أحدث الأخبار
كانت السينما المصرية لغةً بصريةً حاكت ثورة 25 يناير منذ لحظاتها الأولى عام 2011، فقدمَ صنّاعُها أعمالاً أعادت مصر إلى الصفوف الأولى لمهرجانات عالمية عدّة، ربما بسبب جانبها الإنساني الذي لخص صورةَ شعبٍ تائق إلى حياة أفضل.
وبعد مرور ست سنوات على قيامها لا تزال ثورة يناير نواةً لأعمال عديدة، لكن اللافت أن أغلبها لم يحقق انتشاراً محلياً، الأمر الذي يفجر تساؤلات عدة متعلقة باكتمال اللحظة المواتية لتقديم صورة سينمائية تعكس الواقع الذي بدوره لا يزال يترنح بفعل متغيرات سياسية وأمنية واجتماعية ألقت بظلالها حتى على الحركة السينمائية.
أفلام حكت الثورة
فيلم "الميدان" 2011 أحد الأعمال التي أعادت مصر لمشهد السينما العالمي عبر ترشيحه لجائزة الأوسكار 2013، هو فيلم وثائقي يرصد صورة حية مما تخلل ثورة 25 يناير وتلاها من متغيرات، من خلال قصص خمسة مصريين قادمين من خلفيات سياسية وثقافية مختلفة إلا أن خيطاً يربط بينهم هو التمرد والسعي للتغيير.
عرض الفيلم في مهرجانات سينمائية عدة، ونال جائزة أحسن فيلم وثائقي في مهرجان دبي السينمائي 2013. الفيلم إخراج جيهان نجيم، الشابة المصرية المقيمة في أمريكا وقد شهدت أحداث يناير، فدفعها سحر المشهد وقوته كما تقول لتوثيق ما يحدث في ميدان التحرير بدءاً من تنحي مبارك مروراً باستلام الإخوان حكم مصر وصولا إلى 30 يونيو وخلع الرئيس السابق محمد مرسي.
أما الفيلم الروائي "18 يوم" 2011 فهو يتضمن 10 أفلام قصيرة تقدم صورا سينمائية متنوعة لأحداث الثورة بدءاً من انطلاق المظاهرات يوم 25 يناير، حتى تنحي مبارك يوم 11 فبراير. شارك في إخراج الأفلام أسماء عدة منهم يسري نصر الله، وشريف عرفة، وكاملة أبو ذكري، وغيرهم، ومن أبطالها منى زكي، وأحمد حلمي، وناهد السباعي، وهند صبري وآخرين. بعد أشهر قليلة من إنتاجه عرض الفيلم في مهرجان "كان" السينمائي، إلى جانب مشاركاتٍ في مهرجانات عالمية أخرى، غير أنه وحتى الآن لم يحظ بفرصة العرض على شاشات السينما المصرية.
كما أعاد فيلم "بعد الموقعة" 2012 مصر إلى مسابقة مهرجان "كان" الرسمية بعد غياب لمدة 15 عاما. الفيلم يتخذ من موقعة الجمل نواةً لقصته التي تحكي عن "محمود"، خيّالٌ يعاني نتيجة مشاركته في موقعة الجمل، ويربطه تواصل مع ريم، ناشطة سياسية تحمل قناعات مختلفة وتملك شركة إعلانات ليمثلَ الاثنان المواجهة بين الطبقات الاجتماعية المتناحرة في مصر والساعية لغد أفضل. صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قالت إن الفيلم جريء ويقدم فحوى سياسيا وإنسانيا من خلال شخوص تنوعت خلفياتها الثقافية والبيئية يجمعها السعي لكسر الحواجز في سبيل الانفتاح على آفاق أخرى.
فيلم "نوارة" 2015 للمخرجة هالة خليل يقدم ملمحاً إنسانياً من ملامح ثورة يناير دون التوغل في جوانبها السياسية والأمنية، عاكساً حالة الأمل التي تسللت للطبقة الاجتماعية المتعبة في مصر بعد الثورة من خلال قصة "نوارة" الخادمة في بيت أحد الأثرياء الذي يمثل ضفة أخرى من المصريين الذين يعتريهم القلق والخوف من الثورة، وبين الضفتين تتابع مشاهد الفيلم عبر لغة سينمائية متقنة وعالية.
وعلى عتبة أخرى عرّجت بعض الأفلام الكوميدية على أحداث يناير في صورة فكاهية لم تحقق نجاحاً مميزاً، منها فيلم "تك تك بوم" 2011 للفنان محمد سعد الذي يتناول قصة منطقة شعبية تتعرض لأعمال شغب ما يدفع أهل الحي لتشكيل لجنة شعبية يرأسها محمد سعد الذي يجسد في الفيلم شخصيتي تيكا ورئيس القسم الذي ينقذ الأخير من القتل نهاية الفيلم.
وفيلم "حظ سعيد" 2012 الذي يحكي التحديات التي تعترض زواج سعيد بعد انطلاق الثورة، لكنه لا يلبث أن ينغمس في صفوفها دونما تخطيط ليواجه التعدد الفكري والسياسي في الشارع المصري الذي يلقي ظلاله على حياته الأسرية فيما بعد.
سينما أكثر نضجاً
تخللت تاريخ السينما المصرية أفلام برعت في تقديم رؤى سينمائية مميزة عن ثورتي 1919 و1952. ربما كان نضج الوقت عاملا هاما في نجاح تلك الأعمال، فالذاكرة الجمعية المصرية لا تزال تحتفي بفيلم "بين القصرين" إخراج حسن الإمام 1964 عن الجزء الأول لرواية نجيب محفوط التي حملت نفس الاسم. يقدم الفيلم مناخ الشارع المصري في ظل اندلاع الثورة كانطلاق المظاهرات في المدارس والجامعات و أصوات الشيوخ والقساوسة التي اعتلت المنابر، وقلب الترام وغيرها.
أيضاً من الأفلام التي أتت على ذكر ثورة 1919 فيلم "سيد درويش" 1966 الذي يتناول سيرة فنانٍ أيقظ بألحانه وأغانيه روح الوطنية في وجدان المصريين، الفيلم قصة وسيناريو مصطفى سامي، إخراج أحمد بدرخان.
ولا يغيب عن الوجدان فيلم "رد قلبي" الذي يُعرض حتى الآن في الذكرى السنوية لثورة يوليو، فقد لخص جميع حالاتها (الحب والوطنية والصراع بين الطبقات) فاستحق الفيلم أن يندرج في المركز 13 ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، في استفتاء النقاد خلال احتفالية مئوية السينما المصرية عام 1996.
الوقت هو المفتاح لصورة سينمائية متقنة
يعتبر الناقد طارق الشناوي أن الأفلام التسجيلية التي حاكت ثورة يناير كانت رائعة ومشبعة لأن الفيلم التسجيلي قائم على الرصد، كما أن الثورة تزامنت وإمكانيةَ المحمول على التصوير من الناحية التقنية، مؤكداً لأصوات مصرية أن من أهم تلك الأفلام"الطيب والشرس والسياسي" الذي اشترك في مهرجان فينيسيا 2012، وفيلم "الميدان" لجيهان نجيم. يعرج الشناوي على الأفلام الروائية قائلا "بعضها أحيل لنكتة مثل (توك توك بوم) و(حظ سعيد)، و(صرخة نملة)، أما الأفلام الدرامية كان منها (18 يوم) الذي يقدم 10 أفلام قصير لعدد من صناع السينما المصرية، ورغم أنه جال مهرجانات عدة، لكنه حتى اليوم لم يعرض ولا أعتقد أنه سيعرض محلياً".
يضيف الشناوي "دخول السينمائيين في عمل روائي متعلق بـ25 يناير يحتاج مزيداً من الوقت لأن الحقائق والظرف الزمني في تغير مستمر، ما يجعل رصد الثورة حتى هذه اللحظة أمرا ليس بالسهل، خاصة أن الشارع المصري منقسم، والثورة لم تحقق أهدافها بعد" .
وأشار إلى تغيّر المستوى المعيشي بعد الثورة خاصة الطبقة المتوسط التي تعاني التهميش خلال السنوات الأخيرة، كما أن القلقلة الاقتصادية وتعويم الجنيه زاد في تآكلها، "الطبقة المتوسطة هي عادة التي تحمي الثقافة والفن وهي المناصر الدائم للإبداع، وتآكلها يجعل الظرف الحالي غير مناسب لتقديم صورة سينمائية حيادية ومتقنة".