سد النهضة.. "المفاجأة" الإثيوبية تربك التنسيق المصري السوداني (2-3)

السبت 26-12-2015 PM 02:40
سد النهضة..

أعمال إنشاء سد النهضة الإثيوبي -16 مارس 2014 -رويترز

كتب

كتب: محمد السليمي

خرج الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري في مصر في 30 مارس 2011 متزامنا مع انتهاء اليوم الأول لجلسات الحوار الوطني للمياه برئاسة حسن العطيفي وزير الموارد المائية والري آنذاك وكأنما يؤشر إلى تأثر تعامل مصر مع ملف المياه بالأحداث الملتهبة عقب ثورة يناير 2011.

وردا على صدور الإعلان الدستوري، أعلنت الجبهة الوطنية للتغيير وست حركات سياسية تنظيم مليونية في ميدان التحرير في مايو أطلق عليها "جمعة انقاذ الثورة" في حين عقد وزير الموارد المائية والطاقة الإثيوبي اليماهو تيجنو مؤتمراً صحفياً عالميا في العاصمة الأثيوبية "أديس أبابا"، أعلن خلاله رسميا استعداد حكومة بلاده لإنشاء "سد الألفية العظيم" بالقرب من الحدود "الإثيوبية - السودانية" على "النيل الأزرق"، وقال إنه سيرفع إنتاج الطاقة الكهرومائية في البلاد إلى 10 آلاف ميجاوات.

وفى خضم الأحداث الداخلية المتلاحقة التي كان الرأى العام في الداخل يهتز لها، عقب قيام ثورة يناير، لم يكن هناك متسع من الوقت لدى الدولة المصرية أو النخبة والحركات السياسية لاتخاذ رد فعل سريع تجاه مفاجأة اثيوبيا بالإعلان عن إنشاء أكبر سد في أفريقيا، والعاشر عالمياً على حد قول تيجنو في المؤتمر الصحفى.

وعقب وضع حجر الأساس للسد في الثانى من أبريل، قام وفد رسمي مصري يرافقه وفد الدبلوماسية الشعبية بزيارة إثيوبيا في بداية مايو من نفس العام حيث التقى برئيس الوزراء الإثيوبي الراحل مليس زيناوى.

وتم إخطارهم شفهيا بأمر السد، واتفق د. عصام شرف رئيس الوزراء وقتها مع نظيره الإثيوبي على تشكيل لجنة ثلاثية من إثيوبيا ومصر والسودان للتوافق على سد النهضة.

ووعد زيناوي بالانتظار لحين انتخاب رئيس جديد لمصر قبل التصديق على اتفاقية عنتيبي الإطارية التي وقعتها خمس من دول منابع النيل في عنتيبي بأوغندا في العاشر من مايو لتضع إطارا قانونيا للتعامل مع مياه النهر لا يعترف بالاتفاقات التاريخية التي تحكم علاقة دول النيل.

لكن بعد ذلك بنحو عامين، صدق البرلمان الإثيوبي على الاتفاقية في يونيو 2013، وهو ما عارضته مصر، مجددة رفضها للاتفاقية بشكلها الحالي حيث تعتبر مصر والسودان أن الاتفاقية تلغى مبدأ الإخطار المسبق لإقامة مشروعات على النيل، بالإضافة إلى العديد من النقاط العالقة منذ مؤتمر شرم الشيخ 2010 والذي تم فيه الاتفاق على رفع الخلافات لرؤساء الدول للتوافق عليها.

السد يقام على أرض سودانية أصلا

قال أحمد المفتي، مستشار وزارة الموارد المائية والكهرباء السودانية السابق، وعضو اللجنة الدولية لتقييم دراسات سد النهضة، إن إثيوبيا لم تخبر مصر أو السودان بنيتها تشييد سد النهضة، ورغم العلاقات الجيدة لأديس أبابا مع الحكومة السودانية إلا أن السودان فوجيء مثل مصر بالإعلان عن السد.

وأضاف أن البرلمان الأثيوبي أيضا لم يعلم بموعد وضع حجر الأساس، وفوجيء الرأي العام في الدول الثلاث بزيناوي يضع حجر الأساس في موقع السد في إقليم بني شنقول الذي يعد أحد مقاطعات السودان التي تم الاستغناء عنها وفقاً لإتفاقية 1902، مقابل عدم إقامة أي من السدود في المنطقة. ويعد امبراطور إثيوبيا بموجب تلك الاتفاقية بعدم بناء أو السماح ببناء أي أعمال على النيل الأزرق وبحيرة تانا أو نهر السوباط.

وقال المفتي إن اثيوبيا أقدمت على تصرف لم يحدث من قبل وأخلت بمبدأ الأخطار المسبق الذي تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، والتي تنظم التعاون عبر الأنهار المشتركة بين الدول قبل الشروع في إقامة السدود، وهو ما حدث عند إنشاء سد "مروي" على نهر عطبرة في السودان، حيث أخطرت السودان مصر بإنشاء السد.

إخطار غير قانوني

وأشار إلى أن الحكومة الإثيوبية تعاقدت بالأمر المباشر مع شركة المقاولات الإيطالية "ساليني" حفاظاً على سرية المشروع. وتم البدء في الإنشاءات في مايو 2011، حيث تم إخطار مصر بشكل غير قانوني خلال زيارة رئيس الوزراء المصري عصام شرف إلى العاصمة أديس أبابا، وذلك بشكل متعمد، في محاولة لتجنب الوقوع تحت طائلة القانون الدولي التي تستلزم عدم البدء في التنفيذ قبل استصدار الموافقة القانونية حسب مبدأ الإخطار المسبق.

وفيما يتعلق بالسودان، قال المفتي إنه تم إخطار السودان بالمشروع بعد البدء في إجراءات تنفيذه وعقب إخطار مصر غير الرسمي، حيث اكتفت إثيوبيا بإرسال دعوة للسودان لمعاينة السد، وهو ما قام به وفد من الخبراء السودانيين من وزارة الموارد المائية والكهرباء.

وقال المفتي إنه تقدم باستقالته من وزارة الموارد المائية والكهرباء، والتي كان يعمل بها كمستشار قانوني بسبب المسار الخاطئ الذي اتبعته كل من مصر والسودان في المفاوضات وهو اتباع المسار الفني فقط، من خلال تشكيل لجنة دولية لتقييم السد، في إغفال للحقوق التاريخية والمكتسبة للبلدين في مياه النيل بموجب الاتفاقات الدولية، مشدداً على أن ما يحدث الآن من خلافات وفشل في التوصل إلى حلول للأزمة يعود إلى اتباع ذلك المسار والذي لن تصل فيه الدول الثلاث إلى توافق حيث كان من الضروري المطالبة فوراً بوقف انشاء السد قبل البدء في أي مفاوضات، والتمسك بهذا المطلب حتى آخر لحظة كي لا يتم منح إثيوبيا أي مشروعية تستخدمها أمام العالم.

افتتاح المرحلة الأولى

وأضاف المفتي أنه بالرغم من مرور أربعة أعوام من الجدل لم يتم التوصل إلى حل يحسم الخلاف، والسد ارتفع حتى 48% من تصميمه المقرر، وأعلنت إثيوبيا نيتها افتتاح المرحلة الأولى منتصف العام المقبل، ورغم ذلك فلا تزال المباحثات الفنية تبحث عن آثار السد السلبية على البلدين مصر والسودان، وهو أمر متوقع وسوف تفشل كل المفاوضات المقبلة لأن المسار من بدايته خاطئ.

وقال إن اثيوبيا تطبق استراتيجية مدروسة بدفع مصر والسودان إلى المسار الفني، مما تسبب في تحقيق 50% من الأهداف، بسبب بداية خاطئة بنسبة 100% للمحادثات وبدون مبرر بموافقة الدولتين على الدخول في المفاوضات الفنية، بدلا من الإطار القانوني.

وأشار إلى أن كل دول حوض النيل كانت تتوقع أن تتفاوض مصر من منطلق المسار القانوني بما لديها وتمتلكه من خبرات قانونية، لكن فوجيء الجميع بقبول مصر المسار الفني والدخول في تفاصيل فنية لا نهاية لها تسببت فيما نحن فيه الآن.

وقال إنه لا يوجد ما يمنع أن تسلك مصر والسودان المسار القانوني من خلال المؤسسات الدولية، مما سيقوي الموقف التفاوضي للبلدين خلال المباحثات لتنتهي باتفاقية دولية تضمن السيطرة على إدارة السد بنظام مشترك وتتضمن الاعتراف بالأمن المائي للدول الثلاث.

مشروع زراعي عملاق

 من جانبه قال عاصم فتح الرحمن الحاج، الباحث في مركز المستقبل للدراسات السياسية التابع لرئاسة الجمهورية السودانية، إن إثيوبيا تسعى من وراء انشاء السد لتوفير الاحتياجات من الطاقة، لأقاليم غرب إثيوبيا، وكذلك لمشروع زراعي ضخم يعد الأكبر في أفريقيا في مناطق القلابات والقضارف الخصبة في جنوب غرب السودان بجوار الحدود "الأثيوبية السودانية"، وعلى مقربة من إمدادات الكهرباء المنتظرة من السد.

وأضاف أن المشروع سيسهم في كبح التذمر بالمنطقة التي تعد من أفقر المناطق في أفريقيا وتجنب خلافات حدودية بين البلدين بسبب عبور قبائل إثيوبية للحدود لزراعة تلك المناطق خلال فصل الخريف، وهو أمر يثير بين الحين والآخر خلافات كادت تصل إلى حروب خلال العقود الماضية.

وأوضح فتح الرحمن أن البلدين اتفقا الشهر الماضي على زراعة الأرض وإمدادها بـ"رية تكميلية" عبر قنوات مائية من روافد نهر الرهد وبعض روافد النيل الأزرق خلال فصلي الصيف والربيع، للحفاظ على استدامة المشروع، كما اتفق زعيما البلدين على أن يتم توفير الكهرباء المولدة من السد للسودان بأسعار تفضيلية، لكن الاتفاق لم يوقع بعد وتدرسه الجهات المعنية.

تعهدات غير موثوق بها

وقال وكيل وزارة الكهرباء والرى السودانية السابق، المهندس حيدر يوسف، إن تعهدات إثيوبيا جميعها، غير موثوق بها، بما فيها مد السودان بالكهرباء بأسعار تفضيلية وزراعة الأراضي السودانية بنظام المشاركة.

وحذر يوسف من إمكانية التراجع عن الوعود والاتفاقات في حالة وصول المعارضة الأثيوبية للحكم، مشيرا إلى عدم اعتراف حكومة زيناوى السابقة والحكومة الحالية بإتفاقية 1902 التي تعهد فيها إمبراطور إثيوبيا منليك الثاني بعدم إقامة أي منشآت على النيل الأزرق مقابل الاعتراف بولايته على منطقة بني شنقول موقع السد الحالي.

مقارنة مع كامب ديفيد

السفير الإثيوبي في السودان عبادي زومي، قال في دراسة نشرتها فصلية دراسات المستقبل الصادرة عن مركز دراسات المستقبل بالخرطوم في ديسمبر الماضي إن فوائد سد النهضة ليست لإثيوبيا والسودان ومصر فقط، ولكن لأقطار كثيرة، باعتباره واحدا من عدة مشروعات تسعى إثيوبيا من خلالها لتنفيذ استراتيجية للاقتصاد الأخضر وتشمل آلية لتنمية الطاقة من خلال المياه.

وأشار إلى توقعات صندوق النقد الدولى بأن يصل معدل النمو الاقتصادي لإثيوبيا إلى 8% خلال السنوات القليلة القادمة.

وأكد زومي أن شركة ساليني الإيطالية أجرت دراسة لسد النهضة عام 2008، وتم تحديثها من قبل الولايات المتحدة عام 2009. وأضاف أن تكلفة السد تبلغ 4.8 مليار دولار لم تأت من الخارج وإنما من إصدار سندات للشعب الإثيوبي، وساهمت الصين في تغطية الجانب الميكانيكي للسد.

مفاوضات سرية

وفيما يتعلق بإنتاج السد من الطاقة أكد زومى، أن السودان تفاوض لتلقي 100 ميجاوات لمد منطقة القضارف الحدودية بالكهرباء، وسيتبع ذلك 600 ميجاوات في المستقبل، كما طالبت جيبوتى بتلقى 500 ميجاوات سوف تزيد إلى 600 في المستقبل، أما كينيا فعرضت شراء 400 ميجاوات.

وتطرق السفير في دراسته إلى العلاقة بين إثيوبيا ومصر، موضحاً أنه منذ عام 1875 فقد فشلت الدولتان تاريخياً في العمل لمصلحتهما المشتركة، ليس بسبب المياه فقط ولكن بسبب طموحات أخرى على حد قوله.

وأشار إلى أن العلاقة بين الدولتين لم تكن جيدة منذ 50 عاماً مضت وشابها الكثير من الشد والجذب وكان النيل سبباً من الأسباب إلى جانب عدم قيام مصر بدور لمساعدة إثيوبيا لتنعم بالسلام، على حد قوله.

وقال ان العدو الأكبر للمنطقة هو الفقر الذي يجب محاربته والعيش في سلام مع باقى دول المنطقة.

وفيما يتعلق بإسرائيل قال "إن إثيوبيا لم تتلق سنتاً واحدا من إسرائيل لبناء السد، لأن خطة تطوير إثيوبيا لا تقوم على حساب الإساءة لمصر والسودان، ولا إحضار أي قوة يمكنها أن تهدد دولة أخرى.

وقال انه لا داعى للتباكي بعد مرور كل هذا الوقت واستشارة مصر طالما لا تريد الاستماع، متسائلاً: هل استشارونا حينما وقعوا اتفاقية السلام مع إسرائيل؟

شعوذة سياسية

وقال هاني رسلان نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية إن مقارنة اتفاقية كامب ديفيد ببناء سد النهضة نوع من "الشعوذه السياسية" لا يجوز النطق به لأنه من صميم إدارة الشأن الداخلي للدولة المصرية وإثيوبيا ليست طرفا في الصراع مع إسرائيل.

وأضاف أنه بهذا المنظور لا يجب على إثيوبيا مثلا أن تقر الدستور الإثيوبي الصادر عام 1994 دون استشارة مصر، وعليها أن تتنازل عن إقليمي أوجادين الصومالي وبنى شنقول لأنهما ليسا جزءا من إثيوبيا وأن تتوقف عن قمع وقتل شعب الأورومو لأن الأورمو يعتبرون أنفسهم تحت الهيمنة والاستغلال والاحتلال التجراوي (الحزب الحاكم في إثيوبيا).

السودان يتقارب مع إثيوبيا

وأشار إلى أن السودان، يتقارب مع إثيوبيا ضد مصر للخلاف الأيديولوجى بين البلدين عقب قيام ثورة يونيو 2013 وإقصاء تيار الإخوان المسلمين من الحكم، وهو التيار الذي يعد حزب المؤتمر الحاكم في السودان أحد روافده.

وقال إن شراء السودان للكهرباء يعد اعترافا بالسد وتخليا عن مبدأ الإخطار المسبق المتفق عليه دوليا.

موضوعات متعلقة:

سد النهضة "قمة الأزمة" في قرنين من الصراع على النيل (1-3)

تعليقات الفيسبوك