أحدث الأخبار
تعيش ندى* في قلق منذ طرح البرلمان لتعديلات قانون الأحوال الشخصية مؤخرا؛ خوفا من تنفيذ المقترحات الخاصة بالرؤية (رؤية الأطفال) والتي تمنح طليقها الحق في استضافة ابنته لمدة يوم أو يومين أسبوعياً بمنزله، بجانب شهر من عطلة أخر العام.
تفكر كيف ستسقبلها زوجة والدها، التي لم تحاول إخفاء عداوتها لها، وكيف يحكم عليها القانون الجديد بالوحدة الأبدية؛ فالتفكير في زواج ثاني أصبح مقترنا بحرمانها من ابنتها وانتقال حضانتها إلى أبيها الممتنع عن دفع نفقتها.
ندى (اسم مستعار) واحدة من آلاف النساء اللائي تنظر محكمة الأسرة قضاياهن حيث يترواح عدد الدعاوى المنظورة أمام محاكم الأسرة من 900 إلى 1500 دعوى قضائية يوميا، بحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2015، كما أشار التقرير إلى زيادة عدد القضايا 60% عن العام السابق.
وتحتل قضايا النفقة المرتبة الأولى من دعاوى الأحوال الشخصية بنسبة 80% فيما تبلغ عدد قضايا الرؤية (رؤية الأطفال) 5% وفق إحصائيات الجهاز لنفس العام.
وكانت النائبة سهير الحادي قدمت مع 60 نائبا مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، وتنص التعديلات المقترحة أن يمنح الطرف غير الحاضن أيا كان حق استضافة طفله لمدة يوم أو يومين أسبوعياً بمنزله بجانب شهر من أجازة آخر العام، وأن يتم سحب الحضانة عن الأم حال زواجها وتنتقل إلى الأب بعد أن يلتزم بتوفير من يقوم على رعاية الابن سواء كانت زوجته أو أي امرأة من العائلة.
وأثار مشروع القانون انتقادات عديدة من أمهات ونسويات، وصفن التعديلات بأنها "مجحفة" بحق النساء، ودشن هاشتاج #على-جثتنا للتعبير عن رفضهن لتمرير القانون الجديد.
وأعلن المجلس القومي للمرأة وعدد من المنظمات النسوية عن رفضهم الشديد للتعديلات المقدمة، مؤكدين على ضرورة العمل على طرح مشروعات القوانين التي تمس الأسرة والمجتمع للحوار المجتمعي على جميع المؤسسات والجهات المعنية لإبداء الرأي قبل إقرارها من مجلس النواب.
*على باب محكمة الأسرة
وتقول ندى* (31 عاما) لأصوات مصرية، "طلبت الطلاق بعد ما عرفت بخيانة جوزي ليا مع واحدة كان بيحبها قبل ما يتجوزني وكان عاوز يكتب لها كمان شقة الزوجية باسمها، وبعد ما خلاني أتنازل عن كل حقوقي وافق يطلقني وراح أتجوزها".
وتضيف "ماكنش عاوز يصرف على بنته وبعد ما صرفت فلوس قد كده على المحامين المحكمة حكمتلي بـ 500 جنيه نفقة، ومن 2012 وأنا واخدة حكم نفقة وأدينا داخلين على 2017 ولسه مادفعش جنيه، وقررت وقت الحكم إني مش هبهدل نفسي أكتر من كده عشان شوية ملاليم".
وعن رأيها في تعديلات قانون الأحوال الشخصية المقترحة، قالت "بدل ما يرفعوا عننا الظلم اللي بنشوفه والبهدلة في المحاكم، عاوزين كمان يبهدلوا عيالنا".
وتضيف" يعني لو أنا أتجوزت ماديش بنتي لأمي ترعاها وأديها لمرات أبوها اللي كانت خلال فترة القضايا في المحكمة بتبعت لي رسايل على التليفون تشتمني فيها ولا أديها لأهله اللي مسألوش فيها طول السنين دي ولا كأن ليهم حفيدة!".
وتتشابه قصص معاناة النساء في خضم إجراءات تقاضي تطول بالشهور والسنوات، وتحكي سارة (29 عاما)* لأصوات مصرية عن قصة 4 سنوات من "المرمطة في المحاكم" من أجل الحصول على حكم بالطلاق وآخر بالنفقة لم تر أيا منهم حتى الآن.
وتقول لأصوات مصرية "الضرب والإهانات مكنوش مبرر كافي عشان المحكمة تحكملي بالطلاق وحاليا رافعة قضية خلع ولسه ماتحكمش فيها، وحتى حكم النفقة اللي خدته مانفذهوش ومش بيصرف على ابنه والقانون ماجبليش حقي".
وتضيف"كل اللي عاوزاه أطلق وأعيش في سلام مع ابني، وقانون ينصفني مش ياخد مني ابني لو قررت بعد ده كله أجرب حظي مع إنسان تاني يراعي ربنا فيا".
وبالمثل لا تزال (رضوى.د) (35 عاما) في دوامة التقاضي منذ أكثر من عام ونصف للحصول على بدل سكن ونفقة لائقة لابنتها بعد انفصالها عن زوجها، وتقول لأصوات مصرية "بشتغل بدل الشغلانة اتنين عشان أوفر سكن ومعيشة كويسة ليا ولبنتي اللي عمرها سنة، بعد ما المحكمة حكمتلي بـ300 جنيه، واللي في وسط الغلاء اللي إحنا فيه ده مايكفوش ثمن جزمة وشراب للبنت، ولسه طبعا هستأنف!".
وتصف القانون بأنه "ظالم" قائلة "بأي حق ياخد بنتي (في إشارة إلى طليقها) ولا يشوفها حتى بعد ما رماني في الشارع وأنا حامل فيها ومش بيصرف عليها".
*ثورة الأمهات
ووصفت نرمين أبو سالم مؤسسة جروب "سينجل مازرز" (أمهات عازبات) مشروع القانون المقدم من البرلمان بأنه "غير دستوري وغير شرعي".
وقالت لأصوات مصرية إنه يخالف فتوى الأزهر ودار الافتاء رقم ٤٤٥ بتاريخ ٢٠١٢ بضرورة موافقة الحاضن والمحضون على الاستضافة.
وأضافت "بما أن مادة ٢ فى الدستور تنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريعات فهذا غير دستوري ويخالف نص الشريعة وغير مقبول ولو تم الموافقة عليه سنطعن فى شرعيته ودستوريته".
وتابعت "مقترح سقوط الحضانة عن الأم حال زواجها وذهابها للأب غير دستوري أيضاً لأنه يسمح للأب بتوفير رعاية الأقارب كالعمة والخالة التي يكون زوجها أجنبي للابنة في حين أن زوج الأم من المحارم كما جاء بالقرآن".
وقالت "إلى أن نصل إلى قانون يعطي للأم الحق في إبقاء الحضانة حال جوازها فإن الوضع الوحيد المسمح بيه أن يتم نقل الحضانة لأم الأم"، مشيرة إلى إمكانية حدوث ثورة نسائية حال إقرار تلك التعديلات قائلة "القانون ده على جثتنا".
*رأي الآباء
على الجانب المقابل، كان للرجال رأي آخر في القانون الجديد، عبروا عنه عبر هاشتاج #قانون_الحضانة_الجديد، حيث يرى أحمد عبد الفتاح أن قانون الحضانة الجديد "عودة للطريق الصحيح".
فيما تسائل محمد أبو النجا "يعني هو زوج الأم أحن من مرات الأب؟" في إشارة إلى المعترضين على حضانة الأب المتزوج للأبناء في حال زواج الأم.
وقال في تغريدة عبر الهاشتاج "بالنسبة لمجتمع ذكوري متعفن زي مجتمعنا من وجهة نظركم مين هيقدر يحمي الأطفال أكتر؟ أكيد الأب هيحميهم من مرات أبوهم أحسن من حماية الأم من زوجها؟ طب وليه الجدة للأم تحتفظ بالأولاد وتبقي أقربلهم من أبوهم؟ وكلنا عارفين إن الحاضن الفعلي هيبقي الأم وجوزها".
وأضاف"وليه يطلع عين الأب عشان يشوف أولاده وساعات التعنت والعند بيخلوه يشوفهم في قسم شرطة كنوع من الرباية للأب اللي بيوصل إنه مايشوفهمش غير 3 ساعات في الأسبوع؟".
ويرى أن القانون بشكله القديم "ظالم" للرجال ويصب في مصلحة النساء فقط ويطالب بتعديل القانون بحيث تصبح الحضانة للأصلح لظروف الأطفال من الطرفين وتعديل شروط وإجراءات الرؤية.
ووصف محمد الصباح قانون الحضانة في مصر بأنه "أنوثي ومجحف ويجسد ظلم كبير ورهيب وغير مقبول للأب صاحب الحق بالأصالة في البنوة".
ويرى أن القانون يتعامل مع الأب على اعتباره مجرد "خزنة فلوس ملوش أي علاقة بابنه غير أنه يدفع وبس".
وأضاف في تغريدته"العجيب أن البعض متضايقين وعاوزين أن لو المطلقة اتجوزت كمان بعد طلاقها شخص آخر الحضانة تروح للجدة أم الأم، يعني الأب مالوش أي قيمة ولا وجود لأ ويدفع فلوس كمان للجدة ولو حب يشوف ابنه يشوفه في جنينة ولا نادي ساعة ولا ساعتين في الأسبوع بالذل والمن".
*الجهات الرسمية
وترى النائبة منى منير أن مشروع القانون الذي يناقش الآن به الكثير من الملاحظات والعيوب التي يجب أن تُعدَّل، ويجب أن يطرح للحوار المجتمعي، وكان من الأفضل تقديمه بعد العرض على المجلس القومي للمرأة وليس العكس.
وأوضحت أن المادة (214) من الدستور ألزمت البرلمان بأخذ رأي المجلس القومي للمرأة في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بها، وبمجال أعمالها، قائلة "هذا خطأ يجب أن يتدارك".
ومن جانبه أعلن المجلس القومي للمرأة عن رفضه الشديد للتعديلات المقدمة على قانون الأحوال الشخصية والمتعلقة بقانون الرؤية والاستضافة لغير الحاضن، دون وجود إجراءات حماية للطفل تعمل على تحقيق المصلحة الفضلى له.
*رؤية المجتمع المدني
ومن جانبه رأى الاتحاد النوعي لنساء مصر، أن تعديل قانون الأحوال الشخصية أمر هام في سبيل تيسير إجراءات التقاضي، ولحل العديد من المشكلات التي تعاني منها الأسرة المصرية بشكل عام والمرأة المصرية على وجه التحديد.
ومن التعديلات التي قدمها الاتحاد للقانون الحالي أن يكون الطلاق موثقا ولا يقع إلا بحضور الطرفين، ويجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه، ولا يطلب منها إثبات الضرر.
كما يلتزم الأب بنفقة الأبناء حتى تمام تعليمهم الجامعي، للابن أو البنت على السواء، ويتم الاعتداد بما تقرره الزوجة بشأن حقيقة دخل الزوج، وعلى الزوج إثبات عكس ذلك، وتشديد عقوبة الحبس في حالة الامتناع عن تنفيذ الحكم النهائي بالنفقة وأن يحدد القاضي أجلا لسداد الزوج للنفقة.
وقالت د.هدى بدران رئيسة الاتحاد لأصوات مصرية إن قانون الأحوال الشخصية بشكله الحالي مليء بالعوار، موضحة أنه يعيبه فلسفة القانون نفسها المبنية على أن ينفق الرجل وتطيع المرأة طاعة عمياء ولا يرسخ لعلاقة تحترم الطرفين وتحقق المصلحة الفضلي للطفل والأسرة.
وأضافت أن هناك حاجة لتعديل بنود الاستضافة وضمان حق الأب في رؤية أبنائه بشكل كافي، مضيفة "بس بشروط مايجيش راجل مطلق ومابيدفعش نفقة ولا مصاريف مدرسة ويقول أنا هاخدهم في الأجازة".
وفيما يخص حقوق المرأة ترى ضرورة تعديل المواد الخاصة بالنفقة وتقصير أمد التقاضي.
وبالمثل يرى المركز المصري لحقوق المرأة أن القانون مليء بالعيوب ومن المقترحات التي يطالب المركز بتضمينها في القانون أنه في حالة إصرار الزوج علي الطلاق يجب عليه أن يضع مبلغا معينا في المحكمة ليكون تحت تصرف الزوجة من أجل النفقة ولا يتم الطلاق إلا بعد إيداع هذا المبلغ، وفي حالة إذا كان الزوج معسر علي بنك ناصر أن يدفع هذا المبلغ بدون فوائد طوال فترة إنهاء إجراءات الطلاق.
وبالنسبة للأطفال يجب أن تكون المسؤولية مشتركة بين الأم والأب وأن يتم تعديل ترتيب الولاية ليصبح الأب ثم الأم وأن يتم تعديل ترتيب الحضانة ليصبح الأم ثم الأب لحماية الأطفال من تعنت تعسف طرف من الطرفين، وحمايتهم من الخطف، فأي قرار خاص بصحة الأطفال وسفرهم ودراستهم واستثمار أموال لهم يكون مسؤولية مشتركة بين الأم والأب، وفي حالة الخلاف بينهم أو تعنت أحد الطرفين يكون الحكم للقاضي بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل.
وقالت نهاد أبو القمصان رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة إن قانون الأحوال الشخصية أوسع من مجرد الرؤية والحضانة بكثير، ومن الجوانب الهامة مسألة الولاية على النفس والمال".
وأضافت" قانون الولاية على النفس والمال يتعامل مع الأم باعتبارها غريبة عن الطفل، لأن ترتيبها بعد الأب والجد والعم فى الولاية على أبنائها فى المسائل المالية، بمعنى أن السيدة المطلقة إذا دخل طفلها المستشفى وكان يحتاج لإجراء عملية، فلا بد من موافقة الأب، ولو بينهم مشكلات من الممكن أن يموت الطفل نتيجة لتعنت الأب".
*اسم مستعار