أحدث الأخبار
- سألتُها: هل النجاح خارج الوطن أمر سهل؟
- فأجابت بالعامية التونسية: "سهل، لما تكوني واثقة، ومؤمنة بالشيء اللي تعملين فيه"
مايسة فتيتي، السمراء التونسية في بلاد الجليد، فنلندا، منسقة التجارة الدولية في شركة مرينوفا، إحدى كبريات الشركات العاملة في قطاع الطاقة النظيفة هناك.
بنت سوسة
بين وجوه تتشابه في الملامح ولون البشرة، ظهرت أمام عيني، تلك السمراء مفعمة بالحيوية، تتحدث كما الفنلنديين، لكنها تشبهني، بادرتها بالعربية: أنتي مصرية؟، فضحكت وردت بلهجة قاهرية "تونسية، لكن بعرف مصري كويس أوي".
لا تعرف اللهجة المصرية وحسب، بل واللغة الإنجليزية والفرنسية فضلا عن الفنلندية رغم ما يشتهر عن الأخيرة من صعوبة.
مايسة بنت مدينة سوسة في تونس، بدأت رحلة في اكتشاف الذات، حين قررت السفر إلى رومانيا لدراسة العلوم الاقتصادية عام 2008، كانت تتوقعها أفضل من مسقط رأسها، فخاب توقعها.
رحلة إلى ذلك البلد، شرقي أوروبا، كلفت الوالد ويعمل مهندسا 12 ألف دولار، لكن مايسة لم تكن التونسية الوحيدة الباحثة عن الذات في بوخارست. "الطائرة كان على متنها ما يقرب من 180 طالبا تونسيا، كلهم يقصدون درجة علمية من البلد ذاته" تقول مايسة.
وعلى الطائرة تمزق التفكير بين مستقبل ضبابي، ووطن تتركه خلفها، وعقل يتساءل: إذا كل طالب من هؤلاء دفع 12 الف دولار لأجل الدراسة في رومانيا فما حصيلة الأموال الخارجة من خزينة الدولة؟.
لا تزال مايسة تذكر تلك الدقائق الأخيرة على أرض الوطن، وكم كانت مؤلمة، "كانت لحظة من اللحظات التي آلمتني، حتى أني شعرت بخيانتي لوطني...أوطاننا تصدر الشباب، تصدر مستقبلنا".
رحلة
أقلعت الطائرة وبدأت رحلة مايسة مع الغربة، رفيقها الوحيد: ذاتها، لكن لا ضَيْر في ذلك "فحين تسافر للخارج تتعرف على ذاتك، قبل أن تبدأ التعرف على الآخر، ترسم حدود هويتك، وتقدر أمورا كنت تعتقد لسنوات أنها سيئة في بلدك".
عام مضى في رومانيا تعرفت على ذاتها، وآخرين، تعلمت الإنجليزية ورجعت سوسة بقرار.
قررت مايسة السفر إلى فنلندا والدراسة هناك، بعد أن أخبرها رفقاء خلال العام المنقضي، أن الدراسة في ذلك البلد الشمالي، بالمجان حتى بالنسبة للأجانب.
وفي صيف 2009 وصلت فآسا، تلك المدينة الفنلندية على الساحل الغربي التي تعد عاصمة قطاع الطاقة في البلاد، وهناك التحقت بجامعة العلوم التطبيقية، لدراسة إدارة الأعمال الدولية.
وفي فنلندا، ثالث أفضل بلد في العالم من حيث المساواة بين الجنسين (حسب تقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 2015) قررت مايسة أن تجرب حظها في العمل.
"رحت، قدمت نفسي، بدي اشتغل مجانا" تتحدث مايسة عن شركتها الحالية مرينوفا (شركة تعمل ضمن كتلة شركات متخصصة في قطاع الطاقة النظيفة تتعاون فيما بينها).
دخلت التونسية الشركة الفنلندية متطوعة، سعت لترك بصمتها فاقترحت عليهم فكرة أن تتوسع الشركة في السوق الإفريقية، وتولت مهمة التعريف بإفريقيا الوطن البعيد جغرافيا فقط، "حاولت نعرفهم أن كل بلد إفريقي له رونقه واقتصاده، إفريقيا ليست الفقر والجهل، وإن وجد فليس بالدرجة التي يصورها الإعلام".
في الوقت عينه كانت الشركة وهي متخصصة في أمور التنسيق بين الشركات العاملة في القطاع والحكومة، تتلقى تمويلا من المفوضية الأوروبية، لتنفيذ مشروع يهتم بفتح أسواق جديدة لقطاع الطاقة الفنلندي.
ولأن فكرة مايسة وإستراتيجيتها جاءت متسقة مع ذلك المشروع، عينتها الشركة رغم أنها لا تزال طالبة بالجامعة. "هذا ما تحتاجه أوطاننا: التفهم، والإيمان بالشباب".
وتضيف مايسة أن "أوطاننا تعطي قيمة أكبر للخبرة العمرية، ليس للرؤية ولا للإستراتيجية، لدينا ملايين من الخبراء، لكن طالما أنهم لا يعملون مع عقول طازجة، وأفكار جديدة، سيظلون يكررون أنفسهم مرارا".
خبيرة
وبعد سبع سنوات في بلاد سانتا كلوز، يصنفها الفنلنديون خبيرتهم الأولى في السوق الإفريقي. وتحلم بأن تفتح يوما مشروعا في تونس، ذلك البلد الذي أيقنتْ أنه جزء من الذات لا يصح طمسه "كما جئت من تونس، كما أعيش هنا في فنلندا، حتي العيوب التونسية احتفظت بها" تقول مايسة فتيتي.