أحدث الأخبار
يُخرج كراته من الحقيبة في شغف، يمسكها بيديه، ثم يبدأ في تحريكها يمينًا ويسارًا، يرفعها في الهواء، وكأنه عاشق يبعث برسائل حب للسماء، منتظرًا الرد، تتعلق عيناه بالكرات وهي تطير، حتى تعود إليه سريعًا ليحركها مرة أخرى، ويرسلها من جديد مرارًا وتكرارًا للسماء. إنها الكنز الذي عثر عليه وأحياه من جديد.
تعرف علي السباعي، 24 سنة، خريج كلية الهندسة بجامعة القاهرة، على لعبة "juggling" أو "التلاعب بالكرات" عن طريق الصدفة، عندما رأى أحد الأشخاص يحاول اللعب بالكرات بشكل غير محترف على حد قوله، أثناء سيره داخل أحد المراكز التجارية، ألهمه هذا الشخص، رغم أنه لم يتحدث معه ولم يره مرة أخرى. أثارت اللعبة فضول علي، فعاد إلى منزله وحاول تعلمها بمفرده ولكنه لم يفلح، نسى الأمر، ثم عاد إليه بعد عام، وحاول مرة أخرى حتى نجح في ممارسة اللعبة.
يكمل "علي" مبتسمًا "اتعلمت اللعبة في الأول عشان أبهر بها إخواتي التلاتة الأكبر مني، لكن مع الوقت اكتشفت أن لها فوائد كثيرة جدًا، والفوائد دي ابتدت تأثر فيا بشكل إيجابي سواء على المستوى البدني أو الذهني، ودفعتني أكمل في اللعبة".
يقول "علي" إن الحركة العادية التي يستخدم فيها 3 كرات استغرقت أسبوعا كاملا للتمرين عليها حتى تمكن من تنفيذها، وإن هناك حركات أخرى مثل اللعب بـ 6 كرات، تستغرق وقتا أكبر يمتد أحيانًا إلى 3 شهور أو ربما عام ونصف العام حتى تخرج بشكل جيد، لم يتعلم "علي" اللعبة على يد أحد، واكتفى بتعلمها وحده عن طريق مشاهدة الفيديوهات التعليمية على "يوتيوب".
أشار "علي" إلى أن من يرغب في تعلم تلك اللعبة، عليه فقط أن يتسلح بالإصرار، ويستمر في التدريب اليومي، وعلى المبتدئ في تعلمها أن يعرف أنه في البداية سيقع من بين يديه الكثير من الكرات وهو أمر طبيعي، وذكر أن بعض الأشخاص يصابون باليأس في البدايات، ويتركون اللعبة، وآخرون يحاولون عدة مرات حتى يتمكنوا من اللعب بمهارة. وأكد أن الجميع يمكنهم تعلم تلك اللعبة عن طريق مشاهدة فيديوهات "يوتيوب"، إلا أن ما يميز شخصا عن غيره هو فهم تكنيك اللعبة، والإصرار، والتمسك بالأمل.
وعن ممارسي اللعبة في مصر يقول علي "اللي بيلعبوا اللعبة دي في مصر قليلين جدًا، ومنهم الناس اللي بيشتغلوا في السيرك، أما اللي بيمارسوها كهواية جنب حياتهم العادية فهما أقل بكتير، واتعرفت على 2 أو 3 منهم، وبقينا بنتدرب أحيانًا سوا ونعمل حركات جديدة".
يقول علي إن اللعبة تساعد على تحسين القدرة على التركيز، لأن تعلمها يحتاج إلى وضع خطوات محددة يُلتزم بها، على سبيل المثال يبدأ الشخص باللعب بكرة واحدة، ثم كرتين، ويزيد عدد الكرات مع الوقت.
ويؤكد علي أن اللعبة تنشط إبداع وخيال ممارسها ليصبح قادرًا على ابتكار أسلوبه الخاص في عرض اللعبة. وهو ما فاد "علي" وفتح له أبواب مجتمعات جديدة، في الأماكن التي قام بتقديم عروضه فيها، وترتب على ذلك خلق أحاديث مع الحاضرين، ثم التعرف عليهم، ليصبحوا في النهاية أصدقاء له.
وعن استفادة الأطفال من اللعبة يقول علي "الجاجلينج" كنز، لأن لها تأثير كبير على شخصية الأطفال الذين يمارسونها، فهي تجعلهم قادرين على رؤية مشاكلهم من منظور آخر، وقادرين على التخطيط، كما تجعل أجسادهم أكثر مرونة خاصة عندما يلقي الطفل الكرة من خلف ظهره ويتلقاها مرة أخرى، تجعلهم أصحاء ورياضيين، على سبيل المثال إن ذهب أحد الأطفال للعب كرة القدم بعد تعمله لـ "الجاجلينج" ووقف حارس مرمى سيتمكن من صد الكرة بسهولة وسرعة، لأن ردود أفعاله أصبحت سريعة. كما تبث اللعبة الثقة في نفوس الأطفال، وتحسن من حالتهم النفسية.
شارك "علي" في عدة فعاليات بتقديم عروض "الجاجلينج"، وكان أقربها مهرجان "أشطورة"، و"كونفينشن التاتو" العام الماضي، ومهرجان "مواويل" في درب 17- 18 منذ 3 سنوات.
وعقب الانتهاء من العروض، تأتيه ردود فعل متعددة يقول عنها "في ناس كانت بتسألني إنت بتعمل ده إزاي!، وناس كانت بتطلب إني أعلمها، ده غير بقى ردود الفعل المبالغ فيها زي أنت بتطلع نار من بقك، وده بالمناسبة شجعني إني أتعلم ألعب بالنار فعلًا عشان اللي يقولي طلع نار من بؤك أطلع".
أما الأطفال الحاضرون لعروض "علي"، فكانوا يشعرون بسعادة بعد رؤيتهم للكرات وهي تتطاير يمينًا ويسارًا، ويطلبون منه أن يعلمهم ليصبحوا مثله. حاول "علي" تعليم مجموعة من الأطفال، إلا أنه تحدث بشكل خاص عن تجربته مع إحدى الفتيات التي تبلغ من العمر 10 سنوات، لأنها تعلمت اللعب في يوم واحد، ووصفها بأنها مجتهدة جدًا، وذكر أنه لم يرها مرة أخرى بعد ذلك.
تواجه "علي" العديد من المشكلات أثناء ممارسته للعبة "الجلينج"، ومنها عدم تقدير الآخرين للعبة، وعدم رؤيتهم لها كنوع من أنواع الفن، إضافة لكونها لعبة تحتاج لكثير من الصبر، والتمرين على بعض الحركات لفترات طويلة تصل إلى عدة شهور أو سنة أحيانًا، ولا يخلو الأمر من الكسل أو فقد الأمل في تعلم بعض الحركات، وهو أمر يمكن التغلب عليه بالتمرين المستمر وعدم الاستسلام، إضافة إلى عدم وجود دعم للعبة داخل مصر، أو مدربين لها، ومجتمع يضم من يمارسونها، والكرات غير متوفرة لشرائها سوى عبر الإنترنت، مما يضطر "علي" للتحايل على الوضع بشراء كرات رياضة التنس، وتغليفها بـ البالونات، ليتمكن من اللعب بها.
يحلم "علي" أن تنتشر اللعبة أكثر في المستقبل داخل مصر، ويتعلمها كثير من الأطفال، خاصة أن من يقرأ تاريخ اللعبة سيجد أن أصولها مصرية على حد قوله، مؤكدًا أن هناك عدة رسومات على حوائط المعابد، للمصريين القدماء وهم يمارسونها، وأنها خسارة كبيرة أن تنطلق اللعبة من مصر وتتفوق بها دول أخرى. وأنهى حديثه عن لعبة "الجاجلينج" قائلًا "رغم اللي بواجهه من مشاكل، مش هفقد الأمل في انتشار اللعبة بين الأطفال في مصر في المستقبل".