أحدث الأخبار
وجدت مصر نفسها في موقف دفاعي بعدما سحبت مشروع القرار المناهض للاستيطان الاسرائيلي الذي طرحته على أعضاء مجلس الأمن مساء الأربعاء. ففي اليوم التالي، أمهلت أربع دول من الأعضاء غير الدائمين بمجلس الأمن مصر، وهي العضو العربي الوحيد في المجلس حاليا، عدة ساعات لتوضح ما إن كانت ستعيد طرح القرار للتصويت وإلا ستطرح الدول الأربعة القرار من جانبها.
وطلبت مصر تأجيل التصويت على القرار بعد اتصال بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وقالت الرئاسة المصرية إن مصر ترى ضرورة إعطاء الفرصة لإدارة ترامب لحل القضية الفلسطينية.
وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن سحب المسودة جاء بعد ضغوط من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وبعد موافقة مجلس الأمن على القرار الذي امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام حق الفيتو ضده وامتنعت عن التصويت عليه، أصبحت الدبلوماسية المصرية في موقف لا تحسد عليه لتفسير تصرفاتها بداية من طرح مشروع القرار حتى سحبه.
وقال محللون إن طرح المسودة في هذا التوقيت لم يكن متوقعا، في المقام الأول، بالنظر إلى العلاقة بين مصر وإسرائيل والتي بلغت أوثق درجاتها في تاريخ البلدين.
وقال تقرير بموقع "زا هيل" الأمريكي التابع للصحيفة التي تحمل نفس الإسم وتعنى بشؤون الكونجرس الأمريكي إن مصر تعتمد على دعم أمني إسرائيلي داخليا وأيضا على دعم دبلوماسي في ساحة دولية معادية في الأغلب بما في ذلك واشنطن. وأضاف التقرير أن جيشي البلدين وأجهزة المخابرات بهما على اتصال مستمر بشأن الأمن والمنطقتين المضطربتين بينهما: سيناء التي تشهد تمردا لجماعة مرتبطة بتنظيم داعش المتشدد، وقطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس التي وصفها التقرير بأنها خصم مشترك للبلدين.
وأضاف التقرير أن وزير الخارجية المصري سامح شكري سافر إلى اسرائيل في صيف هذا العام في أول زيارة من نوعها لوزير خارجية مصري منذ نحو عقد. وأشار الرئيس السيسي إلى فرص تعزيز العلاقات مع اسرائيل إذا تقدمت عملية السلام مع الفلسطينيين.
محامونا في واشنطن
وقال كاتب التقرير الصحفي والمحلل أورين كيسلر المختص بشؤون الشرق الأوسط، وهو حاليا نائب مدير الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن، إنه أثناء زيارة للقاهرة قبيل الانتخابات الأمريكية رأى بنفسه الدفء يسري في العلاقات بين العدوين السابقين. وقال إن مسؤولين مصريين كبارا تحدثوا بحماس عن تعاونهم الأمني مع الدولة اليهودية ووصفوا إسرائيل وأصدقاءها بأنهم "محامونا في واشنطن" وسط توتر العلاقات مع البيت الأبيض.
وعلاوة على ذلك، أثار انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الشهر الماضي ما يشبه النشوة في البلدين. ففي القاهرة، رأى السيسي في انتصار المرشح الجمهوري بمثابة نهاية مرحب بها للانتقاد المستمر من إدارة أوباما لحقوق الانسان، ودعما أقوى لمعركة حكومته ضد الإسلام السياسي والمتطرف.
وفي إسرائيل، كان رئيس الوزراء نتنياهو متفائلا بدرجة مماثلة ومتحمسا لتجاوز نحو ثماني سنوات من العلاقات المتوترة مع البيت الأبيض وبدء التعامل مع إدارة تبدو أكثر استعدادا للإتفاق مع حكومته بشأن أغلب القضايا الكبرى، وليس الاستيطان فقط. وقال التقرير إن انتخاب ترامب أثار توقعات واسعة بتشكيل تحالف أمريكي مصري اسرائيلي قوي.
ولهذا كان توقيت مشروع قرار الاستيطان غريبا، بحسب الكاتب. وقال إنه خلال ساعات من إذاعة الخبر ليل الأربعاء الساعة الثالثة والنصف فجرا بالتوقيت المحلي لاسرائيل، لجأ نتنياهو إلى حسابه على موقع تويتر ليحث الولايات المتحدة على استخدام حق النقض (الفيتو). ضد مشروع القرار. وذكرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن سفارة إسرائيل في واشنطن أجرت اتصالات بفريق ترامب وبمسؤولين مصريين للاحتجاج.
وبعدها أجرى مساعدو ترامب اتصالات بالقاهرة، وكتب الرئيس المنتخب تدوينة على موقع تويتر، واتصل السيسي نفسه في نهاية الأمر بمقر ترامب في فلوريدا، بحسب التقرير.
كيف كانت حسابات القاهرة؟
والسؤال الحتمي هو ماذا ظنت القاهرة أنها ستكسب من مثل هذا القرار؟. فسوف يصبح ترامب رئيسا خلال أقل من شهر، على أي حال، وستبقى مصر بحاجة للدعم الدبلوماسي والأمني الاسرائيلي على مدى سنوات قادمة. وقال صحفي في هاآرتس إنه تحدث مع عشرة دبلوماسيين من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي واسرائيل ولم يكن لدى أي منهم إجابة على السؤال.
وقد يكون الضغط العربي أحد التفسيرات المعقولة. فالقضية الفلسطينية ما زالت قضية مثيرة للمشاعر في الشارع العربي، وتميزت الأمم المتحدة منذ وقت طويل بكونها منتدى يمكن أن تمر فيه القرارات ضد اسرائيل دون ضجة كبيرة. وأصبحت الخطب الصارخة ضد اسرائيل تقليدا تلتزم به الدول العربية على مدى السنين، ومصر الآن هي العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن.
لكن مصر سحبت مشروع القرار. وقال مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة، عمرو أبو العطا، إن مصر سحبت مشروع قرار يوم الخميس، بسبب "ضغط ومزايدات".
ولم تقف المسألة عند هذا الحد إذ التقطت فنزويلا ونيوزيلندا والسنغال وماليزيا مشروع القرار وتقدمت به لمجلس الأمن الذي يضم 15 دولة. وصدر القرار بموافقة 14 دولة ودون اعتراض بعدما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت ولم تستخدم حق الفيتو في خروج على سياستها المعهودة بحماية اسرائيل من الانتقاد في المجلس.
وسعى أبو العطا إلى الدفاع عن موقف مصر قائلا إنه لا أحد يستطيع أن يشكك في دور مصر تجاه القضية الفلسطينية، وأن مصر ترفض المزايدات على دورها مع فلسطين شكلا وموضوعا.
وتابع "المواقف المصرية الثابتة لا يمكن التشكيك فيها إزاء الحقوق الفلسطينية المشروعة.. نرفض المساومة وصوّتنا على قرار وقف الاستيطان الإسرائيلي".
وقال تقرير "زا هيل" إنه لولا سحب مصر مشروع القرار لكان بإمكانها أن تقدم استعراضا لاستقلالها الدبلوماسي. وأضاف أنه على مدى ثلاث سنوات منذ أطاح الجيش بحركة الإخوان المسلمين من السلطة بعد احتجاجات شعبية على حكمهم، تكافح القاهرة لتوسيع دائرة حلفائها الدبلوماسيين خلال تلك السنوات التي شهدت حجب إدارة أوباما لجزء من مساعدتها العسكرية لمصر احتجاجا على ما اعتبرته انتهاكات من جانب النظام.
وقال التقرير إنه في الشهور القليلة الماضية، استضافت مصر مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا هي الأولى لقوات روسية في أفريقيا، واشترت معدات عسكرية مكلفة من فرنسا والمانيا، وتبني عاصمة إدارية جديدة خارج القاهرة بتمويل من الصين.
لكن الولايات المتحدة ما زالت حجر الأساس لعلاقات مصر الدبلوماسية والأمنية. وقال الكاتب إنه أثناء زيارته للقاهرة لم يمل المسؤولون المصريون من تذكيره بتلك الحقيقة حتى وإن انتقدوا ما اعتبروه تخلي واشنطن عن حليفتها، وبرروا توسيع مصر لعلاقاتها الدولية.
وتقدم واشنطن للقاهرة مساعدات سنوية بقيمة 1.3 مليار دولار مما يجعل مصر ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية بعد اسرائيل. وعلى مدى عقود، زودت واشنطن الجيش المصري بأسلحة ومعدات متطورة لا يمكن لدولة أخرى تقديم بديل لها، بحسب الكاتب. وقال التقرير إن القاهرة تعي تماما أن واشنطن، برغم التحديات لهيمنتها من موسكو وبكين، فهي القوة العظمى الوحيدة في العالم على مدى المستقبل المنظور.
وهذا سبب أن توجيه لكزة إلى أوثق حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، وهو حليف تحتاجه القاهرة نفسها بصورة متزايدة، يبدو أمرا غريبا جدا.. وكذلك السرعة التي يبدو أن مصر غيرت بها موقفها لتسحب مشروع القرار. وذكر التقرير أن الأيام القادمة قد تبين ما إن كان القرار زلة من مصر (هل لم تتوقع تدخل ترامب؟)، أم محاولة لإعادة تأكيد مكانتها إقليميا، أم مدفوعا بغرض آخر.