أحدث الأخبار
"تبقى في إيدك وتقسم لغيرك" مثل شعبي مصري لخص معاناة "أكثر من 46% من النساء العاملات اللاتي تعملن لدى أسرهن ولا تتقاضين أجرا مقابل عملهن".
هذه المعاناة التي تزداد يوما بعد الآخر، مسجلة 17 نقطة مئوية نسبة ارتفاع خلال 14 عاما، يرصدها كتاب أصدرته مؤسسة المرأة الجديدة تحت عنوان "عمل النساء في السوق بدون أجر .. العمل لدى الأسرة" وأعدته د. سلوى العنتري الباحثة الاقتصادية وقامت بالبحث الميداني الباحثة نفيسة الدسوقي.
والعمل غير المدفوع هو عمل لدى الأسرة في مشروعات صغيرة، أو في أراضي زراعية تمتلكها الأسرة لساعات طويلة بدون مقابل.
"أميات، فقيرات، يتركزن في صعيد مصر" .. سمات غلبت على النساء اللاتي تعملن بدون أجر، كما وصفتهن سلوى العنتري، موضحة "لم يكن لديهن خيار سوى القبول بهذا العمل نتيجة الثقافة السائدة التي ترفض فكرة خروج النساء للعمل بأجر".
وقالت "العمل لدى الأسرة بدون أجر يمثل الشكل الرئيسي لعمل النساء في الاقتصاد غير الرسمي"، موضحة أن نصيبه ارتفع من 29% في عام 1998 إلى 46.4% في عام 2012.
وأضافت "أما بالنسبة لعمل الرجال لدى الأسرة بدون أجر فيمثل نسبة متواضعة بلغت 13.2% في عام 1998، وتراجعت لتقتصر على 7.4% في عام 2012".
الصعيد أكثر استغلالا للنساء
وحسب الكتاب يتركز عمل النساء لدى الأسرة في الأقاليم وخاصة في صعيد مصر، الذي يستأثر بـ 62.7% من عمالة النساء لدى الأسرة بدون أجر، فيما يحتل الوجه البحري 35.4%، مقابل 1.9% للقاهرة الكبرى والإسكندرية وإقليم القناة مجتمعين.
وأوضحت سلوى العنتري، أن 54% من وظائف القطاع الخاص الرسمي في مصر تتركز بالمدن الكبرى، مقارنة بنسبة 5% فقط في المناطق الريفية بالوجه القبلي وفق تقارير البنك الدولي.
كان للنساء المتزوجات النصيب الأكبر، حيث مثلن النسبة الغالبة من النساء العاملات لدى الأسرة بدون أجر، وتبلغ تلك النسبة 88.4% في الريف و76.1% في الحضر.
وأوضح الكتاب أن صاحب العمل في الغالبية العظمى من الحالات هو الزوج نفسه.
وتقع غالبية النساء العاملات لدى الأسرة بدون أجر (76%) في الشريحة العمرية من 20 إلى 49 عاما، وتتراجع النسبة في الشرائح العمرية الأعلى بحيث لا تتجاوز 3% في الشريحة العمرية 60 إلى 64 عاما.
تراجع طبيعي
ورأت سلوى العنتري أن هذه النسب تعكس تراجع طبيعي في القدرات الجسدية والصحية اللازمة للعمل مع التقدم في السن بوجه عام، ليحل الأبناء ونساء الأسرة الأصغر سنا محل الأم أو الحماة في تحمل أعباء الأعمال التي تتم في نطاق الأسرة.
أما الحالة التعليمية للنساء العاملات لدى الأسرة بدون أجر فيتركز معظمهن في فئة الأميات، سواء تعلق الأمر بالريف 63.9% أو الحضر 58.7%.
البديل
ويعتبر العمل لدى الأسرة بدون أجر هو البديل المتاح للأميات، لكن المثير للاهتمام أن نسبة من العاملات لدى الأسرة بدون أجر تتمثل في الحاصلات على مؤهل متوسط 18.4% في الريف و21.7% في الحضر. وعلى الرغم من امتداد الظاهرة لتشمل بعض النساء الجامعيات إلا أن نسبتهن لا تتجاوز 0.9% في الريف و2.2% في الحضر.
وعلى صعيد آخر تتركز النساء العاملات لدى الأسرة بدون أجر في الشرائح الدنيا لمستويات الثروة في مصر، أي أن الغالبية العظمى منهن ينتمين إلى طبقة الفقراء بنسبة 63.9% في الريف و71.7% في الحضر، والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة بنسبة 24.9% في الريف و13.1% في الحضر.
ويمثل النشاط الزراعي المجال الرئيسي لعمل النساء في السوق لدى الأسرة بدون أجر بنسبة تصل إلى 83.7%، يليه بفارق كبير تجارة التجزئة 12.4%، أما النشاط الصناعي فلا يستوعب إلا 3.1% فقط من تلك العمالة، ويتمثل أساسا في صناعة الخشب ومنتجاته، وصناعة الجلد ومنتجاته والملابس الجاهزة والمنتجات الغذائية، والنسبة الباقية "0.8%" تتوزع في خدمات الغذاء والمشروبات والأنشطة القانونية والمحاسبية والتعليم والأنشطة الإدارية.
مجرد "نفر"
تمارس النساء العاملات لدى الأسرة بدون أجر عملهن باعتبارهن "مجرد نفر" وليس كشريكات في ملكية المشروع الأسري، فلا تتجاوز نسبة من يتطلب عملهن الإشراف على الآخرين 2.2% في الحضر و1.4% في الريف، بل إنهن في واقع الأمر يمثلن البديل الذي تستخدمه الأسرة توفيرا لتكلفة عامل بأجر.
تعتبر شروط عمل النساء العاملات لدى الأسرة بدون أجر أسوأ من العاملات بأجر في المجال غير الرسمي، فيعملن ليلا بعد السابعة مساء، ولا يتمتعن بتأمين صحي وخدمات علاجية من خلال العمل.
وأرجعت الدراسة أسباب تركز ظاهرة عمل النساء لدى الأسرة بدون أجر في الأقاليم إلى افتقار شبكة الطرق ووسائل الانتقال الآمنة في حال توافر وظائف بأجر في المجال الرسمي تتطلب الانتقال لمسافات طويلة نسبيا.
فيشير أحد تقارير البنك الدولي إلى أن النساء اللائي يقمن على بعد 40 كيلو مترا من مركز المدن الكبرى يصل معدل توظيفهن في القطاع الخاص الرسمي إلى حوالي 16%، ولكن خارج هذا النطاق يهبط معدل التوظيف إلى 3% أو أقل.
أزمة خروج النساء
ويضاف إلى هذه العوامل فيما يتعلق بالصعيد بوجه خاص ما تؤكده العديد من الدراسات الميدانية من رفض فكرة خروج المرأة للعمل بأجر، في إطار منظومة القيم السائدة، إلا إذا تعلق الأمر بوظائف تحظى بالوجاهة الاجتماعية -وظائف حكومية أو مؤسسات كبيرة- وفيما عدا ذلك فإما العمل لدى الأسرة أو لا عمل.
وأوضحت الدراسة أن بعض النساء وجدن غرابة، في الرد على التساؤلات الخاصة، (الهموم، الحقوق، الأحلام، المستقبل)، فكن يجبن "حقي، يعني أيه حقي؟"، وينتقلن إلى الحديث عن حقوق أبنائهن، ونسبة قليلة أشارت إلى حقها في السكن، وأخرى إلى حقها في التعليم، وثالثة أشارت، إلى حقها في العمل، خارج الأسرة.
هذا وعبرت غالبية النساء المتزوجات، عن أن حلمهن يتجسد في مستقبل أبنائهن، فلا يجدن لأنفسهن مستقبلا.