أحدث الأخبار
تراجعت قيمة الجنيه أمام الدولار بشكل متواصل منذ تعويمه في نوفمبر، من مستوى 13 جنيها للدولار في أول أيام التعويم وحتى أعتاب العشرين جنيها خلال الأيام الماضية، مما أثار التساؤلات حول دور البنك المركزي، ومتى يصبح تدخله ضروريا.
ونادى رئيس اتحاد الغرف التجارية وبعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بضرورة تدخل البنك المركزي لمنع استمرار تدهور سعر الجنيه أمام الدولار، بينما أكد 3 محللين اقتصاديين لأصوات مصرية أن هذه الخطوة مستبعدة وستكون خاطئة تماما، وأن التذبذب الذي يجري حاليا في أسعار الصرف أمر طبيعي ومتوقع بعد تعويم الجنيه.
وكان المركزي قرر في 3 نوفمبر الماضي تحرير سعر صرف الجنيه بشكل كامل، وترك للبنوك الحرية التامة في تحديد سعره من خلال آليات العرض والطلب، فانخفضت قيمته الرسمية من 8.88 جنيها للدولار الواحد إلى مستوى 19 جنيها في الاسابيع الأخيرة.
وشهدت قيمة الجنيه نزولا متواصلا في البنوك خلال الأسبوع الماضي، ولامس الدولار يوم الإثنين الماضي مستوى العشرون جنيها، وانخفض في هذا اليوم وحده بنحو 80 قرشا.
لكن العملة الأمريكية تراجعت في تعاملات نهاية الأسبوع، وسجلت في بنكي الأهلي المصري ومصر 18.85 للبيع، و18.65 جنيه للشراء، واستقرت عند هذا المستوى في منتصف تعاملات اليوم الأحد، وإن كان سعرها قد وصل في بعض البنوك الخاصة إلى 19.50 جنيه.
وانتقد أحمد الوكيل، رئيس اتحاد الغرف التجارية، السياسة النقدية للبنك المركزي، وقال في تصريحات لجريدة المصري اليوم في نهاية الأسبوع الماضي إن المركزي "يأخذ ولا يعطي ولا يطبق سياسة واضحة للتعامل مع السوق".
وأضاف الوكيل "لو البنك المركزى رش رشة لتلبية الطلبات سيتراجع الدولار تدريجيا".
لكن هاني فرحات، الخبير الاقتصادي في بنك استثمار سي أي كابيتال، قال لأصوات مصرية إن "أي تدخل من البنك المركزي في هذا التوقيت سيكون خاطئا تماما".
وهو ما اتفقت عليه رضوى السويفي، رئيسة قسم البحوث في بنك استثمار فاروس قائلة إن "أي تدخل من المركزي في سوق الصرف سيؤدي إلى فشل تجربة تعويم الجنيه، ويفقد المستثمرين الثقة مرة أخرى في الاقتصاد".
وقالت رضوى إن "البنك المركزي كان واضحا في الاستراتيجية التي أعلنها في هذا الخصوص بأنه لن يتدخل وأن سعر الصرف حر تماما".
وكان طارق عامر محافظ البنك المركزي، قال في مقابلة مع نشرة انتربرايز الاقتصادية، قبل أكثر من أسبوعين إن المركزي لن يتدخل مجددا في سوق صرف العملة بعد تعويم الجنيه.
وقال ردا سؤال للنشرة "نتدخل؟ لا.. مطلقاً أصبح هذا في سجل التاريخ، فلن يكون هناك تدخلا آخرا".
وأضاف عامر، أن المركزي لم يعد يستهدف سعر صرف محدد بعد التعويم.
وتقول رضوى السويفي إن تجارب الدول التي سبقت مصر في تعويم عملتها المحلية أظهرت أن تدخل البنوك المركزية في سعر الصرف بعد التعويم يفشله.
وأثبتت تجارب خمس دول سبقت مصر في تعويم عملتها أن عودة البنوك المركزية للتدخل في تحديد سعر الصرف أفشلت التعويم وأفقدت المستثمرين الثقة في الاقتصاد، بحسب تقرير لوكالة بلومبرج الاقتصادية، نشرته بعد تعويم الجنيه بيوم واحد.
وقالت بلومبرج في تقريرها إنه إذا كان لمصر أن تتعلم أي شيء من الأسواق الناشئة التي تخلت عن السيطرة على عملاتها فهو أن الأسلوب المتردد محتوم أن يفشل، ونجاح هذه الخطوة في تخفيف أزمة الدولار وسحق السوق السوداء للعملة سيعتمد على مدى التزام البنك المركزي بكف يديه حين يتأرجح سعر العملة.
وقال فرحات إنه يختلف تماما مع مطلب رئيس اتحاد الغرف التجارية وأن "التذبذب في سعر الصرف حاليا أمر طبيعي ومتوقع، وقد يستمرا أو شهرين، لأن السوق تمر حاليا بحالة من إعادة التوازن في سعر العملة بين قوة العرض والطلب".
"نحن نشهد حاليا أقوى فترة طلب على الدولار في حين أن المعروض في أقل مستوياته، ومن الطبيعي بعدما فتح المركزي الباب أمام تلبية طلبات طلبات الاستيراد أو تحويلات الأرباح وشراء الدولار للأغراض المختلفة، أن يكون هذا عامل ضغط يرفع سعر العملة الأمريكية في مقابل الجنيه" بحسب ما قاله فرحات.
وأضافت رضوى السويفي إنها كانت تتوقع هذا التذبذب في سعر الدولار لمدة 6 أشهر بعد تعويم الجنيه، وأضافت أن الطلب على الدولار من أجل إغلاق المراكز المالية وتقفيل الميزانيات مع نهاية العام، بالإضافة إلى طلبات الاستيراد التي لبتها البنوك، والأرصدة السابقة التي لم تتم تغطيتها، كانت كلها عوامل ساهمت في زيادة الطلب على الدولار ورفع سعره أمام الجنيه.
وقال فرحات إنه بعد تلبية كل هذه الطلبات على الدولار "ستنعكس الآية ويزيد المعروض ويقل الطلب فتستقر الأسعار".
وكان المركزي قال في بيان يوم الأربعاء الماضي، إن البنوك العاملة في مصر وفرت 7.9 مليار دولار لتمويل عمليات الاستيراد بعد تعويم الجنيه في 3 نوفمبر وحتى منتصف الشهر الجاري.
وقال فرحات إن ارتفاع سعر الدولار في البنوك مؤخرا "معناه أن البنوك تلبي فعلا طلبات للعملاء، وإلا ما كانت عرضت أسعار شراء مرتفعة من أجل زيادة حصيلتها الدولارية، لبيعها إلى العملاء الراغبين في شرائه".
وأضاف فرحات أن حصول المركزي على تدفقات دولارية جديدة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو استثمارات في المحافظ المالية، لا يعني أن يتنازل عنها في السوق من أجل دعم الجنيه.
"بالعكس، المركزي حاليا عنده موارد دولارية ومتوقع أن الاحتياطي النقدي سينهي العام عند مستوى 26 مليار دولار، أي أن لديه القدرة على التدخل والنزول بسعر الدولار إلى 15 جنيها مثلا، لكنه لم يفعل، لأنه يعلم أن هذا لا يجب أن يحدث حاليا، وهذا يعطي ثقة أكبر للمستثمرين" يقول فرحات.
ويتوافق رأي المحللين الماليين مع ما أبداه محافظ البنك المركزي في مقابلته مع نشرة إنتربرايز بقوله "كان الجميع يتحدث عن ضخ البنك المركزي لاثنين أو أربعة مليارات دولار (بعد التعويم)، لكن ذلك لم يكن حقيقيا، إذ أن القيام بمثل هذا الأمر يتعارض مع الفكرة التي كنا ننفذها".
وأضاف عامر "كان السوق يعتقد بأنه لا يزال يتعين علينا تقديم الدعم لنظام سعر الصرف، لا.. نحن نريد لهذا المولود الجديد أن يقف على قدميه وأن يدعم نفسه".
ورغم أن شريف عثمان، خبير مصرفي، لا يؤيد تدخل المركزي في هذا التوقيت من أجل دعم الجنيه، لكنه يتوقع أن يتدخل في مرحلة قريبة من أجل الوصول بالدولار إلى سعر "أكثر واقعية".
"تدخل البنك المركزي في وقت تكون فيه موجة الأسعار عالية، لن يكون فعالا، لأن تدخله قد يستوعب الزيادة ويخفض السعر، لكن هذا سيكون بشكل مؤقت، يرتفع بعده السعر مرة أخرى" يقول عثمان.
لكن عثمان أضاف أن "المركزي لابد أن يتدخل في النصف الأخير من الشهر المقبل، من أجل تدعيم استقرار أسعار الصرف، لنرى أسعارا أقل من 18 جنيها للدولار".
وقال إن "تعويم الجنيه لا يعني ألا يتدخل المركزي مطلقا، هذا دور البنوك المركزية، أن تراقب وتتدخل عند الحاجة، والبنوك المركزية في العالم تفعل ذلك، مثل البنك المركزي الأوروبي".
وتوقع الخبير الاقتصادي في سي أي كابيتال أن يهبط الدولار إلى مستوى 14 جنيها بنهاية السنة المالية الجارية في آخر يونيو.
أما رضوى السويفي فتوقعت أن يستمر ارتفاع الدولار لمستويات تتراوح بين 18 و20 جنيها خلال النصف الأول من العام المقبل، ويستقر بعدها عند مستوى 15 جنيها.
ورهنت رضوى استقرار سعر صرف الدولار باستعادة المصادر المستدامة للعملة الصعبة في البلاد والتي تشمل الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج وقناة السويس، والتي كانت تراجعت بشدة خلال الفترة الماضية وأدت إلى نقص حاد في العملات الأجنبية.
"سنصل إلى سعر 15 جنيها للدولار بمنتصف العام المقبل، لو –وضع ألف خط تحت كلمة لو- استعدنا مصادر العملة المستدامة للبلاد" تقول رضوى.