أحدث الأخبار
ما أشبه الواقع بالخيال، ففي فيلم "زواج بقرار جمهوري" زار مسؤول منطقة عشوائية "قلعة الكبش" زيارة اضطرت معها المحافظة- وفقاً لأحداث الفيلم إلى تنظيف المنطقة ورص"قصاري" الزرع والورود، وحينما غادر المسؤول وانتهت المهمة، حرصت المحافظة على استردادها مرة أخرى، باعتبارها عهدة حكومية، وتركت المنطقة تغرق في عشوائيتها المعتادة.
تشابه الأمر بتفقد اللواء عاطف عبد الحميد محافظ القاهرة، صباح أمس الأحد، لميدان عبد "المنعم رياض" بوسط القاهرة، لمتابعة تطبيق تعريفة المواصلات الجديدة، فبدا الميدان منمقاً ومثالياً، الجميع في "وضع الاستعداد" لأي شيء ولكل شيء، حرص المحافظ خلال الزيارة على التجول بين السيارات، ومحادثة البعض ثم انتهى الأمر سريعاً، تاركاً خلفه مواطنا غاضبا لارتفاع أسعار المواصلات، وسائقا لا تُرضيه الزيادة.
وفي تصريحه الخاص "لأصوات مصرية" أكد محافظ القاهرة على أن كل شيئ يتم وفق ما خُطط له، وأن الجميع ملتزمون بالتعريفة التي أقرتها الدولة.
"أصوات مصرية"، لم تكتفِ بمتابعة جولة الوزير، واستقلت"ميكروباص" بين منطقتي التحرير والوراق، ثم "ميني باص" بين منطقتي الوراق والمناشي، ذهاباً، ثم عادت به من المناشي إلى إمبابة. متابعة مواقف السيارات على مدى يومين كشفت خلالهم عن وجود خمس مخالفات مثلت "مطبات" على طريق حل أزمة المواصلات بعد زيادة تعريفة الركوب.
وتمثلت المطبات في "الكارتة" والتحايل عليها، والسيارات التي تعمل بتراخيص رحلات ولا تخضع لتسعيرة "السيرفيس"، وتقطيع الطرق، وغياب الأمن لليوم الثاني على التوالي، ما سمح لمحصلي "الكارتة" برفع سعرها عن الأسعار التي حددتها الدولة.
زيادة الأسعار
في البداية وقبل ركوب "الميكروباص" وانطلاق الرحلة، اكتظ موقف الوراق بالسائقين وعدد من المواطنين، الجميع ينتقد ارتفاع التسعيرة وجولة الوزير.
محمود فرحات محاسب بشركة خاصة، قال إن زيارة الوزير ليس لها "لازمة" لأن الأسعار زادت الضعف قبل زيارته بيوم، وبعد مغادرته ستستمر تلك الزيادة، ولا يمكنهم فعل شيء، لأن الأجرة عادة يتم دفعها بمنتصف الطريق و "يا الدفع يا النزول"، مشيراً الى أن بعض السائقين يلجأ إلى "تعطيش السوق" بمعنى الإضراب بشكل جزئي بحيث تحدث أزمة ثم يظهر فجأة وقد زاد سعر المواصلة.
عقَّب محمد كامل من الوراق، وهو السائق الذي خضنا معه التجربة بقوله "إن ما أقدمت عليه الدولة من زيادة تسعيرة المواصلات، قرار مجحف لنا وللمواطن، ولا يرضى أحدا، لأن الزيادة غير عادلة، ولا تتساوى مع زيادة أسعار المواد البترولية، إلى جانب ارتفاع أسعار أمور أخرى كالتأمينات. وسرد محمد الأعباء التي يتكبدها سائق الميكروباص، نتيجة لارتفاع الأسعار بقوله "التأمينات كانت العام الماضي 640، وصلت هذا العام إلى 1200 جنيه، وزيت موتور وصل سعره 160 جنيها وتحتاج السيارة إلى تغييره كل أسبوع كحد أقصى، وتغير فلاتر للسيارة وصل سعرها 650 جنيها بدلا من 250 جنيها في السابق. وتابع محمد" كانت الأجرة 150 قرشاً وزادت لجنيهين، فماذا عساها أن تفعل تلك الزيادة في ظل ارتفاع الأسعار.
أنهى محمد حديثة مع اكتمال عدد الركاب بسيارته، وأغلق باب السيارة مغادرا من التحرير إلى "الوراق".
داخل السيارة قال أحد الركاب ويدعى سامح فريد موظف بإحدى الشركات الحكومية، تعليقاً على ارتفاع الأجرة إن تلك الزيادة رغم أنها ضئيلة، إلا أنها تُعد عبئاً على المواطنين، لأنها تشمل جميع السلع والمنتجات، وليست قاصرة فقط على تسعيرة المواصلات. وأشار سامح إلى وجوب تشديد الحكومة رقابتها على المواقف بحيث لا يرفع أي أحد من السائقين الأجرة عما قررته الدولة، والذي حدث بالفعل في مواصلات كثيرة.
الزيادة أو الإضراب
المخالفة الثانية رُصدت بوصول السيارة إلى موقف "الوراق" وتحول غضب الركاب إثر ارتفاع الأسعار إلى سخط، بسبب إضراب سائقي "ميني باص المناشي". وقال فاروق عبد المجيد بائع متجول في موقف السيارات إن الأزمة كلها أن "ميني باص المناشي" مرخص على أنه أتوبيس للرحلات، وليس "سيرفيس"، ولا تشمله ارتفاع زيادة الأسعار التي تشمل السرفيس، ولذا أضرب أصحاب الميني باص، لإجبار المواطنين على دفع الأجرة مع الزيادة.
مريم محمد من قرية سقيل وهي إحدى قرى خط "المناشي" أكدت حدوث إضراب وقالت "إن السائقين تسببوا في عدم ذهابها إلى العمل، كما تعطل الطلاب عن الذهاب إلى مدارسهم، بسبب الإضراب، وحينما يخالفهم سائق كانوا يهددونه بالضرب، "وسط غياب أمني اضطررنا إلى دفع الأجرة كما أرادوا وبعد ساعتين عادت السيارات إلى العمل مرة أخرى".
"الكارتة" عليهم حق
مخالفة ثالثة هي الأقوى من بين المخالفات، وهي أن رخص السيارات التي يتم سحبها من قبل أمناء شرطة المرور، يقوم محصلو الكارتة باسترجاعها للسائقين مقابل دفع "بعض الرشاوي" وهذا وفقاً لأقوال سائقي موقف الوراق والمناشي، تتم بعلم الأمن وتحت سيطرتهم.
بطول طريق خط "المناشي" الى "إمبابة تعددت مراكز "الكارتة" رسوم التحصيل، بعضها رسمي والآخر غير رسمي.
نبيل محمد سائق "ميني باص" والذي عايش معنا وعلى طول الطريق خمسة أماكن مثلت مراكز أساسية لتحصيل "الكارتة" يقول أنهم يدفعون الكارتة مع بداية الطريق بإمبابة ودفع فيها نبيل ثلاثة جنيهات ونصف.
الكارتة الثانية كانت بجوار مستشفى حميات إمبابة، ودفع فيها جنيهين، والثالثة كانت بالوراق وسعرها الرسمي خمسة جنيهات، الرابعة كانت بقرية "برطس" دُفع فيها خمسة جنيهات أيضا، والأخيرة كانت بنهاية الخط المناشي، دفع فيها نبيل جنيهين.
وعلَّق نبيل على كثرة دفعه لأموال الكارتة بقوله "إنه على هذا الحال كل رحلة ذهاب وعودة" أين الأمن من تلك الكارتة؟ ولماذا أدفع أنا طالما أني مرخص رحلات وليس "سرفيس"؟.
يستمر نبيل في سرد معاناته بقوله "إن الدولة لا تقوم بواجبها تجاهنا كما نقوم بواجبنا تجاهها، لقد خدمت في الجيش وكان عام 2011، وزادت مدتي ثلاثة أشهر للانفلات الأمني الحادث وقت الثورة، ورغم أني حاصل على معهد كمبيوتر، لم أتعين في أي وظيفة واعمل سائقاً ورزقي يتخطفه أصحاب الكارتة".
وفي متابعة للتواجد الأمني وأسعار الكارتة اليوم الاثنين في المواقف، قال نبيل، إن "الكارتة" ارتفع سعرها من خمسة جنيهات إلى ثمانية، فيما كان هناك غياب تام للأمن.
تحايل السائقين وتقطيع الطرق
لكل فعل رد فعل، وما لا يستطع بعض السائقين مواجهته بالقانون، يتحايلون عليه في غياب القانون، بتقطيع الطريق إلى محطات، يدفع فيها الراكب للسائق الأجرة أكثر من مرة، كما يتحايل على "الكارتة" فيتهرب منها.
حدث ذلك في خط المناشي، حيث تم تقطيع الطريق إلى أكثر من مكان، ولكل أجرته الخاصة، فمن المناشي إلى قرية "برطس" جنيها، ومن برطس إلى الوراق جنيه ونصف الجنيه، ومن الوراق إلى إمبابة جنيه، أي أن المجموع ثلاثة جنيهات ونصف، في حين أن تسعيرة المواصلة كاملة جنيهان ونصف وفقا للتسعيرة الجديدة.
أثناء الرحلة تم رصد سائق السيارة وهو يرفض إعطاء محصل الكارتة رسومها، مقابل ألا يقوم بتحميل الركاب، وعلى بُعد أمتار من الموقف، نادى صاحب السيارة على زبائنه فأتوا إليه، وكانوا قد وقفوا خارج الموقف في انتظار السيارة التي اعتادوا انتظارها خارجاً.
الأمر عبر عنه مواطنون بغضب؛ تقول مها سعد، إن السائقين هنا يتحكمون في المواطنين، ويستغلون ندرة المواصلات. وتطالب مها الدولة بتوفير مزيد من المواصلات العامة كالأتوبيسات.
من جانبه قال فتحي سعد سائق على خط المناشي، إن الجميع هنا مضطر لذلك، حيث أن الطريق طويل ويستلزم ذلك تغيير فلاتر وزيت السيارة أسبوعيا، بجانب ارتفاع أسعار البنزين والجاز، وكذلك "الكارتة".
الغياب الأمني
على عكس وجود أمني طوَّق ميدان عبد المنعم رياض، خلا موقف الوراق والمناشي وطريقهما الطويل البالغ ثلاثون كيلو مترا تقريبا من التواجد الأمني، ليزيد عدد المخالفات إلى أربع مخالفات أغفلتها الدولة ولم تتعامل معها.
"يختفي الأمن تدريجياً كلما اتجهت إلى القرى والنجوع". هكذا تقول هبة محمد طالبة ثانوي.
وتضيف هبة أن كثيراً ما يتكرر إضراب السائقين لارتفاع أسعار البنزين مثلا، "ويتحكمون فينا في غياب أمني"، مشيرة إلى أن أقرب نقطة أمن متواجدة بجوار قريتها "برطس" هي قسم شرطة "أوسيم" ويبعد عن الأولى بحوالي عشرة دقائق تقريباً، فضلا عن عدم استجابة الأمن لنا حال تقديم شكوى.
حق الرد
وقال محافظ القاهرة، في تصريح خاص لأصوات مصرية، إن المحافظة حريصة على تطبيق الزيادات التي حددتها دون ترك الأمر للسائقين، وإن المحافظة عاكفة على طبع ملصقات بأسعار المواصلات، وسنقوم بوضعها على كل الخطوط لحماية المواطن من الزيادات التي يفرضها عليهم السائقين.
وأضاف محافظ القاهرة أن المواطن يتحمل المسؤولية أيضا وعليه رفض أي زيادات والتقدم بالشكاوى لإدارة الموقف أو الاتصال بالخطوط الساخنة التي حددتها الوزارة، مشيرا إلى أن تلك الخطوط مقسمة بحسب المناطق.
وشدد عاطف عبد الحميد على ضرورة تطبيق التسعيرة الجديدة، والالتزام بها، مؤكدا أن من سيتخلف سيطبق عليه القانون الذي تصل عقوبته إلى حد سحب الرخص، وقال إن الأمور مستقرة وسيزور ميادين أخرى لمتابعة الأمر.
وأصدرت الحكومة قرارا بزيادة أسعار البنزين والسولار وغاز السيارات وأنابيب البوتاجاز والمازوت، بداية من يوم الجمعة الماضي. وكان رئيس مجلس الوزراء، شريف إسماعيل، وجه المحافظين، السبت الماضي، بمتابعة الموقف الخاص بتعريفة الركوب لخطوط النقل داخل المحافظات، والتنسيق بينها، مع ضرورة الحرص على آلا تزيد نسبة الزيادة في تعريفة الركوب لأي خط عن 10 ـ 15%، بما يتناسب مع مقدار الزيادة في أسعار المنتجات البترولية.