أحدث الأخبار
"متخيلتش يوم اني أقف ازاحم الناس وأزق عشان ادخل اشتري إزازة زيت ولا شوية مكرونة عشان أرخص كام جنيه من أماكن تانية.. بس ارتفاع الأسعار بالشكل الجنوني ده يخلي الواحد يستحمل على نفسه أي حاجة عشان عياله".. هكذا قال بنبرة حسرة رجل خمسيني، طلب عدم نشر اسمه، يعمل بأحد المصالح الحكومية، وهو واقف أمام إحدى عربات القوات المسلحة لبيع منتجات اللحوم وبعض السلع الأساسية في القاهرة.
الرجل الخمسيني ليس الوحيد الذي لجأ لعربات القوات المسلحة مؤخرا، بعد ارتفاع أسعار كل السلع تقريباً، ولكن أيضا ليلى إبراهيم، ناظرة مدرسة في إحدى مدن الدلتا، التي قالت "الأول كنا بننكسف نقف قدام العربيات دي عشان محدش يشوفنا ويقول بقينا فقرا.. لكن خلاص احنا اللى بنقول عن نفسنا موظفين ومتمرغين في تراب الميري.. بقينا فقرا ربنا يسامحهم.. وطالما بقى فيه جوع مبقاش فيه كسوف".
وتقول ليلى "انا وباقي زمايلي في المدرسة بقينا نروح مع بعض نشتري اللحمة والكبدة والفراخ من على العربيات دي.. وبقينا نرجع ناكل لحمة مرتين أو تلاتة في الشهر.. بعد ما كنا بناكلها مرة في الشهر واحيانا يعدي الشهر من غير ما نشوفها".
قبل أن تخرج عربات الجيش للطرقات والميادين، كانت المجمعات الاستهلاكية خلال هذا العام تُتيح لحوما بأسعار مناسبة، الأمر الذي تحكي عنه أمنية خليل، على المعاش من القاهرة، بأنه أشبه بالحصول على ماء الذهب.
"المجمع بيفتح مثلاً الساعة 9 الصبح.. كنا بنروح من الساعة 7 عشان نلحق مكان.. كنا بنرضى بالذل واحنا واقفين نتخانق في الطابور لأننا محرومين من اللحمة.. وممكن بعد ساعات في الطابور نوصل أخيراً بس تكون اللحمة خلصت".
موظفا الحكومة الإثنين اللذين تحدثت إليهما أصوات مصرية عبرا عن مخاوفهما الكبيرة من مستقبل معيشتهما خلال الأيام المقبلة، خاصة بعد وصولهما للمعاش، فمرتباتهما بالكاد تكفي لهما ولأسرهما.
ويفكر الإثنان في أنهما بالضرورة سيضطران إلى البحث عن عمل آخر بعد بلوغ المعاش للحفاظ على الحد الأدنى من آدميتهما.
شراء هياكل الفراخ
بينما وجد بعض المواطنين ضالتهم في عربات القوات المسلحة، رغم تحملهم مشقة كبيرة للحصول على لحوم أو دواجن منها، فإن آخرين لجأوا إلى بقايا الهياكل العظمية للدواجن.
"يا بنتي احنا عايشين دلوقتي على الهياكل والرجلين.. في الأول كنا بنقول اننا مربين كلاب.. لكن خلاص الوضع مبقاش يستحمل اننا نخبي لأن فيه ناس فعلا بتاخد ده للكلاب وبتتخانق معانا.. فكان لازم نقول الحقيقة للفرارجي.. لازم نقول اننا بناخده للعيال عشان يخلي الأولوية لينا" هكذا وصفت أم في الأربعينات من المحلة الكبرى معيشة أسرتها والدموع منهمرة من عينيها أمام محل للدواجن، وهي تحاول الحصول على بقايا الهياكل العظمية للدواجن بعدما يفرغها الفرارجي لبيع الصدور "بانية".
زبائن "العفشة"، وهو المصطلح المعروف لدى الفرارجية والمقصود به العظام المتبقية بعد إخلاء الدواجن لتحويلها إلى صدور مخلية (بانية)، زاد عددهم خلال الفترة الأخيرة بعد الارتفاع الكبير في الأسعار.
ويقول فرارجي في المحلة الكبرى، لأصوات مصرية، "زباين العفشة معروفين عندنا.. لكن في الفترة الأخيرة زاد عددهم أوي والغريب إنهم زباين كانوا بيشتروا قبل كدة فرخة كاملة حتى ولو مرة واحدة في الأسبوع".
وتواجه عدة أسر مصرية حاليا أزمة بعدما شهدت أسعار كل السلع تقريبا وبعض الخدمات زيادة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، مع بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة بدلا من ضريبة المبيعات، ورفع أسعار الكهرباء مطلع أغسطس الماضي.
كما أن سعر صرف الدولار مقابل الجنيه شهد قفزة كبيرة في السوق السوداء، وهو ما انعكس على أسعار العديد من السلع، حيث تعتمد مصر بشدة على الواردات، ومع ندرة الدولار وصعوبة توفيره من الجهاز المصرفي بالسعر الرسمي، لجأ العديد من المصنعين والتجار إلى السوق السوداء، التي وصل الدولار بها إلى 15 جنيهاً، مقابل 8.88 جنيه في البنوك.
وواجه المواطنون أيضا أزمة في توفير سلع أساسية خلال الفترة الماضية مثل السكر الذي اختفى من معظم المحال التجارية وبعض المجمعات الاستهلاكية، وارتفع سعره في بعض المناطق إلى 10 جنيهات مقابل 5 جنيهات قبل الأزمة.
ومن المنتظر حدوث موجة جديدة من الغلاء قريباً، مع تطبيق عدد من الإجراءات المرتقبة في إطار برنامج للإصلاح الاقتصادي تتبناه الحكومة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار.
ومن أهم محاور هذا البرنامج تخفيض أو تعويم سعر العملة المحلية، ورفع أسعار الوقود، مما سيتبعه قفزة كبيرة في الأسعار، كما تقدر بنوك استثمار وخبراء.
الاستغناء عن بعض العادات
أمام الارتفاع الكبير في الأسعار اضطرت بعض الأسر متوسطة الدخل إلى الاستغناء عن بعض العادات، مثل شراء شنط وأحذية جديدة لأبنائها قبل العام الدراسي الجديد.
"كنا متعودين كل سنة ننزل نشتري شنط وجزم جديدة للعيال قبل السنة الدراسية ما تبدأ.. وكان بيبقى يوم جميل وفيه فرحة... لكن السنة دي للأسف لأول مرة نضطر نستغنى عن الموضوع ده"، كما تقول هالة عبد الله، موظفة في شركة قطاع خاص.
وتروي هالة "السنة دي قعدت مع ولادي التلاتة وقلتلهم معلش مش هانقدر نجيب شنط وجزم جديدة... ممكن نصلح الشنط بتاعة السنة اللي فاتت ونغسلها.. وهاتبقى زي الجديدة".
وتقول "طبعا الولاد اتضايقوا في الأول.. بس لما دخلوا المدرسة ولقوا كذا حد من زمايلهم جاي برضو بالجزمة والشنطة بتاعت السنة اللي فاتت هديوا ... وقالولي مش احنا بس اللي ماقدرناش نجيب حاجات جديدة".
والمنتجات المصرية كانت ملاذا للعديد من الأسر التي كانت تتمكن في السابق من شراء منتجات مستوردة، ويقول شاب في العشرين من عمره "أنا مش بفطر في البيت وباشتري بسكويت وأنا رايح الشغل.. بس النوع اللى بجيبه سعره زاد الضعف تقريبا.. فرجعت اشتري بسكويت مصري كنت باكله وانا صغير في المدرسة، مش لأنه أحسن بس لأنه أرخص بكتير".
كما تقول ياسمين محمود، التي اعتادت على شراء ملابسها وأحذيتها من مولات تجارية، "فيه حاجة غير منطقية حصلت في الأسعار.. وقدام ده المرتبات ما بتتحركش جنيه.. أنا خلاص قررت مارحش المحلات اللي كنت متعودة اشتري منها.. ده كده خراب بيوت".
وتضيف ياسمين "انا كنت باجيب حاجتي من ماركات عالمية وكنت باروح وقت التخفيضات فالحاجة بتبقى أسعارها معقولة.. دلوقتي التخفيضات مابقتش بتنفع حتى.. فروحت جربت أجيب جزمة من محل مصري ومشي الحال.. أكيد الموديلات مش زي المستورد لكن مش سيئة".
ويقول بائع يعمل في أحد الفروع المصرية لسلاسل عالمية تبيع الملابس الجاهزة، إن إدارة المحل الذي يعمل بيه لاحظت مؤخرا انخفاضا في المبيعات، وقررت مد فترة التخفيضات التي تقوم بها لجذب مشترين أكثر.
وقبل أزمة ارتفاع الأسعار بوقت بسيط تداول رواد فيسبوك عدد من الهاشتاج مثل "صُنع في مصر" و"صناعة مصرية"، تضمنت مئات القصص عن تجاربهم مع منتجات محلية الصنع لم تسبق لهم تجربتها، ولكن زيادة أسعار المستورد دفعتهم لاستخدامها. وتم تدشين صفحة بعنوان "صنع بفخر في مصر" يتبادل عليها الرواد نصائحهم بخصوص المنتجات محلية الصنع وبدائل للمستورد الذي زاد سعره أو اختفي، كما كتب بعض الأطباء أسماء أدوية مصرية الصنع لا تقل كفاءتها عن نظيرتها المستوردة.