أحدث الأخبار
في أحداث الفتنة.. الافلات من العقاب سيد الموقف وكل الجناة براءة
قس طِهنا للمسؤولين: حراستكم للكنيسة وهمية ووقت الكوارث أنتم أول الهاربين
أقباط الجبل يطالبون بإقالة المحافظ ويتهمون عمدتها بتوجهات اخوانية
حذرون حد التشكك، خائفون حد رفضهم الحديث بشأن الحادث، إلا بعد الذهاب واستئذان الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وقرقاص، رغم بُعد مكانه عن القرية ثلاثة عشر كيلومترا تقريباً.
ورغم الرفض المبدئي للتحدث، عج المشهد بالراغبين في الكلام عن الحادث من الأقباط بعد حصولهم على موافقة الأنباء مكاريوس.. هكذا كان المشهد بقرية طِهنا الجبل محافظة المنيا التي تئن تحت جراح فتنة طائفية جديدة.
الأحد الماضي أمست القرية على حادث مقتل شاب وإصابة ثلاثة آخرين جميعهم من الاقباط، بيد مسلمين.
ويبلغ عدد سكان محافظة المنيا بحسب مسح لوزارة الإسكان مطلع العام الماضي 5 ملايين و165 ألف نسمه بينهم نسبة 30% أقباط بحسب إحصائيات كنسية.
الحوادث الطائفية المتكررة تأتي في سياق سلسلة كاشفة، وليست منشئة، لحالة من التوتر الطائفي، تتصاعد يوماً بعد يوم خاصة في المنيا، والتي كان لها نصيب الأسد من تلك الفتن حد وقوع أربعة منها في أقل من شهرين .
"أصوات مصرية" زارت القرية، بحثا عن الأسباب الحقيقية لما يحدث في المنيا، ومعالجة المسألة بعيدا عن دفن الرؤوس في الرمال على طريقة النعامة، وسعيا لحل جذري، بدلا من إغلاق الجراح على ما فيها من صديد.
الفتنة كما وقعت
"بوتيرة متسارعة تطورت الأحداث من اشتباكات بين أطفال، الى فتنة راح ضحيتها قرة عين لنا"، هكذا بدأ متاوس نجيب قس كنيسة طهنا الجبل سرد أحداث الفتنة. وقال "بدأ الحادث في السادسة عصراً بسبب تطاول بعض المارة من المسلمين على نجلي وسبه بأمه." وأضاف "نهيتهم عن ذلك.. لكن بعد قليل تجمع أربعة من الشباب يحملون الهراوات ونصفهم الأعلى شبه عار تعدوا علينا بالزجاج والحجارة."
وقال إنه "في إطار جهودنا لحملهم على الإنصراف بأمان هاتفتُ عمدة القرية أكثر من مرة، إلا أن هاتفه لم يكن متاحاً، كذلك هاتفت عم الشاب المُعتَدِي والذي تربطني به علاقة جيدة، واثناء ذلك تطور الأمر، ليجمع الشباب المسلم مزيدا من أصحابهم ويعتدوا علينا بالاسلحة البيضاء ويقتلوا الشاب فام غدراً بطعنة في القلب ،اثناء قدومه للكنيسة بعد سماعه نبأ الاعتداء علينا."
ويتابع القس "هاتفتُ النجدة خمس مرات، لتأتي إجاباتهم بالاستنكار وكأنهم ولأول مرة يسمعون فيها بوجود أقباط بالقرية، وبعد مرور ساعة أتى رئيس النقطة لكنه تخاذل في إثبات الحالة، من تكسير الباب والاعتداء على السيدات، كما لم يعط أوامر مباشرة بالقبض على الجناة، كل هذا في غياب تام لعمدة القرية والذي قام بغلق هاتفه وإلى الآن لم نستطع التواصل معه."
يؤكد الرواية كيرولس ماري خلف الأخ الاكبر للضحية فام. ويقول "قام بواجب العزاء جميع الاقباط من القرى المجاورة، ورغم أن قريتنا تضم أكثر من ثمانية آلاف مسلم، لم يؤد واجب العزاء الا قرابة ثمانية من المسلمين ممن تربطنا بهم علاقة جيدة."
تواطؤ وتطرف
"الله في السماء وسيدنا مكاريوس في الأرض"، جملة قالها أحد من أتوا لمقابلة الأنبا مكاريوس، تبين مكانته لدى المسيحيين، ودوره أيضا الذي يشمل فعل الخير وتقديم المساعدات والنصح والمشورة وأخذ حق دماء أهدرتها الكراهية ومنازل وكنائس هدمها التطرف.
في مكتبه الفسيح في مدينة المنيا جلس الأنبا مكاريوس أسقف كنيسة المنيا وقرقاص، وبهدوء الربانيين تحدث قائلا "لعب عيال أدى لفتنة. كان الحادث يمكن أن يمر بهدوء لولا وجود مناخ طائفي واحتقان، زاده تواطؤ أمني وفكر متطرف يحض على قتل الاقباط باعتبارهم كفارا."
وأضاف "مع تكرار الحوادث وافلات الجناة من العقوبة، تشجع أصحاب الفكر المغلوط على الاعتداءات، ولكن أليس من المفترض إعمال القانون، حتى مع جلسات الصلح، لأن الغرض منها، علاج البعد المجتمعي وليس بديلا عنه، نحن دولة ذات سيادة ومؤسسات، وعلى كل جهاز منها القيام بدوره، وكل دور العبادة هي ملك للدولة بغض النظر عن نوع المشكلة."
لماذا تتكرر الفتنة في المنيا؟
وعن الأسباب الحقيقية وراء تكرار الفتنة بالمنيا قال "التطرف وتقاعس بعض الأجهزة من قضاء وشرطة وأجهزة تنفيذية وقرارات سيادية، عن مواجهة المشاكل. وأضاف "هناك عدة سيناريوهات ساذجة لافلات الجناة من عقابهم، منها تشييع الجريمة بجعل التهمة عامة على كثيرين وبالنهاية يُفرج عنهم جميعاً، وأيضا الضغط على الاقباط، إما بالتنازل عن المحاضر المقامة والصلح، وإما السجن."
وقال "تحتاج المنيا الى إعادة نظر من الحكومة، ومواجهة التيارات المتشددة المروجة لافكار متطرفة. ما نحتاجه حقا هو تنوير ومراجعة وذلك يتم من خلال ستة محاور، التربية المنزلية، المناهج المقرر تدريسها، المدرس الذي يُدرس ذلك المنهج، الخطاب الديني، إستثمار الميديا، القرار السيادي، وبدون التنوير الذي يتم من خلال ما سبق يُعد القانون نصا جامدا."
وأضاف أن مشاكل المنيا "بعضها في التعليم، وفي مجال الصحة وتلقى العلاج، وتوفير فرص عمل، وتعتبر المنيا طاردة لشبابها رغم نجاحهم في مجالات عدة وهناك مشاهير ينتمون لها مثل طه حسين، مجدي يعقوب، ميرفت أمين وغيرهم، كذلك فإن أعظم حجر جيري في العالم يتوافر بها، وتعد ثالث أكبر منطقة أثرية في مصر."
وعن الحالة الاقتصادية يقول الأنبا مكاريوس "معظم الناس هنا يعيشون أسفل خط الفقر، ولدينا رؤوس أموال كبيرة. لكن بسبب القرارت المفاجئة وعدم الاستقرار، فمنهم من يُجمدها أو يستثمرها خارج مصر."
كل الجناة براءة
بدوره قال الأب فِيلُبس سكرتير عام الأنبا مكاريوس إن كل القضايا التي قتل فيها مسيحيون أخذ المسلمون فيها براءة، الحل في تفعيل دولة القانون، يوجد تحريض من السلفية لعدم بناء كنائس، بحجة ان ذلك يُعد ايذاء لمشاعر المسلمين، ووصل التطرف بالبعض حد حرق خمسة منازل، بسبب اشاعة تحويل أحد المنازل الى حضانة أطفال بحجة أنها مصدر للتبشير والتأثير على الأطفال وتلاوة الترانيم المسيحية عليهم .
وعن الجلسات العرفية يقول "هي سبب كل المشاكل وباستمرار تأتي على الطرف المسيحي باعتباره الأضعف، ولذا مؤخرا رفضنا اللجوء لها في أحداث الكرم ولجأنا الى القانون" مشيراً الى أن المنيا بها أكبر تجمع مسيحي يمثل 30% من نسبة السكان، وفقا لاحصائيات الكنيسة .
حراسة وهمية ومطالب بالتطهير
طالب متاوس نجيب قس كنيسة ماري مينا طهنا الجبل بإقالة اللواء طارق نصر محافظ المنيا.
وقال "تعددت شكاوي غالبية القري المجاورة من عمدة القرية وخفيره لكن دون مجيب".
ويدلل القس نجيب على صحة كلامه بقوله "بعد مجيء الأمن ومنهم عبد الفتاح الشحات رئيس مباحث المنيا، وعدني بأن أي اتصال يرده مني سيجيب عليه في الحال، واتصلت به أمس ولم يرد عليَّ.
ووجه رسالة للرئيس عبد الفتاح السيسي بقوله "لقد تعبنا معك وكان أملنا فيك أكثر من ذلك، لا نريد توفير طعام نريد توفير أمان أنا مصري قبطي، وأتمنى الشعور بالمواطنة، جميع المسؤولين المحافظ ومدير الأمن او القيادات المحلية لهم ميول غير مصرية وأنت تعلم وهذا على مسؤوليتي الشخصية". وناشد الرئيس "تطهير المحافظة من الجماعات الارهابية المستغلة حاجة الناس بتوزيع الأموال عليهم" وقال "أتمنى أن ينظر مشايخنا الأفاضل للأمر ويظهروا حقيقة الدين التي تربينا عليها، فمنذ مولدي في أوائل السبعينات، ومن حينها والى منتصف الثمانينات كنت أجد والدي والتجار المسلمين يجلسون على (طبلية) واحدة، ولم تحدث تلك الفتن إلا بعد السماح للتيار الاسلامي بالتغلغل وسط الناس."
وتحدث القس متاوس عن "مشكلة التواجد الأمني في الوقت الذي تفرض فيه الدولة حراسة وهمية على الكنائس، تقتصر على نقل أخبارها الى المسؤولين دون حمايتها، والا لما وقعت كل تلك الاحداث الطائفية." ووجه تساؤلا إلى عمدة القرية قائلا "يا حضرة العمدة عندما علمت أن هناك كنيسة تُبنى هل بلغت الأمن أم نمت كعادتك؟ طبعا بلغت، ورغم ذلك عند حدوث المشاكل تكونون أنتم أول الهاربين. الكنيسة تنشرالمحبة والطاعة واكرام المسؤولين. تقول آية لدينا.. (الاكرام لمن له الاكرام، الخضوع لمن له الخضوع، اخضعوا للرئاسات والسلاطين لانها من الله).. ما الذي نعلمه في الكنيسة يجبركم على وضع حراسة".
حق الرد
قابل اللواء طارق نصر محافظ المنيا، سخونة الاحداث واتهامات الاقباط له بميول إخوانية والمطالبة بإقالته، بعدم اكتراث حد رفضه الحديث معنا. وبعد محاولات مضنية لمقابلته بمقر المحافظة، واصرار من مكتبه على المنع انتهي الأمر بإرسال ملحوظة مع أحد الموظفين تنص على أن "المشكلة جنائية والرد تختص به مديرية الأمن".
وبعد محاولات لمقابلة اللواء رضا طبلية مدير أمن المنيا أرسلتنا حراسة المديرية الى العلاقات العامة، والتي لم ترد على اتصالنا.