أحدث الأخبار
تصريحات تتردد مؤخراً حول احتمالات المصالحة بين السلطة في مصر وجماعة الإخوان المسلمين، ويثير هذا الحديث اهتماماً بالغاً في الأوساط السياسية والبرلمانية والشعبية وغيرها، نظراً لأنه يَصْدر عن شخصيات حكومية رسمية ومن قيادات إخوانية.
أحدث تلك التصريحات صدر الثلاثاء الماضي عن عماد عبد الغفور، مساعد الرئيس المعزول محمد مرسي، فى أول ظهور له منذ عزل مرسى عام 2013، مطالباً بتقديم تنازلات داعياً القوى الاقليمية لرعاية المصالحة. وسبقتها تصريحات نائب المرشد العام للجماعة إبراهيم منير، والتى دعا فيها من سماهم "بالحكماء" لبلورة صيغة للمصالحة بين الجماعة والدولة.
تزامن ذلك مع تصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي كان أحدثها مطلع نوفمبر الحالي، أكد خلالها على أن "جماعة الإخوان المسلمين جزء من الشعب المصري، وأن الشعب هو من يقرر طبيعة الدور الذي يمكن أن تلعبه الجماعة في المستقبل".
ويقضى الاتفاق حسب ما تناقلته وسائل إعلام هذا الأسبوع وذكره البرلماني عماد جاد في مقال له نشر الجمعة بصحيفة الوطن "بتجميد الإخوان العمل السياسي لمدة 5 سنوات، بحيث لا يشاركون خلالها في أي عمل سياسي حتى الإدلاء بأصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية، ولا بأي عمل مناهض للسلطة الحالية. وفي المقابل يتم الإفراج عن السجناء وعودة المطاردين والمهجرين إلى منازلهم وأعمالهم السابقة. على أن يكون الاتفاق برعاية وضمانات سعودية".
يأتي ذلك في ظل تغيرات سياسية دولية، تضطر معها الجماعة إلى دعوة السلطة إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، خاصة مع وصول دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية وصعود اليمين المتشدد في الغرب عمومًا، الرافض لفكرة وجود الإسلام السياسي، وكذلك استمرار رفع الشعب المصري " الكارت الأحمر" للجماعة منذ احتجاجات 30 يونيو 2013 .
تطورات وتصريحات يبدو منها أن هناك أصواتا مؤثرة في كلا الطرفين السلطة والإخوان، أصبحت مقتنعة بأن المواجهة وصلت إلى طريق مسدود، ينتهي بخسارة كبيرة للطرفين، وأن المناخ أصبح مهيئاً لذلك التصالح.
تحديات كثيرة
الوضع يحلله محمد الدويك الكاتب الصحفي والباحث الإسلامي بقوله "إن الجماعة الإرهابية أمامها تحديات كثيرة تضطرها للجلوس على طاولة المفاوضات، أولها لفظ الشعب المصري وتجاوزه لهم، فلم يعد من المجدي استخدام الإخوان المظلومية التي يعتمدون عليها من خلال تجييش العواطف، والمتاجرة بمصالح الشعب ودماء الشهداء.
ويتابع الدويك، أن التغيرات الدولية تمثل عبئاً إضافياً على الجماعة منها هزيمتهم أمام بشار الأسد في سوريا، وتصعيد التيار الشعبوي الأوروبي الممثل لليمين المتطرف المناهض للإسلام السياسي تماماً والرافض لوجوده على أرضه، والرافع لشعاره مالم ينته بالقوة ينتهي بمزيد من القوة، كما أنه لا يُفرق بين الإسلام الوسطي الذي يتبناه الاخوان وبين الجهاديين.
ويضيف أن العالم اكتشف أن الإخوان ليس لديهم مشروع سياسي صلب واضح المعالم، ينهض بشعوبه ويجنبها مشاكل تاريخية كالاستبداد والفقر والعلاقة بالآخر، وأن كل ما يملكه الإخوان مجرد أحلام رومانسية وأن ما يملكه الإسلام السياسي هو نفس ما يملكه الجيش الحر بسوريا وهو "السلاح فقط".
ويوضح الدويك مزيدا من المشاكل التي تواجهها جماعة الإخوان قائلا إن "الجماعة لديها في التصالح مع السلطة مشكلتان، الأولى أنهم يتعاملون مع نظام عتيد وشديد التمرن والمراس في التعامل مع الأفكار الإسلامية الجهادي منها والوسطي، وكما أنه عتيد فهو عنيد، بالإضافة الى أنه نظام استطاع تجاوز كمية كبيرة من المخاطر في الفترة الماضية زادته ثقة في نفسه، ولذا لن يستجيب لأي تنازلات لمجرد وعود زائفة منهم، ولن يستطيع الإخوان التلاعب بالنظام به، بل سيتعامل معهم على أنه المنتصر وهو من يُملي عليهم شروطه".
ويسترسل الدويك في إيضاح التحديات التي سيواجهها الإخوان حال المصالحة بقوله إن "على الإخوان أيضاً مواجهة شبابها الفاقد لرشده والمنساق لأفكار الثورة مستمرة، فقد يتمرد على قياداته. أيضاً من الصعب جداً على الإخوان القبول بشرط تجميد نشاطها السياسي خمس سنوات مقبلة".
الإعتذار أولاً
وقال أحمد بان الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، إن جماعة الإخوان مطالبة باعتذار ومراجعة واسعة لأدبياتها وسلوكها، وفي المقابل الدولة معنية بالانتصار لفكرة سلوكيات الدولة. وأضاف أن الجماعة حريصة على أن تظهر في المشهد السياسي طوال الوقت، وهي محاولات يائسة لأنها خرجت من الضمير الجمعي لدي المصريين، لتجربتهم السيئة في الحكم، وتجربة معارضة خروجهم من الحكم كانت بنفس المستوى من السوء.
وأشار بان إلى أن الدولة تحتاج للتصالح هي الأخرى مع فكرة الدولة والحوار الوطني والسلم الأهلي، وبناء علاقة صحية بين السلطة والمجتمع، والحقوق والحريات والدستور بشكل عام، كذلك يجب عليها فتح الأفق السياسي والإصلاح بنفس الهمة التي شاهدناها عليها في الإصلاح الإقتصادي.
وقال "جميع ما سبق يهيئ البيئة لمصالحة وطنية شاملة، قد تشمل من لم يتورط في الدماء من الإخوان المسلمين لانهم ثلاث جماعات، الأولى تمثل الأغلبية الصامتة التي خرجت من مشهد الصدام مع الدولة منذ فض رابعة، ولم يكونوا جزءا من حالة العنف أو التظاهر التي تورطت فيها الجماعة، وقسم ثاني ظل يراهن على الحراك الثوري في الشارع دون التورط في عنف، وقسم ثالث شكل مليشيات وقام ببعض العمليات الإرهابية".
وأكد بان على أن الجماعة يجب عليها أن تَصْدُق مع نفسها وتحدد مهمتها في الحياة، الدولة لن تقبل فكرة الخلط بين العمل الدعوي والسياسي فلا يستقيم الجمع بينهما.
الشعب صاحب القرار
أكد جمال زهران، النائب البرلماني السابق، وعضو لجنة السياسة بالمجلس الأعلى للثقافة، على أن الشعب المصري هو صاحب الحق الأول والأخير في الموافقة على تصالح جماعة الإخوان مع السلطة، ولا يملك الرئيس السيسي إجراء تلك المصالحة بدون موافقة سواد الأمة، خاصة وأن الشعب قد لفظها ولم يعد لها قاعدة شعبية.
وأضاف زهران أن فكرة المصالحة كانت قائمة نظريا فقط في حالة وجود وزيرة الخارجية الأمريكية سابقا هيلاري كلينتون، لأنها من قامت بدفعهم عبر صفقة أجرتها مع المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي، إلا أن هيلاري ونظام أوباما انتهى بلا رجعة، خاصة مع وجود ترامب رئيساً لأمريكا بأفكاره المتلهفة للقضاء على الإسلام السياسي.
وتساءل زهران لماذا يقبل النظام لدينا بالمصالحة، وهو في لحظات قوة يفتقدها خصمه، مشيراً الى أن المصالحة هدف يسعى إليه الإخوان، وبيانهم الرافض لها نوع من الغرور السياسي والاستكبار، وهو أحد الأسباب الأساسية في ضياعهم.