أحدث الأخبار
قال البنك المركزي إن الخطوة التي اتخذها، أمس الخميس، بتعويم الجنيه تهدف للقضاء على السوق السوداء للعملة تماما، وإعادة النقد الأجنبي للتداول بشكل رسمي داخل البنوك والصرافات. فهل يكفي التعويم لتحقيق هذا الهدف؟
وقرر المركزي، صباح أمس، التخلي عن نظام التعويم المدار الذي كان يتبناه خلال السنوات الماضية، والذي يتدخل بموجبه في السوق من خلال تحديد أسعار استرشادية لصرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، إلى نظام التعويم الحر حيث يترك سعره يتحدد بناء على العرض والطلب على العملات.
ويتوقف نجاح المركزي في تحقيق هدف القضاء على السوق السوداء على قدرة الجهاز المصرفي على توفير العملة الصعبة خلال فترة طويلة، بما يغني طالبي الدولار عن اللجوء إلى السوق السوداء، كما أكد محللون وخبراء في الاقتصاد.
ويقول سامر عطا الله، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، "إذا لم توجد إتاحة للعملات الصعبة داخل القنوات الرسمية من بنوك وصرافات خلال الفترة المقبلة.. سيتم اللجوء إلى القنوات غير الرسمية للحصول على العملة.. وبالتالي لن تختفي السوق السوداء".
وكانت تقارير بنوك الاستثمار تتفق على مدار الشهر الماضي على أن المركزي لن يُقدم على خطوة التعويم قبل أن تصل احتياطياته من النقد الأجنبي إلى 25 مليار دولار، وهو المبلغ الذي كان طارق عامر، محافظ البنك المركزي، قد ذكره في حديث صحفي باعتباره النقطة التي سيدرس عندها تعويم الجنيه.
واتفق معظمها في تبرير هذا المبلغ بأن جزءا منه أساسي لتغطية ثلاثة شهور على الأقل من الواردات، بما يوازي نحو 15 مليار دولار، بالإضافة إلى نحو عشرة مليارات دولار لتغطية طلبات السوق من العملة الصعبة، والمراكز المالية المشكوفة للبنوك، بالإضافة لتغطية الديون قصيرة الأجل.
وتوقع تقرير لأرقام كابيتال أن المركزي سوف يخفض سعر العملة المحلية بقوة عندما يؤمن ما يكفى من العملة الصعبة "لتلبية الزيادة السريعة والتلقائية في الطلب، المتوقع حدوثها مباشرة عقب الإعلان عن تغيير السعر الرسمي".
ولم يعلن بعد المستوى الذي وصل إليه الاحتياطي النقدي بنهاية شهر أكتوبر، لكن الرقم المعلن لشهر سبتمبر وصل إلى 19.59 مليار دولار، مع تلقي مصر لقروض وتسهيلات ائتمانية دولية بقيمة 3 مليارات دولار.
وقال طارق عامر في مؤتمر صحفي مساء أمس الخميس، بعد اتخاذ قرار التعويم، إن المركزي مازال يستهدف الوصول بالاحتياطي إلى 25 مليار دولار بنهاية العام، وأكد "مصممين نبقى عند كلمتنا".
ووضعت معظم بنوك الاستثمار تصورين لعملية تحرير سعر العملة، رأت احدهما أكثر كفاءة من الناحية الاقتصادية بينما الآخر أكثر ملائمة من الناحية السياسية وبالتالي أقرب للتطبيق من وجهة نظر المسؤولين.
التصور الأول يقوم على تخفيض المركزي للعملة بشكل جزئي يصل بسعرها لحدود تتراوح بين 11 إلى 12 جنيها للدولار بدلا من 8.88 جنيه، مع استمراره في اتباع سياسة التعويم المُدار، التي تسمح له بوضع حدود لتحرك سعر الصرف.
أما الثاني فيقوم على تخفيض سعر الصرف دفعة واحدة لمستوى أقرب للمستويات المتداولة في السوق السوداء، ثم التعويم الكامل للعملة بتركها لقوى العرض والطلب دون تحديد لسعر رسمي، أو الاعتماد على المزج بين التعويم الحر والتعويم المُدار بما يسمح للمركزي بالتدخل في سوق الصرف عند اللزوم.
ورغم أن التصور الأول يضمن التحكم في قيمة الجنيه، وبالتالي السيطرة على زيادة أسعار السلع والخدمات ومستويات الدين الحكومي، إلا أنه يتطلب ضخ كميات كبيرة من العملة الصعبة، ولا يقضي على السوق السوداء.
وقالت كرستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولي، في حوار مع تلفزيون بلومبرج، قبل أسبوع من إعلان مصر عن تعويم الجنيه، إن طريقة علاج مشكلة سعر الصرف تتوقف على الظروف.
"عندما يكون لديك احتياطيات نقد أجنبي منخفضة جدا، والفارق بين السعر الرسمي وغير الرسمي للعملة واسع جدا، فقد رأينا تاريخيا أن التحولات السريعة تكون أكثر كفاءة.. لكن الظروف المحلية هي التي تحدد"، كما تقول لاجارد.
وبحسب تقرير لأرقام كابيتال، أصدره في أكتوبر، فإن لجوء المركزي لتحرير الجنيه لمستويات قريبة من السوق السوداء يحفز الأفراد على تحويل ما بحوزتهم من دولارات إلى جنيهات عن طريق البنوك للاستفادة بالفارق بين السعر القديم والجديد بشكل مشروع، كما يرى بنك الاستثمار، وهو ما يساهم في استعادة السيولة الدولارية للبنوك بما يسمح لها باستئناف العمل بنظام الإنتربنك، الذي تتبادل فيه البنوك العملة الصعبة فيما بينها، دون حاجة للكميات الإضافية التي يضخها البنك المركزي كل أسبوع لتوفير احتياجات البنوك من العملة.
وكان البنك المركزي يطرح 120 مليون دولار أسبوعيا في مزاد لبيع العملة الصعبة للبنوك، في ظل ضعف الموارد الدولارية المتاحة لها لتلبية الاحتياجات المتزايدة للعملاء، وخاصة المستوردين.
وقال المركزي أمس بعد الإعلان عن تعويم الجنيه، إنه سيتوقف عن طرح المزادات الدورية للدولار، وسيترك للبنوك مهمة توفير العملة الصعبة من خلال التدفقات النقدية المتوقع دخولها لها بعد قرار التعويم، مؤكدا أنه قد يتدخل بإقامة مزادات لتوفير السيولة وليس للتحكم في السعر.
لكن شريف عثمان، خبير مصرفي، يرى أن الأموال التي يمكن أن يضخها الأفراد في القطاع المصرفي لن تغطي الفجوة الكبيرة القائمة بين عرض الدولار والطلب عليه، كما أن للبنوك مراكز مالية مشكوفة بنحو 2.5 مليار دولار "باعتها في وقت سابق لعملائها على المكشوف".
ولذلك يرى عثمان أن المركزي سيضخ كميات من العملة الصعبة في السوق، بعد التعويم، عبر مزادات لبيع الدولار للبنوك خلال الأسابيع المقبلة، لتوفير السيولة اللازمة لتلبية الطلبات، ولتغطية المراكز المالية للبنوك.
وتوقع عثمان أن يبيع المركزي للبنوك ما يتراوح بين 8 إلى 9 مليارات دولار، على مراحل، لكي يتمكن من توفير سيولة دولارية في الجهاز المصرفي بحيث يتمكن من ضرب السوق السوداء.
وسيترتب على ذلك أن تتراوح الأسعار في البنوك بين 12 و13 جنيها للدولار خلال الأسبوعين المقبلين، وستكون أسعار السوق السوداء أعلى بما يتراوح بين جنيه وجنيه ونصف، إلى أن تضعف على مدى الأشهر الثلاث المقبلة، بحسب توقعاته.
ويقول سامر عطا الله إنه إذا لم تتمكن التدفقات النقدية المتوقع دخولها إلى البنوك بعد قرار التعويم من تلبية الطلبات على العملة الصعبة، فإنه من المتوقع أن تلجأ البنوك إلى زيادة أسعار العملات الصعبة لديها لتتمكن من جذب تدفقات أكثر.
أما ما بعد الثلاثة شهور القادمة "فلا يستطيع أحد توقعه لأنه مرتبط بعوامل اقتصادية أخرى، يصعب التنبؤ بها الآن، تتعلق بالقروض مستحقة السداد على الدولة، وحجم التدفقات الدولارية الداخلة إلى مصر، ومدى إقبال المستثمرين" كما يقول شريف عثمان.
وتعاني مصر من تراجع في مواردها من العملة الصعبة، خاصة مع انخفاض عائدات السياحة والصادرات وتحويلات العاملين للخارج، والانخفاض الكبير في حجم الاستثمارات الأجنبية خلال السنوات الخمس الماضية.