أحدث الأخبار
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة جاهدة لتقليص الإنفاق على أوجه الدعم السلعي المختلفة، شهد دعم المزارعين زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة، ومَثّل دعم محصولي القمح والسكر المكون الأكبر في قيمة هذا الدعم في موازنة العام المالي الجاري، الذي بدأ في مطلع الشهر الماضي.
فما هي الأسباب التي تدفع الحكومة للتوسع في دعم المزارعين وهي تكافح لتقليل عجز الموازنة؟ وهل تكفي تلك الزيادة لتخفيف الضغوط الواقعة على الفلاحين؟
وأفصحت الحكومة للمرة الأولى في موازنة العام المالي الجاري، 2016-2017، عن تفاصيل بنود دعم المزارعين، لتكشف عن استحواذ المبالغ الموجهة لشراء القمح المحلي على النصيب الأكبر من هذا الدعم، إذ بلغت 3.4 مليار جنيه من إجمالي 5.2 مليار جنيه.
لم يحدث انخفاض كبير في حجم واردات البلاد من القمح رغم زيادة اعتماد الحكومة على المحصول المحلي
وقال سعد نصار مستشار وزير الزراعة إن "دعم القمح له دور رئيسي في زيادة تكلفة بند دعم المزارعين، فالحكومة تحتاج لطرح سعر مغر لشراء المحصول المحلي حتى تحفز الفلاحين على زيادة الإنتاجية وتحقيق مستهدفاتها، بشراء 5 ملايين طن من احتياجاتها من داخل البلاد".
وبحسب بيانات تفصيلية عن بنود دعم المزارعين في موازنة العام المالي الماضي، حصلت عليها أصوات مصرية، فقد ارتفع دعم القمح خلال العام الجاري بنحو مليار جنيه مقارنة بالعام السابق.
زيادة أسعار التوريد
وفقا لبيانات وزارة التموين فإن الحكومة اشترت القمح بدرجة نظافة 23.5 قيراط، بسعر 420 جنيها، في موسمي محصول 2015 و2014.
وبدأت الحكومة في زيادة أسعار توريد القمح خلال عهد حكومة رئيس الوزراء هشام قنديل، عندما رفعت وزارة التموين سعر شراء القمح المحلي من 385 جنيها للأردب في موسم محصول 2012 إلى 400 جنيه للأردب في موسم 2013.
ويقول محمد معيط نائب وزير المالية للخزانة العامة إن "القمح سلعة استراتيجية ومن الطبيعي أن تزيد الحكومة من الدعم الموجه إليه للتشجيع على زيادة زراعته، وضمان توفير أكبر قدر منه عبر مصادر محلية".
وتعكس بيانات وزارة المالية ارتفاعا ملحوظا في إجمالي الدعم المخصص للمزارعين بالتزامن مع زيادة أسعار توريد القمح المحلي.
فحكومة الإخوان سعت لتخصيص 2.9 مليار جنيه لدعم المزارعين، في ظل تصريحات وزير التموين آنذاك عن رغبته في تدبير نصف احتياجات مصر من القمح عبر مصادر محلية، لكن الحكومة الجديدة التي تولت مقاليد البلاد مع بداية العام المالي الجديد، بعد الإطاحة بمرسي، أنفقت 626 مليون جنيه فقط من هذه المخصصات، وفقا لما يظهر في بيانات الحساب الختامي عن العام المالي 2013-2014 .
ويقول تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز، صدر عام 2013، إن زيادة الإخوان لأسعار توريد القمح كانت تستهدف تقليص وارداته للسيطرة على أزمة نقص العملة الصعبة، والتي بدأت تتفاقم منذ عام 2013 عندما انخفضت احتياطات النقد الأجنبي لمستوى وصفه البنك المركزي بالحد الأدنى والحرج.
واستمرت الحكومات التالية لأحداث 30 يونيو على نهج حكومة قنديل في تبني أسعار لتوريد القمح ترتفع عن مستوى 400 جنيه للأردب.
وتعكس بيانات توريد القمح المحلي لهيئة السلع التموينية، ذراع وزارة التموين للتعامل مع مزارعي القمح، نجاح سياسة الأسعار المرتفعة في رفع الكمية الموردة للحكومة، إذ ارتفعت من 3.7 مليون طن في موسم 2013 إلى نحو 5 ملايين طن في المواسم التالية.
واردات القمح لم تتراجع
لكن بيانات التجارة لا تعكس في المقابل انخفاضا كبيرا في حجم واردات البلاد من القمح، بالرغم من اعتماد الحكومة على المزراعين المحليين بشكل أكبر، حيث اقتصر التراجع في قيمة الواردات على نحو 200 مليون دولار بين عام 2014-2015 والعام السابق له، لتصل إلى نحو ملياري دولار وفقا لبيانات البنك المركزي.
وربما يفسر ذلك ما تقوله وزارة الزراعة الأمريكية في دراستها الصادرة عن مصر في العام الماضي، من أن الأسعار المرتفعة لشراء القمح شجعت تجارا محليين على استيراده من الخارج، وإعادة توريده للبلاد بعد خلطه بقمح محلي.
نحتاج لأن يصل سعر الأردب إلى 600 أو 700 جنيه حتى نضمن تحقيق أرباح جيدة
وسعت الحكومة لمواجهة هذا التحايل من خلال طرح نظام جديد لدعم المزارعين، في نوفمبر 2015، يقوم على تقديم دعم نقدي مباشر للمزارع بقيمة 1300 جنيه للفدان، ثم شراء القمح منه بالسعر العالمي.
لكن اتحادات الفلاحين اعترضت على هذا النظام الجديد لأنها وجدته غير مربح للفلاح، مما أجبر الحكومة على التراجع عنه، وفقا لتقرير وزارة الزراعة الأمريكية.
"أنا مش مغسل وضامن جنة" كما يقول معيط معلقا على تحايل التجار للاستفادة من دعم المزراعين، مشيرا إلى أن الدولة تدعم القمح لأن البلاد في حاجة له والمتحايلون يجب أن تتم معاقبتهم.
ولا تضمن الأسعار الحالية لتوريد القمح بالضرورة اتجاه المزارعين لزيادة المحصول حتى وإن كانت أعلى من الأسعار العالمية، لأن القمح يظل أقل ربحية من محاصيل أخرى تسوق محليا مثل القصب والحمص، كما يقول عاطف أمين، مزارع قمح في المنيا.
ويقول أمين إن ربحيته من فدان القمح تتراوح بين ألف جنيه وألف ونصف، هذا إذا نجحت عملية الزراعة بنسبة 100%، "نحتاج لأن يصل سعر الأردب إلى 600 أو 700 جنيه حتى نضمن تحقيق أرباح جيدة".
وارتفعت تكاليف الإنتاج في الفترة الأخيرة ويقول أمين إن هذا جعل مزارعي القمح تحت ضغط دائم "أسعار العمالة الزراعية ارتفعت، وتكلفة إيجار الجرار زادت في الفترة الأخيرة من 40 إلى 70 جنيها في الساعة".
زيادة تكلفة السكر المحلي
ويعد دعم قصب السكر ثاني أكبر البنود في موازنة دعم المزارعين، حيث تسعى الحكومة جاهدة للحفاظ على مستويات الأسعار التي تشتري بها القصب منهم، كنوع من المساندة الاجتماعية لهم في ظل الارتفاع المستمر في تكاليف الإنتاج.
ووصل سعر شراء الحكومة لطن قصب السكر خلال العام المالي 2015-2016 إلى نحو 400 جنيه للطن، وهو نفس السعر الذي كانت شركة السكر والصناعات التكاملية، التابعة للدولة، تشتري به في العام الماضي.
وتعتبر الشركة أن هذا السعر يمثل عبئا عليها في ظل انخفاض أسعار السكر عالميا، ومنافسة السكر المستورد للشركة الحكومية في السوق المحلي.
وتتحدث شركة الدلتا للسكر، إحدى شركات قطاع الأعمال العام، في تقرير جمعيتها العموميةعن عام 2015 بوصفه "من أصعب سنوات صناعة السكر في مصر".
فالشركة الحكومية تنتقد من جهة أسعار شراء القصب التي تفرضها عليها الحكومة، بوصفها مرتفعة عن المستويات العالمية، لكنها من جهة أخرى لا تنكر أن تلك الأسعار تحقق بالكاد دخلا منخفضا للمزارع المصري مما يصعب من تخفيضها عن المستويات الحالية.
وفي ظل الأسعار المرتفعة لشراء القصب من المزارعين ترتفع التكلفة النهائية لإنتاج الشركة الحكومية عن نظيره المستورد بنحو 1000 جنيه لكل طن، وفقا لبيانات الشركة.
ويقول عبد الحميد سلامة، رئيس شركة الدلتا للسكر، إن أسعار شراء كل من قصب وبنجر السكر محليا أعلى بنحو 50% من أسعار العالمية.
الدعم لا يكفي مع زيادة الأسعار
أما إبراهيم، مزارع قصب في قنا، فيقول "أنا اتحمل 250 جنيها في كل طن قصب تكلفة توصيله من الحقل إلى الشركة فقط، هذا بخلاف أسعار الأسمدة والكيماوي"، معبرا عن عدم رضاء العديد من المزراعين عن سعر شراء الشركات الحكومية لمحاصيلهم.
أسعار شراء القصب التي تفرضها الحكومة ترفع تكلفة إنتاج السكر، لكنها تحقق بالكاد دخلا منخفضا للمزارع المصري
ويرى كلا من إبراهيم وبدر، الذي يزرع القصب أيضا في نفس المحافظة، إن السعر العادل لشراء طن القصب يجب أن يكون في حدود 600 جنيه.
وبحسب تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية فإن زيادة تكاليف الوقود، التي حدثت في إطار خطة إعادة هيكلة الدعم بدءا من العام المالي 2014-2015، لعبت دورا رئيسيا في زيادة العبء على الفلاحين.
حيث يقول التقرير إن محصول قصب السكر يتطلب الاعتماد بشكل قوي على الجرارات في حصاده، لذلك ارتفعت تكاليف حصاد قصب السكر، فبعد أن كانت تتراوح بين 13 إلى 15 ألف جنيه للفدان الواحد، "وصلت لما بين 15.6 إلى 18 ألف جنيه".
وبذلك يتشارك الفلاحون والشركات الحكومية في تحمل ضغوط مالية، ولا يحقق أي منهم أرباحا كبيرة من وراء العمل في قطاع السكر، بالرغم من تقديم الدولة دعما مباشرا لهذا القطاع، تمثل في تخصيص مليار جنيه خلال العام الجاري لدعم المزارعين.
وبحسب البيانات التي تفصح عنها الدلتا للسكر للبورصة فقد تراجعت الأرباح الصافية للشركة في 2015 بنحو 86%، لتبلغ 27.9 مليون جنيه.
ويمثل الدعم الوارد في الموازنة لمزارعي القصب قيمة ما تسدده الدولة للمزارعين في سعر طن قصب السكر، إذ تدفع شركة السكر الحكومية 300 جنيه للطن وتضيف عليها وزارة التضامن 100 جنيه أخرى.
لكن سلامة لا ينكر إن تحولات في السوق العالمية بدأت تخفف وطأة المنافسة على الشركات المحلية في هذا القطاع، "أسعار المحاصيل لم تتغير ولكن سعر السكر كمنتج نهائي ارتفع عالميا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بحيث أصبح يزيد بنحو 1000 جنيه في الطن عن سعر المنتج المحلي".