أحدث الأخبار
في إطار ادراك الحكومة المصرية لخطر الإسلام المتشدد وحربها مع الإسلاميين على مدى سنوات يبين الاقتراح البرلماني بحظر نقاب المرأة في المؤسسات الحكومية والأماكن العامة أن زعماء مصر يضغطون من أجل الاعتدال والتحديث لكن الأمر لا يخلو من مخاطر حسبما يرى تقرير بموقع فيدراليست الأمريكي.
وقال التقرير إن الاقتراح علامة على أن زعماء مصر يريدون ابعاد البلاد عن تفسيرات الاسلاميين والأصوليين للإسلام. وأضاف أن الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي حث على تحديث الاسلام ورفض النزعات الأصولية والمتطرفة ربما لا يحاول أن يقود ثورة دينية لكنه يحاول دفع البلاد تجاه النموذج التركي لدولة علمانية يمثل المسلمون أغلبية سكانها.
والسؤال الذي يثيره ذلك هو ما إن كان الشعب المصري –بعد خمس سنوات على الربيع العربي والإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك- يريد أن تروج حكومته لرؤية أكثر اعتدالا للإسلام؟
وللوهلة الأولى تبدو الإجابة "نعم". واعتبر الربيع العربي رفضا لرئاسة مبارك التي امتدت 30 عاما وكفاحا من أجل انتخابات ديمقراطية. وهللت وسائل الإعلام الغربية للمحتجين الشبان كجيل يطالب بالحرية ويتبنى الديمقراطية الغربية. وبرزت في ذلك الوقت حقيقة أن الرجال والنساء وحدوا صفوفهم في الاحتجاجات على قدم المساواة في بلد ليس هذا هو الوضع الراهن فيه.
لكن حين حصل الشعب المصري على فرصة لانتخاب حكومة جديدة، اختار زعيما من الإخوان المسلمين بانتخاب محمد مرسي وأفادت نساء بأنهن سرعان ما أبعدن من الحركة. وكشف اختيار المصريين للرئيس أن الربيع العربي، في مصر على الأقل، لم يكن صرخة عالمية لأجل الحرية. وكان جزء من ذلك الرفض لمبارك دحضا للدولة العلمانية التي أدارها ولملاحقته لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يفعله السيسي أيضا. ويشير ذلك إلى أن كثيرا من المصريين لديهم ميل أصولي قوي حتى وإن لم يكونوا متطرفين، وهو ما يظهر في الاستطلاعات.
وذكر التقرير أن استطلاعا أجراه مركز بيو الأمريكي للأبحاث أظهر أن 74 في المئة من المصريين يعتقدون أن الشريعة يجب أن تكون هي القانون المطبق. ولا يعني ذلك بالضرورة أنهم يدعون إلى تفسير متزمت للشريعة. وعلى أي حال، يظهر الاستطلاع أن أغلب الناس في الدول ذات الأغلبية المسلمة لهم نفس الموقف. لكن 81 في المئة من المصريين يعتقدون أن من الملائم تطبيق حد الرجم كعقوبة للزنا، وقال 86 في المئة إنه يجب قتل من يرتدون عن الإسلام. وفي المقابل كانت النسب 44 في المئة و29 في المئة على التوالي في حالة التونسيين الذين عبروا عن تأييدهم لتطبيق الشريعة.
وبخصوص الحجاب، أظهر استطلاع أجري عام 2014 أن 96 في المئة من المصريين يعتقدون أن المرأة يجب أن تغطي شعرها بطريقة أو أخرى سواء بالنقاب الكامل أو بشكل أخف. واعتبر 73 في المئة أن الأنسب للمرأة أن تغطي كل شعرها وأذنيها. واختار 1% فقط النقاب الكامل رغم أن تسعة في المئة آخرين اختاروا غطاء مشابها للرأس يسمح بظهور العينين.
لكن اللافت أنه في تونس، البلد الأكثر تحررا والذي كان مهد الربيع العربي، قال 85 في المئة من المشاركين في الاستطلاع إن المرأة يجب أن تغطي شعرها بطريقة ما. ورغم ذلك يعتقد 56 في المئة أنها يجب أن تتخذ هذا القرار بنفسها مقابل 14 في المئة فقط في مصر يعتقدون أن الأمر يجب أن يكون راجعا للمرأة. وأظهر استطلاع آخر لمركز بيو أن النسبة لدى التونسيين تبلغ 89 في المئة مقابل 46 لدى المصريين، وهو ما لا يزال فارقا مذهلا. ويكشف ذلك، أكثر من كونها استطلاعات عما إن كان يجب على المرأة ارتداء الحجاب، المواقف التقييدية التي يتبناها كثير من المصريين بشأن الحجاب. وإضافة إلى ذلك، أظهر استطلاع آخر لمركز بيو أن 22 في المئة فقط من المصريين يعتقدون أن المرأة يجب أن تكون بيدها العصمة أثناء الزواج بما يتيح لها تطليق زوجها بالمقارنة مع 81 في المئة من التونسيين. ويكشف ذلك أن المصريين ينتمون بصورة ساحقة إلى الجانب التقليدي للمعايير الاسلامية.
وقال التقرير إن زعماء مصر يحاولون توجيه البلاد نحو تفسيرات معتدلة للإسلام. لكن إذا لم يكن الناس يؤيدون ذلك التحرك فقد يؤدي إلى صراع . وقد يثير رد فعل من الأصوليين في مصر يؤدي إلى إطاحة أخرى بالسلطة، وقد لا يكون ذلك من خلال عملية سلمية وقد لا يؤدي إلى بلد مستقر. لكن على الأقل، سيواصل تغذية الإسلاميين المصريين بالوقود في حربهم إلى جانب تنظيم داعش.
وتعتبر الحكومة المصرية عمليات جماعة ولاية سيناء التابعة لتنظيم داعش تمردا إسلاميا. ويتشابه الوضع مع ما حدث في تونس الأكثر تقدمية. وقد استطاع ذلك البلد اجتياز الربيع العربي بانتخابات نزيهة وعنف محدود. وهي عادة دولة معتدلة وليبرالية بخصوص قوانينها الدينية. لكن التونسيين رأوا نفسهم يتحولون إلى المورد الأول للمقاتلين الأجانب في داعش. فهل يرجع ذلك إلى أن الجيوب التقييدية في المجتمع التونسي تقاوم ما يعتبرونه فشلا أخلاقيا للدولة؟ وهل يمكن أن يفعل المصريون نفس الشيء؟
ويستخدم المشرعون المصريون النقاب كمعيار للنقاشات بشأن الأصولية في مواجهة الإسلام المعتدل. ويدرك السيسي وكثيرون في البرلمان الخطر الذي تمثله الأصولية على البلاد وعلى قبضتهم على السلطة. لكن إذا لم يلزموا الحذر فقد ينتهي بهم الأمر إلى مزيد من دفع الناس تجاهها. ويمكن أن تكون مصر الدولة التالية التي تشتعل في الشرق الأوسط.