أحدث الأخبار
- الحكومة تتخذ من صندوق النقد والبنك الدوليين ذريعة للتخلي عن واجباتها الاجتماعية
- توقعات بتعافي احتياطات النقد الأجنبي بعد قرض الصندوق في ظل "تعويم عنيف للجنيه"
- القرض يزيد من الأعبــاء التــي تقــع عــلى كاهــل المديونيــة الخارجيــة
"تسير حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي في نفس مسار حكومة الرئيس الأسبق، أنور الســادات بتطبيــق السياســات التحرريــة بشــكل صــادم، ولكنها تتخذ من صندوق النقد والبنك الدوليين ذريعة للتخلي عن واجباتها الاجتماعية"، حسبما يرى المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر المركز، في ورقة بحثية أصدرها اليوم الخميس، إن الحكومة الحالية تتخذ شروط المساعدات التي سيقدمها كل من صندوق النقد والبنك الدوليين ذريعة لتفكيك منظومة الدعم وشبكة الأمان الاجتماعي بشكل تدريجي.
وقالت الورقة، التي جاءت بعنوان "من التسعينيات إلى الآن.. قرض الصندوق وتكريس الأزمة"، إن هذه الشروط ستجعل الحكومة غير مسؤولة أمام الرأي العام عندما يشعر بالسخط ويبحث عن أحــد يلقــي عليــه باللائمة.
وتضيف سيكون المسؤول وقتها هــو المؤسســات الدوليــة التــي لا يمكــن للــرأي العــام أن يحاســبها مثلــما يفعــل مــع الحكومــة.
وفي أغسطس الماضي أعلن صندوق النقد الدولي عن الموافقة على مستوى الخبراء على منح مصر قرض بقيمة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات بواقع أربعة مليارات دولار سنويا، بعد موافقته على برنامج الإصلاح الاقتصادي التي تقدمته به الحكومة المصرية.
ورهن الصندوق موافقة مجلس إداراته على ذلك القرض بإمكانية تدبير مصر تمويل إضافي يتراوح بين 5 إلى 6 مليارات دولارات.
كما وقعت الحكومة المصرية العام الماضي على اتفاقية مع البنك الدولي للحصول على شريحة أولى قيمتها مليار دولار يتم صرفها دفعة واحدة من إجمالي قرض بثلاثة مليارات دولار.
واشتمل الاتفاق على تفاهمات بين الحكومة والبنك على تقليص ميزانية الأجور الحكومية ودعم الطاقة، وزيادة حصيلة الضرائب ورفع أسعار الكهرباء.
كما اتفقت مصر مع البنك الأفريقي للتنمية على قرض بقيمة 1.5 مليار دولار تصرف على 3 سنوات، لدعم الموازنة المصرية، تسلمت منهم 500 مليون دولار في يناير الماضي.
وتقول الورقة البحثية إن "حزمة الإنقاذ (قرض صندوق النقد والبنك الدوليين وقرض البنك الأفريقي للتنمية) ستزيد من الأعبــاء التــي تقــع عــلى كاهــل المديونيــة الخارجيــة لمصر، في ظل بلوغ الدين الخارجي حوالي 53 مليار دولار".
وأضافت أن قروض المؤسسات الدولية تأتي إلى جانب عقد اتفــاق قــرض مــع روســيا بقيمــة 25 مليــار دولار لبنــاء محطــة للطاقــة النوويــة.
ماذا حدث عندما لجأت مصر للصندوق في التسعينيات ؟
ترصد الورقة البحثية ما حدث بعد لجوء مصر لصندوق النقد والبنك الدوليين في عام 1991 لمساعدتها في إنقاذ الاقتصاد المتداعي.
وتقول إن مصر لجأت لهما بعدما ارتفع العجز المالي وعجز الميزان التجاري وتراكمت الديون الخارجية وتخطت 46 مليار دولار وهو ما كان يمثل وقتها 150% من الناتج المحلي الإجمالي.
"حزمة الإنقاذ ستزيد من الأعبــاء التــي تقــع عــلى كاهــل المديونيــة الخارجيــة لمصر"
وحصلت مصر حينها على مساعدات بقيمة 562 مليــون دولار، واضطــرت في المقابل تطبيق سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي.
ونتيجة هذه السياسات، اتخذت مصر قرارا بتحرير التجارة الخارجية ورفع القيود على التســعير والتحــول لنظــام تعويم سعر الصرف، بالإضافــة إلى تخفيــض فاتــورة الدعــم خاصــة دعــم الطاقــة وتخفيــض مــا تبقــى مــن دعــم الأســمدة والمبيــدات إلى النصــف.
وتوضح الورقة البحثية أن هذه الإجراءات شــملت أيضا برنامــج متصاعد لخصخصة الشركات العامة.
وأشار المركز إلى أن الدولة مقابل تلك السياسات التي تؤثر على الفئات الهشة مجتمعيا، أسست الصندوق الاجتماعي للتنميــة، لكنه مــع الوقــت أثبت عــدم فعاليتــه في حمايــة قطاعــات واســعة من تلك الفئات الهشة من آثار سياسات الصندوق والبنك الدوليين.
وبحسب المركز، فإن السياسات التي اتخذتها الدولة خلال هذه الفترة بشأن تحرير التجارة ســاهمت بشــكل مبــاشر في زيــادة عجــز الميــزان التجــاري.
كما أدى تخفيــض دعــم المبيدات والأسمدة وتدفق المنتجات الأجنبية الرخيصة للإضرار بالوضع التنافسي للعديــد مــن الصناعــات الوليــدة والمنتجــين الصغــار.
وبعد حصول مصر على مساعدات صندوق النقد والبنك الدوليين تراجع التضخم من 21% إلى 6.3% لكن البطالة ارتفعت من 9.5% إلى 11%، كما توضح الورقة البحثية.
واعتبر المركز أن حدوث تحسن في الوضع المالي لمصر في التسعينيات، لم يكن نتيجة السياسات التي اتخذتها بعد حصولها على هذه المساعدات ولكن كان نتيجة عملية إلغاء كبيرة للديون الخارجية كمكافأة لمصر على مشاركتها في حرب الخليج الأولى.
السياسات التي اتخذتها الدولة في التسعينيات ســاهمت بشــكل مبــاشر في زيــادة عجــز الميــزان التجــاري
وتقول الورقة البحثية إن صندوق النقد من خلال مؤشراته المالية ينشد تعافي لحظي للاقتصاد، لكن هذا التعافي يكون له آثار سلبية من المعاناة على المدى الطويل.
ماذا سيحدث بعد القرض الجديد؟
تتوقع الورقة البحثية أن يدفع القرض الجديد المرتقب لصندوق النقد لنفس مسار سياسات التسعينيات، مقدرة أن يؤدي القرض على الأجل المتوسط إلى تعافي احتياطات النقد الأجنبي بعد "عمليات تعويم عنيفة للعملة المحلية".
كان البنك المركزي خفض قيمة العملة إلى 8.85 جنيه للدولار في 14 مارس الماضي، مقابل 7.73 جنيه، وأعلن أنه سيتبنى سعر صرف أكثر مرونة. ثم رفع لاحقا سعر الجنيه 7 قروش ليستقر عند 8.78 للدولار الواحد.
وتتزايد الضغوط على البنك المركزي لتخفيض الجنيه مرة أخرى، خاصة وأن سعر الدولار يدور حاليا حول 12.5 جنيه في السوق السوداء، مقابل 8.88 جنيه في البنوك.
وتتوقــع الورقة البحثية أن تســاهم أيضا السياسات التي تتبناها الحكومة حاليا في تخفيــض عجــز الموازنــة العامة عبر تخفيض الأجور الحكومية والدعم.
لكن لا تتوقع أن تساهم هذه السياسـات في تخفيض التضخم، مثلما حدث في التسعينيات.
وتقول "ليس مرجحا أن يتكرر الأمر نظــرا إلى أن هنــاك إجــراءات محفــزة عـلـى التضخــم يتــم تطبيقهــا بالفعل، وفي أفضل السيناريوهات ستساهم سياسات الصندوق في كبح جماح التضخـم عن الارتفاع بقوة".
وستحقق معدلات النمو الاقتصادي تعافيا صغيرا قصير المدى، ولكن سيقطع عليه الطريق تراجع الاستهلاك بسبب ارتفاع الأسعار، كما يرى المركز المصري.
القرض سيساهم في تخفيــض عجــز الموازنــة العامة للدولة دون كبح جماح التضخم عن الارتفاع بقوة
ولا تتوقع الورقة البحثية أن تسهم سياسات الصندوق الحالية في تخفيض معدلات البطالة والفقر المتصاعدة أو أن يتم حل أي من المشكلات المسببة في تصاعدها.
وينصح المركز المصري الحكومة بالتخلي عن سياسات صندوق النقد، معتبرا أن مصر تستطيع الاستفادة من الركــود العالمــي للحصــول عــى قــروض رخيصــة مــن أســواق المــال العالميــة، التــي لــن تفــرض شروطــا مثــل الصنــدوق، لتوفير العملة الصعبة.
وتواجه مصر حاليا أزمة خانقة نتيجة انخفاض إيرادات مصادر العملة الصعبة، مثل الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة وقناة السويس والصادرات.
وقدم المركز توصية للحكومة بأن يكون النظام الضريبي في مصر أكثر عدالة عبر تطبيق ضرائب تصاعديــة وتقليــل الاعتــماد عـلـى ضرائــب الاســتهلاك، فضلا عن بنــاء شــبكة أمــان اجتماعــي.
ويختم المركز المصري ورقته البحثية بتأكيده على هذه التوصيات "كي لا نحتاج لحزمة إنقاذ جديدة في 2041".