أحدث الأخبار
قبل نحو أسبوع توفيت إيمان شقيقة شيماء حمدي (32 سنة)، بعد معاناة مع مرض الفشل الكلوي، تاركة إياها في حالة نفسية سيئة لفقدانها أختها ولإصابتها هي الأخرى بالمرض نفسه.
لدى شيماء شقيقة ثالثة تدعى سمر مصابة هي الأخرى بمرض الفشل الكلوي، والذي زاد من وطأتِه ارتفاع أسعار الدواء في مصر، مؤخرًا.
تُعالج الفتاة الثلاثينية التي تقطن في حي الوراق، في مركز خاص لغسيل الكلى، بعدما فشلت كل محاولاتها للعلاج في مستشفى حكومي، واستطاعت الحصول على قرار بالعلاج على نفقة الدولة يوفر لها 200 جنيه، غير أنَّها تتكبد دفع 250 جنيهًا أخرى وهي فارق سعر جلسة العلاج في المركز الخاص، إذ أن سعر الجلسة الواحدة 450 جنيهًا.
تخصص شيماء1000 جنيه ميزانية شهرية لتكاليف جلسات غسيل الكلى التي تخضع لها، بالإضافة إلى مستلزمات كل جلسة على حدة، بينما يتحمّل "فاعل خير" بقية تكاليف علاجها.
أزمة نقص الدواء وارتفاع سعره خلال الفترة الأخيرة، أدت إلى ارتفاع مستلزمات جلسات غسيل الكلى، من 80 جنيهًا للجلسة الواحدة إلى 110 جنيهات في بعض المراكز الخاصة، وتصل إلى 150 جنيهًا في مراكز أخرى، بحسب شيماء التي قالت لـ"أصوات مصريّة"، إنَّها تعاني بشدة جراء ارتفاع أسعار الدواء، خصوصًا وأن جلسات الغسيل لا تكتمل بغير المستلزمات التي يدفع كلفتها المريض.
وقالت شيماء التي تخضع إلى 12 جلسة غسيل كلى في الشهر، إنَّ ارتفاع أسعار الأدوية دفع المركز إلى رفع سعر المستلزمات إلى 150 جنيهًا بعدما كانت تتكلف 80 جنيهًا، مضيفة "دفعنا أسبوع وبعدها بقينا بنلطم لحد ما صاحب المركز استجاب للمرضى وخفض أسعار المستلزمات إلى 110 جنيهات".
وعلى الرغم من إعلانه في أكثر من مناسبة عدم التطرق إلى أسعار الأدوية أو تحريكها، خرج وزير الصحة الدكتور أحمد عماد راضي، في 12 يناير الجاري، ، معلنًا رفع أسعار أكثر من 3 آلاف مستحضر من جملة أصناف الأدوية المتداولة في مصر ويبلغ عددها 12024 صنفًا، وفقًا للوزير، موضحًا أنَّ الزيادة ستكون بنسبة 30 إلى 50% في الأدوية المصنعة محليًا، و40 إلى 50% في أسعار الأدوية المستوردة.
مر يومان على القرار الصعب الذي خلق غضبًا واسعًا، حتى خرج الرئيس عبد الفتاح السيسي مصرحًا- طبقًا لبيان صادر من مؤسسة الرئاسة في 14 يناير- بأنَّه أكَّد ضرورة تشديد الرقابة على الأسواق وعدم المغالاة، موضحًا أنَّ الدولة رفضت زيادة أسعار جميع الأدوية من دون استثناء، واكتفت بعد الاتفاق مع شركات الأدوية على تحريك أسعار نحو 20% من أصناف الأدوية.
"الناس لا تكف عن الشكوى من زيادة الأسعار ونقص الدواء" بحسب أحمد قدري، صيدلي، والذي أوضح أنَّ هذا النقص في الدواء دفعه إلى تقليل صرف الجرعات لأصحاب الأمراض المزمنة حتى يستطيع تلبية طلب جميع المرضى.
قبل نحو ثلاثة أشهر لم تكن الصيدلية التي يعمل فيها "قدري" في حي الدقي، تلجأ لتقليل الجرعات التي يطلبها المريض، وتحديدًا قبل قرار البنك المركزي، مطلع نوفمبر الماضي، تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبيّة، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة العملة المحليّة أكثر من 50% مقابل الدولار.
كان البنك المركزي المصري، أعلن في 3 نوفمبر الماضي، تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية ما أدى إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع والخدمات.
وقدَّر "قدري" في حديثه لـ"أصوات مصريّة" عدد الأصناف الناقصة في سوق الدواء بما يفوق 2000 صنف تقريبًا، وفي القلب منها أدوية الأمراض المزمنة، لافتًا إلى أنَّه كان يصرف للمرضى ما يكفيهم من علاج لمدة شهر أو شهرين قبل أزمة نقص الدواء، بيد أن الأمر تغير تمامًا هذه الأيام: "الصرف بحساب فجميع المرضى يحتاجون العلاج، والأزمة تفاقمت حاليًا".
وأرجعت وزارة الصحة، قرارها برفع أسعار الدواء إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج واستيراد المواد التي تدخل في صناعة الأدوية، موضحةً أنَّ تأخر هذا القرار كان يعني اختفاء الأدوية من السوق وتوقف صناعة الدواء في مصر.
الرفع الأخير لأسعار الدواء زاد من معاناة فريدة محمد* إذ قالت لـ"أصوات مصريّة" إنَّها تتناول دواءً شهريًا بقيمة 366 جنيهًا، إضافة إلى حقنة تكلف 8 جنيهات ونصف الجنيه، شاكية ارتفاع سعر الدواء الذي تصرفه إلى 543 جنيهًا، والحقنة إلى 11 جنيهًا، فضلًا عن أنَّ هذه الحقنة لم تعد موجودة في السوق هذه الأيام والبديل المتوفر لها بسعر 23 جنيهًا.
"فريدة" تبلغ من العمر 27 عامًا وتعاني من الإصابة بمرض التهاب المفاصل الرماتويدي، وتصرف علاجًا شهريًا من الهيئة العامة للتأمين الصحي، إلّا أنَّ قيمة حصتها من العلاج في التأمين الصحي لا تغطي كلفة الدواء المستورد من الخارج، مشيرة إلى أنَّ فاعلية البديل المصري المتوفّر "ضعيفة للغاية".
قبل 15 عامًا أصيبت "أم حسام" (53 عامًا) بمرض السكري، ليجاوره بعد خمسة أعوام مرض الضغط، ومع تقدّمها في السن، أصبحت تعتمد على الأنسولين بشكل أساسي في علاجها، تقول: "أول ما أصحى باخد 25 وحدة أنسولين مقدرش آكل أو أشرب أو أعمل أي حاجة قبل ما أخد الحقنة".
في منتصف نوفمبر الماضي، اضطرت "أم حسام" إلى شراء كميات كبيرة من الأنسولين، تكفيها لبضعة أشهر، وذلك بعد أن أخبرها الطبيب المعالج، أن أزمة متوقعة ستؤدي إلى نقص الأنسولين في الأسواق.
تخزين الأنسولين جعل "أم حسام"، (ربة منزل) تشعر براحة كبيرة، فبالنسبة لها، لا بديل عن هذا الدواء، وفي حالة عدم توافره ستواجه خطر الإصابة بغيبوبة سكر، قد تودي بحياتها، مبدية تخوفها من أن تؤدي أزمة تحرير سعر صرف الجنيه إلى نقص في الدواء الذي تحتاجه بصورة يومية، أو غلاء سعره بصورة تجعلها غير قادرة على شرائه.
قرار وزارة الصحة برفع أسعار بعض الأدوية "سليم" في رأي الدكتور هشام الحنفي عميد المعهد القومي للسكر، وذلك خشية حدوث نقص في بعض الأصناف خصوصًا المستورد منها، وللحفاظ على وجود الدواء في السوق.
وأشار "الحنفي" في تصريحات لـ"أصوات مصريّة"، إلى أنَّ قرار "تعويم الجنيه" أثار مخاوف كبيرة لدى قطاع من مرضى السكري من ارتفاع سعر الدواء، وبدورهم سارعوا إلى شراء كميّات كبيرة من الأنسولين تكفيهم شهرين وثلاثة أشهر، ما أدى إلى نقص الدواء في الصيدليات خلال تلك الفترة.
ولفت إلى أنَّ علاج مرض السكري متوفر في الأسواق حاليًا، بعدما اطمأن المرضى إلى وجوده بصورة طبيعية بعد ارتفاع سعره.
وأظهرت دراسة أجرتها شركة "نوفو نورديسك" العاملة في علاج السكر وإنتاج الأنسولين، ونشرتها في 2016، أنَّ عدد مرضى السكري في مصر يبلغ نحو 7.8 مليون شخص، وهو ما يشكِّل نسبة 14.8% من البالغين.
وعلى الرغم من أن شرائح عدة في المجتمع ترى أن زيادة أسعار الدواء أضافت أعباء جديدة عليهم، غير أنَّ الدكتور أسامة رستم نائب رئيس غرفة صناعة الدواء في اتحاد الصناعات المصريّة، قال إنَّ تثبيت أسعار الأدوية على ما كانت عليه بعد "تعويم الجنيه" كان سيؤدي إلى توقف شركات عديدة عن الإنتاج يتبعه نقص في السوق، وخلق مناخ لنمو السوق السوداء وبيع الأدوية بأسعار كبيرة.
وأيّد "رستم" في حديثه لـ"أصوات مصريّة" قرار وزير الصحة الدكتور أحمد عماد راضي برفع أسعار الأدوية، واصفًا القرار بـ"الشجاع"، خصوصًا أنَّ مصر كانت في طريقها إلى دخول مرحلة "الجفاف الدوائي"، وبالتالي ظهور مشكلات كبيرة في الصيدليات لنقص أصناف عديدة.
وكشف أنَّ وزير الصحة مارس "جميع الضغوط" على شركات الأدوية التي طالبته برفع الأسعار بنسب أعلى من المعلنة، إلى أنَّ وصلا إلى اتفاق بتحريك أسعار 15% من الأدوية المحلية و20% من الأدوية المستوردة.
ولفت إلى أنَّ وزير الصحة اضطر إلى رفع أسعار 613 صنفًا من أدوية الأمراض المزمنة، تجنبًا لتوقف الشركات عن إنتاجها، خصوصًا تلك التي لا توجد بدائل لها، مشيرًا إلى أنَّ أدوية الأمراض المزمنة التي لحقتها الزيادة تمثل نسبة 5% من الأدوية المتداولة في مصر.
وفي مجلس النواب، أعلن رئيس لجنة الشؤون الصحية النائب محمد العماري، رفض اللجنة قرار الحكومة بشأن زيادة أسعار أدوية الأمراض المزمنة.
وأصدرت اللجنة توصياتها في هذا الشأن التي تضمنت: ضرورة الالتزام بقائمة الأدوية الأساسية للأمراض المزمنة وعدم تحريك أسعارها، والتزام الدولة بتوفير ـ146 صنفًا "المنقذة للحياة".
وقال العماري لـ"أصوات مصرية"، إنَّ التوصيات تضمنت كذلك دعم العلاج على نفقة الدولة بـثلاثة مليارات جنيه من موازنة علاج غير القادرين، وملياري جنيه من احتياطي الموازنة العامة للدولة، والإسراع بتقديم قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل.
ووصف رئيس لجنة الصحة في البرلمان، مفاوضات الحكومة مع شركات الأدوية بـ"الشاقة والمتعثرة"، التي وصلت في نهاية المطاف بعد تدخل من رئاسة الجمهورية إلى زيادة أسعار 20% من الأدوية المتداولة في السوق، لافتًا إلى مطالبة الشركات بزيادة القائمة كاملة بنسبة 100%.
رئيس المركز المصري للحق في الدواء محمود فؤاد قال إنَّ فئات كثيرة من المرضى تدفع ثمن قرار تحريك سعر الدواء، معتبرًا أن الحكومة المصرية لم تراع أي بعد اجتماعي عند اتخاذها هذا القرار.
وفي حديثه لـ"أصوات مصريّة" رأى فؤاد أنَّ مفاوضات وزارة الصحة مع شركات الأدويّة كانت "فاشلة"، وأنَّ هذه الشركات فرضت شروطها كاملة على الحكومة.
استخدمت الشركات المصنّعة للدواء في مصر أكثر من حيلة للوصول إلى قرار رفع أسعار الأدويّة، منها التوقف عن إنتاج بعض المستحضرات وتقليل إنتاج البعض الآخر، وبالتالي خلق أزمة نقص في الصيدليات والمستشفيات تؤدي إلى تصاعد شكاوى المواطنين، وهو الأمر الذي مثّل ضغطًا على الحكومة، وفق فؤاد.
وأشار رئيس المركز المصري للحق في الدواء، إلى وجود مغالطات كبيرة بشأن نسبة الأدوية التي شملها قرار زيادة الأسعار، موضحًا أنًّ هناك 13 ألف مستحضر مسجل في مصر، والمتداول في السوق خلال السنوات الست الأخيرة نحو 8 آلاف صنف فقط منها 2000 عقار ناقص، ما يعني أن قرار الحكومة بزيادة أسعار أكثر من 3 آلاف صنف انطوى على نحو 50% من الأدوية المتداولة في السوق فعليًا.
ويرى فؤاد أن الأزمة الكبيرة لم تبدأ بعد "نحن بصدد جولة أخرى من المفاوضات تبدأ في يوليو المقبل، ستسفر في الأغلب إلى زيادة أسعار ـ85% من الأدوية المحلية التي لم يشملها قرار الزيادة".
حل هذه الأزمة مستقبلًا- طبقًا لفؤاد- يتمثل في إنشاء هيئة مستقلة لصناعة الدواء، وسرعة إصدار قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل، مشيرًا إلى أنَّ نحو 37 مليون مواطن غير خاضعين لأي مظلة تأمينية.
واستاء فؤاد بعد اطلاعه على قائمة الأصناف التي شملتها الزيادة، مؤكدًا أنَّ النسبة الأكبر من الأدوية التي طالبت الشركات بزيادة أسعارها هي الأصناف الأكثر مبيعًا، دون غيرها.
وأرسل المركز المصري للحق في الدواء، مذكرة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، طالبه فيها بإعفاء أدوية الأمراض المزمنة وعددها 718 صنفًا من قرار الزيادة.
وفي أعقاب أزمة اختفاء عدد من الأدوية المستوردة من السوق، أعلن وزير الصحة، في نوفمبر الماضي، اتجاه الوزارة لاستيراد 146 عقارًا دوائيًا بتكلفة بلغت 186 مليون دولار سنويًا، وشملت الشحنة المستوردة أدوية حيوية تتعلق بمشتقات الدم، والأنسولين، وأدوية الأورام، والأدوية اللازمة لزراعة الكلى، والهرمونات.
ورأى الدكتور علي عوف رئيس شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية، أنَّ غياب الرؤية لدى الحكومة هو ما يؤدي دائمًا إلى خلق الأزمات، مشددًا على ضرورة وجود مظلة تأمينية لغير القادرين، وخصوصًا أصحاب الأمراض المزمنة.
وقال عوف لـ"أصوات مصريّة"، إنَّ الدولة اضطرت إلى تحريك أسعار 5% من أدوية الأمراض المزمنة، نظرًا لعدم وجود بدائل لتلك الأصناف لدى شركات القطاع العام، ولوجود مصانع لا تنتج غير تلك الأدوية.
وأجرت "أصوات مصريّة"، اتصالات عدة بالدكتور خالد مجاهد المتحدث باسم وزارة الصحة- وهو المخول بالحديث إلى وسائل الإعلام- دون رد.
* اسم مستعار بناًء على رغبة المريضة.