أحدث الأخبار
سيتمثل أهم إرث دبلوماسي للرئيس باراك أوباما في طريقة إقناع الحلفاء، إما عن طريق الغطرسة أو الترفع أو الإيعاز، بأن أمريكا لا تأبه كثيرًا لعلاقات الشراكة الطويلة معها. ربما يركز باحثو التاريخ على نتائج التراخي في سوريا، أو سوء التصرف في ليبيا، ولكن ربما كان الإرث الأوسع تأثيرًا لأوباما، هو تداعي تحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر والبحرين والمغرب والمملكة المتحدة والفلبين وكولومبيا وبولندا والتشيك.
ويقول الكاتب ميشيل روبن، المسؤول السابق في البنتاجون، في مقال نشر على موقع "آيه إي أيدياز" التابع لمعهد "أميركان انتربرايز"-وهو مؤسسة بحثية مقرها واشنطن- إن ما لم يفهمه أوباما أنه حتى وإن انزعج هو أو مستشارته فاليري جاريت، أو مستشارته للأمن الوطني سوزان رايس من قرارات دولة ما، فإن التحالفات هي كالزواج- لها لحظات ازدهار وتدهور، ولكن تكمن قوة العلاقة في العطاء والأخذ والاستعداد لمساندة الشريك إذا تعثر.
ويضيف ربما لم يُعامل رئيس عربي بهذا الترفع من قبل أوباما ووزير خارجيته جون كيري، مثلما حدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. إذ ينظران إلى صعوده للسلطة باعتباره "خطيئة أساسية". يستاء التقدميون من السيسي لأنهم متأثرون بالصورة التي يعرضها الغربيون أصحاب وجهة نظر تمكين الإخوان المسلمين، أكثر من تأثرهم بواقع سياسات الجماعة أو استهانتها بالديمقراطية. ولم يثق محافظون كثيرون بالرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، ولكنهم اعتقدوا أنه كان يجب تركه ليعلق في رقبته مشنقة من صنع يديه، بدلًا من تنحيته قسرًا عن السلطة قبل النهاية الطبيعية لفترة رئاسته.
وربما يتساءل مؤيدو السيسي هل لا تنطوي هذه الرؤية على سذاجة أيضًا، إذ افترضت اعتزام مرسي الالتزام بمعايير الديمقراطية أكثر مما فعل نظيره التركي رجب طيب إردوغان المعروف عنه أنه شبّه الديمقراطية بـ"الحافلة التي يركبها طالما احتاج إليها، ثم يترجل عنها".
ويقول الكاتب إنه بغض النظر عن هذا، لا يمكن إنكار أن الوضع الأمني الذي ورثه السيسي في شبه جزيرة سيناء وفي أنحاء أخرى لم يكن من صنع يده. وكان في طليعة جهود السيسي أيضًا نفي الشرعية عن التطرف وتشجيع الاعتدال. ولم يتوقف الأمر على مجرد اتخاذ موقف في إحدى الخطب، بل بذل جهدا متواصلا. من مراكش في المغرب، إلى النجف في العراق، يقول مسؤولون سياسيون ودينيون إن السيسي تمكن بهدوء من إقامة حصن ضد التطرف، ودفعه ببطء (التطرّف) إلى التراجع. وتتجاوز جهوده على نحو جيد مؤتمرات البيت الأبيض العارضة أو تغريدات وزارة الخارجية الأمريكية حول "مواجهة التطرف العنيف".
ويشير إلى أن مصر تواجه تحديات حقيقية، وحتى لو اعتقد دبلوماسيون ونشطاء أن بعض إجراءات السيسي فيما بتعلق بحقوق الإنسان قاسية جدا أو تأتي بنتائج عكسية، فإن بناء العلاقات بدلا من الانتقاص منها يعد أفضل مسار لتخفيف المخاوف.
وطرح الكاتب تساؤلا وهو "ماذا ينبغي أن تقوم به الإدارة المقبلة من أجل (إعادة ضبط) العلاقات مع مصر؟" ربما تبدأ باستضافة السيسي في المكتب البيضاوي، وهو تكريم رمزي منعه أوباما عن الرئيس المصري بوضوح. عندما كانت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، آمنت بقيمة الحوار. وسعت إلى التواصل مع طالبان والإخوان المسلمين. والتقى خلفها بحماس. لم يكرم أوباما إردوغان باعتباره أحد أفضل أصدقائه فقط، ولكنه اختار أيضًا تكريم الرئيس الصيني السلطوي ليس بعشاء رئاسي واحد بل اثنين. وبناء على ما تقدم من سوابق، يبدو القلق الشديد بشأن حملة السيسي على الإسلاميين المتشددين نوعًا من اللغو.
فليدعو الرئيس الأمريكي القادم -او الرئيسة القادمة- الرئيس السيسي إلى المكتب البيضاوي في وقت قريب لإغلاق الباب على خمس سنوات من الدبلوماسية الخرقاء.