أحدث الأخبار
قالت صحيفة الفاينانشال تايمز إنه في الأسبوع التالي لانتفاضة 25 يناير 2011 في مصر، كانت المناقشات حول الوضع بين كبار مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما تشهد انقساما بين الأجيال، ويشوبها التوتر في بعض الأحيان.
وأضافت الصحيفة في تقرير بموقعها الإلكتروني اليوم الجمعة، أن هيلاري كلينتون، التي كانت تشغل منصب وزيرة للخارجية، كانت تحث على التعامل بحذر مع الأزمة، قائلة إن الأمر قد يستغرق عقدين لإنشاء دولة ديمقراطية مستقرة في مصر.. لكن المستشارين الأصغر سنا للرئيس أوباما قالوا له إن التاريخ يتحرك بسرعة وإنه يحتاج أن يكون على الجانب الصحيح.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول، كان حاضرا المناقشات يوم أول فبراير 2011، قوله إن الاجتماع توقف بشكل مفاجئ حين أعلن مساعد أوباما أن مبارك على وشك إلقاء خطاب عام. وأضاف "لم أر أبدا أي شيء مثل ما حدث في قاعة الاجتماعات أنذاك، توقفنا عن الحديث لمشاهدة التلفزيون". وأعلن مبارك خلال خطابه إنه لن يسعى لاعادة انتخابه في وقت لاحق من ذلك العام، لكنه لم يقل شيئا عن تسليم السلطة قبل ذلك.
بعد وقت قصير من خطاب، أجرى أوباما اتصالا بمبارك من مكتبه قائلا إنه لم يفعل ما يكفي لإنهاء الأزمة. وبعد ذلك، وعلى الرغم من تحفظات بعض من كبار المستشارين الأمريكيين، أدلى أوباما ببيان علني، وصف بأنه كان من أخطر البيانات بالنسبة لرئاسته ولفترة شغل كلينتون منصب وزيرة الخارجية.
وقال الرئيس الأمريكي في بيان "الانتقال المنظم للسلطة يجب أن يكون هادفا وسلميا وأن يبدأ الآن". فبعد 30 عاما من اعتبار مبارك ركيزة للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، فقد قرر البيت الأبيض سحب البساط من تحت قدمي الرئيس المصري.
وكانت احتجاجات ميدان التحرير التي أدت إلى تنحي مبارك، واحدة من أكبر الأزمات التي واجهت الثنائي أوباما وكلينتون واختبرت قدراتهما ووجهات نظرهما تجاه الأحداث الدولية. كما أنها سلطت ضوءا كاشفا على الكيفية التي ستختلف بها إدارة بقيادة كلينتون، المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية، عن إدارة أوباما.
في حملتها الانتخابية، أشارت كلينتون بمهارة إلى انها ستنفذ سياسة خارجية أكثر قربا من التيار الرئيسي بالمقارنة مع سياسة أوباما الخارجية، وستكون سياسة أكثر احتراما للحلفاء المعتادين للولايات المتحدة وأكثر ثقة في قدرة أمريكا على تشكيل الاحداث في الخارج.
وشهد رد فعل الإدارة الأمريكية تجاه الأزمة المصرية لحظات توتر، ومعارك على النفوذ بين كل طرف، وفقا لمقابلات أجرتها الصحيفة مع مسؤولين حضروا تلك المناقشات. ورغم ذلك، فالخلافات بين أوباما وكلينتون لم تكن حول حتمية حدوث التغيير في مصر لكن كانت بشأن اللهجة والرسائل بما في ذلك رد فعل باقي المنطقة على بيانات واشنطن.
ومن المعروف عن كلينتون كونها أقرب لمعسكر الصقور من أوباما، ويرجع ذلك جزئيا إلى دعمها الأولي للحرب على العراق. وقد عزز هذا الانطباع في وقت لاحق عام 2011 من خلال ردود فعلها تجاه الأزمات في ليبيا وسوريا.
وقال ديريك تشوليت، الذي عمل في وزارة الخارجية والبيت الأبيض خلال فترة أوباما الأولى، إنه "حين تم اختيار هيلاري كلينتون لتكون وزيرة للخارجية اعتقد البعض أنهما سيكرهان بعضهما البعض، وأن كلينتون ستجعل (نائب الرئيس الأمريكي) ديك تشيني يبدو هاويا بجانبها، وهي تنشيء مركز سلطة منافسا. ولكن لا شيء من ذلك حدث".
وحينما اشتبكت الشرطة المصرية مع المحتجين في 28 يناير "يوم جمعة الغضب"، بدأت الانشقاقات تبدو جلية داخل الادارة الأمريكية حول الثورة الناشئة.
ففي غرفة العمليات بالبيت الأبيض، كانت تقف في ناحية مجموعة من مسؤولي الامن الوطني الذين كانوا ضمن حملة انتخاب أوباما ومن بينهم نائب مستشار الأمن القومي دنيس ماكدوناف وبن رودس، الذي كتب كلمة اوباما التي القاها في القاهرة في 2009 وشكلت انفتاحا جديدا على العالم العربي. ورأى هؤلاء المستشارين الشباب، ممن يعتبرون ثورات 1989 في أوروبا الشرقية مرجعية لهم، أن الأحداث التي وقعت في ميدان التحرير هي فرصة لإقامة علاقة جديدة مع المجتمع المصري.
وخلال نقاش بالإدارة الأمريكية بالتزامن مع الاحتجاجات في القاهرة، طلبت سوزان رايس -المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة حينئذ- من أوباما التفكير عما إذا كان يريد أن يتذكره التاريخ بانه "الرئيس الذي وقف مع مبارك، أم مع شعب مصر".
وانضم لمجموعة المسؤولين الشباب في الإدارة جون بينان الذي كان آنذاك مسؤولا في المخابرات ويدير حاليا المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي ايه)، وجادل حينئذ بأن وقت مبارك انتهى.
في المقابل، رأت كلينتون ان النموذج الإيراني هو الأكثر شبها. وأشارت إلى أن البعض رأى ثورة عام 1979 الاسلامية في طهران على أنها انفراجة ليبرالية، لكن الأمر انتهى بها إلى ممارسة القمع.
لم يكن أوباما استقر على رأي. وكان رد فعله الأولي هو لزوم الحذر. لكن على خلاف بعض من كبار مستشاريه، لم يكن لديه تقارب شخصي أو اتصال مع الرئيس المصري أو عائلته. وكانت كلينتون اتصلت قبل عامين بسوزان مبارك لتواسيها في وفاة حفيد لها.
وحين أجرى أوباما اتصالا بمبارك لحثه على تلبية بعض مطالب المحتجين، نحى الرئيس المصري مخاوفه جانبا، مصرا على أن الانتفاضة ستنتهي في غضون أيام. وقال أحد المسؤولين إن مبارك "تعامل مع أوباما على أنه اكثر خبرة ودراية منه".
وحاول أوباما توصيل رسالته إلى مبارك من أكثر من طريق لكن دون جدوى.
لكن كلينتون اتخذت مسارا أكثر دهاء تجاه الأزمة المصرية. ففي حين حاولت الولايات المتحدة توصيل رسائل صعبة بشكل خاص، قالت كلينتون إنها قلقة من رد فعل الحلفاء في الخليج إذا بدا الأمر كما لو كانت الإدارة الأمريكية حريصة على إجبار مبارك على التنحي. واستمع الرئيس إلى الاعتراضات لكنه قرر المضي قدما في خطواته. واتفق أوباما مع كلينتون على أن الولايات المتحدة عليها تشجيع عملية "الانتقال المنظم" لكنه قال إن مصر ستصبح أكثر اضطرابا إذا استمرت أعمال العنف. كان الوقت قد حان لاظهار مزيد من الضغط العلني على مبارك.
وترك بيان أوباما بعض الغموض بشأن كيفية انتقال السلطة، ولكن روبرت جيبز، المتحدث باسم البيت الأبيض، كان أكثر تأكيدا في اليوم التالي، حينما رد على سؤال بشأن متى ينبغي أن تبدأ عملية الانتقال في مصر قائلا "بدأت أمس".
حساسية الوضع اربكت الحسابات الأمريكية، وحثت كلينتون البيت الأبيض في بعض الأحيان على تخفيف تعليقاته تجاه الأزمة المصرية لتهدئة مخاوف حلفاء واشنطن في المنطقة، ولكن فريقها لم يكن يريد لها أن تظهر في شكل مدافع عن الوضع الراهن في مصر. وحين وصلت الاحتجاجات في مصر مرحلتها النهائية، أرسلت آن ماري سلوتر، رئيسة التخطيط السياسي سابقا في وزارة الخارجية، برسالة إلى كلينتون عبر البريد الالكتروني، تحثها على تبني موجة التغيير في الشرق الأوسط.
وبحلول يوم تنحي مبارك كان الرئيس ووزيرة خارجيته قد خلصا إلى تقييمات متشابهة للوضع، سواء بشان عناد مبارك الكفيل بتحقيق هزيمة ذاتية وبشأن الطريق الصعب القادم.