكون فعل، وتعطل التقرير في طريقه عبر الهاتف إلى تل أبيب، وبدأ الهجوم المصري السوري الساعة الثانية بعد الظهر وليس السادسة مساء. لكن مع تأثير ذلك على التأخر في الاستعداد إلا أنها كانت تفصيلة صغيرة بالمقارنة مع تحديد مروان ليوم اندلاع الحرب، وهو ما كان التقرير الوحيد من نوعه الذي تلقته إسرائيل.
وقالت الصحيفة إنه على مدى 43 عاما منذ الحرب، وخاصة منذ لحظة كشف هوية مروان وأهميته كمصدر، فمن الغريب أن هذا الأداء الذي فشل في معرفة موعد الحرب ظل مقبولا ولم يخضع تقريبا لأي مواجهة على الإطلاق. وكانت النتيجة تعاملا سطحيا مع تقسيم المسؤولية بين الحكومة والجيش الإسرائيلي، وتعاملا مشابها مع تقسيم المسؤولية عن جمع المعلومات بين المخابرات العسكرية الراضية عن نفسها والموساد القلق.
وذكر التقرير أن مسؤولين كبارا في الموساد وجدوا تناقضا بين خطورة التحذير على الجيش وسلوك الموساد. ورغم أن زامير غادر على عجل بعدما سمع من عميله الكبير تحذيرا من الحرب، إلا أنه لم يصدر إنذار طواريء في الموساد ولم يهتم زامير باصطحاب فريق قيادة معه أو على الأقل رجل اتصال كي لا يضطر للبحث عن تليفون عمومي أو الدق على أبواب السفارة في حين كانت كل ثانية لها ثمن. وضاعت ساعات كثيرة إلى أن تلقى مساعد زامير التقرير ونقله إلى رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقائد الأركان ورئيس المخابرات العسكرية.
وقالت الصحيفة إنه في عام 1973، كان الجميع في إسرائيل يعرفون أنه بدون تقدم في اتفاق سلام يمكن أن يخوض الرئيس أنور السادات الحرب حسب تهديداته بذلك على مدى ثلاث سنوات. كان الجميع يعرفون لكن رفضوا أن يصدقوا. واعتبرت القيادة العامة والحكومة أنه بدون سوريا لن تخوض مصر حربا تعرف أنها ستخسرها إذا تركزت قوة الجيش الإسرائيلي على جبهة واحدة.
وتجاوزت اعتبارات السادات في تحديد موعد بدء الحرب اختصاص خبراء التخطيط العسكري. وحسبت القيادة السياسية والعسكرية وضع اقتصاد الدولة وعلاقتها بالاتحاد السوفيتي.
وحدد المصريون ثلاثة مواعيد ملائمة لبدء الحرب، وهي مايو وأغسطس وسبتمبر-أكتوبر. ووجدوا أن هناك ثمانية أعياد دينية لدى اليهود منها ثلاثة في أكتوبر. وكان من المقرر أن تشهد إسرائيل في أكتوبر أيضا انتخابات الكنيست التي تشغل الجماهير بما فيها جنود الاحتياط. وكان الطقس جيدا لعبور القناة في أكتوبر مع طول الليالي وهدوء البحر. وتزامن شهر رمضان مع أكتوبر 1973 ليشكل غطاء لتحركات القوات وخداع العدو. وفي سوريا أيضا يسوء الطقس ويحل الشتاء بعد أكتوبر، وكانت التوصية بيوم السادس من أكتوبر.
وذكرت الصحيفة في تقريرها أنه إذا كان ذلك ما قصده والترز حين تحدث عن المعلومات التي تلقتها المخابرات المركزية الأمريكية آواخر مايو، فإن الشك يبدو مفهوما في ذلك الوقت. فقد اتفق السادات مع الرئيس السوري حافظ الأسد على عدم بدء حرب قبل أن يعقد الجيشان اجتماعا للجنة العليا المشتركة. وانعقدت اللجنة التي تضم 16 من قادة الجيش والبحرية في الأسكندرية يومي 22 و23 أغسطس. وجاء السوريون بملابس مدنية على متن سفينة رحلات خشية أن تخطف إسرائيل طائرتهم وينكشف السر.
وأضافت أن السادات استدعى مجلس الدفاع المصري لتقييم عام يوم 30 سبتمبر، بعد خمسة أيام من تحذير العاهل الأردني الملك حسين رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير من أن "الجيش السوري يوشك على بدء هجوم" وأن من المستبعد أن تخوض سوريا حربا بدون مصر، وكذلك بعد يومين من تحذير وزير الخارجية السوفيتي اندريه جروميكو للرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون من "أننا يمكن أن نستيقظ على الحرب في أي يوم." وخلص السادات إلى أن الحرب حتمية لأن مصر ستنهار بدونها. وفي اليوم التالي، أصدر أمرا استراتيجيا بشن حرب محدودة يوم السادس من أكتوبر.
لكن في مقابل كل تقرير موثوق به عن الحرب خلال أسبوع من يوم أول اكتوبر، كان هناك تقرير يناقضه ولا يقل عنه موثوقية.
وفي يوم أول أكتوبر، سلم أمر التحرك يوم السادس من أكتوبر إلى قادة الجيشين الثاني والثالث فقط. وفي يوم الثالث من أكتوبر تم إبلاغ قادة الفرق، ونقلت المعلومات في اليوم التالي إلى قادة الألوية الذين تساءلوا عما إن كان ذلك أمرا حقيقيا أم مجرد إضافة للتدريبات.
ولأجل تضليل السوفييت، قال رئيس المخابرات العسكرية المصرية إنه توجد تقارير عن خطة إسرائيلية لتنفيذ غارة كبيرة وضربة جوية. وكانت هناك تحركات خداع أخرى سواء كانت مخططة أو مرتجلة. وفي يوم 17 سبتمبر، قال قائد الأركان المصري سعد الشاذلي للرئيس الجزائري هواري بومدين "سنخوض الحرب خلال ثلاثة أشهر". وفي اليوم التالي، أبلغ الشاذلي في المغرب الملك الحسن بنية خوض الحرب وطلب منه إرسال لواء مشاة على سفينة إلى الاسكندرية يوم أول اكتوبر.
ونقلت هاآرتس عن الشاذلي قوله "أدهشني قول الحسن إنه يفضل ألا يغادر اللواء إلا في بداية نوفمبر. ولم يمكنني إقناعه بدون كشف التاريخ المحدد."
واختار المصريون يوم السادس من أكتوبر والساعة السادسة مساء باعتباره آخر ضوء، وهو ما افترض أنه يحد من مدى الرؤية للطيارين الإسرائيليين في غاراتهم لمهاجمة القوات التي تعبر القناة إلى الشرق بالإضافة إلى امتداد طول الليل إلى الحد الأقصى. لكن حين وصل وزير الحربية المصري أحمد إسماعيل علي إلى دمشق يوم الأربعاء الثالث من أكتوبر، واجه الحسابات السورية وتبين أنهم لا يوافقون على التاريخ ولا على الساعة. وطلب الأسد تأجيل الهجوم المشترك إلى يوم الاثنين الموافق للثامن من أكتوبر عند أول ضوء كي تغشي الشمس عيون الطيارين الذين يهاجمون الجنود المتقدمين باتجاه الغرب.
وحين اتصل مروان بزامير طالبا تحديد موعد للمقابلة، كانت أحدث معلوماته تعود ليوم الثالث من أكتوبر. وكانت معلومات عفا عليها الزمن –مضى عليها يومان- حين التقيا في لندن، رغم أنها أصبحت صالحة جزئيا مرة أخرى حين التقى مروان بصديق من شركة مصر للطيران في لندن وسمع منه أن طائرات الشركة أبعدت من مطار القاهرة الدولي خشية تعرضها لهجوم.
لكن مروان لم يكن يعرف أن الموعد تغير أثناء زيارة إسماعيل إلى دمشق. فقد رفض اسماعيل التخلي عن يوم السادس من أكتوبر قائلا إنه ليس مسموحا له بتغييره بدون موافقة الشاذلي، ومن خلال التفاوض تم التوصل إلى حل وسط ببدء الحرب الساعة الثانية بعد الظهر بدلا من السادسة مساء.
وحين أبلغ مروان زامير أن السادات ما زال من الممكن أن يتراجع عن خوض الحرب، كان يعرف ما يتحدث عنه. وفي نفس الوقت بالضبط، آوى الشاذلي إلى فراشه لنيل قسط أخير من الراحة قبل الحرب في اليوم التالي، لكنه لم يستطع النوم. ورغم أن غواصات مصرية كانت أرسلت بخطط هجومية في "مهام لا يمكن إلغاؤها"، كان الشاذلي يتساءل عما إن كان السادات يمكن أن يقرر إلغاء الأوامر في تلك اللحظة. فهكذا يفكر الرجل العسكري. لكن رجل الدولة يفكر بطريقة مختلفة. وقال السادات له إنه لا يعرف شيئا عن السياسة. فماذا سيفعل إذا ألغى الرئيس العملية؟
وشهد الشاذلي بأنه كان يخشى الإجابة على السؤال الأخير. فحتى قبل 12 ساعة من بدء الحرب كان رئيس الأركان المصري يرى أن احتمال إلغاء الحرب ليس ضعيفا.
وفي النهاية حصلت المخابرات الإسرائيلية على تقييمات للمواقف (إجلاء العائلات السوفيتية من مصر وسوريا، وبرقية من ملحق عسكري عراقي) لكن لم تحصل على تقرير مؤكد عن اليوم وساعة الحرب.