أحدث الأخبار
تعاني المرأة المصرية من أشكال مختلفة من التمييز ضدها، وتصنف مصر ضمن أسوأ 10 دول في مجال المساواة بين الجنسين، وهو ما دفع منظمات نسوية للمطالبة بالإسراع في إنشاء مفوضية مناهضة التمييز التي نص عليها الدستور الصادر قبل عامين.
ونصت المادة 53 من الدستور على أن "المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".
*صور مختلفة للتمييز
عانت زينب مبارك، خريجة كلية هندسة، من التمييز منذ التحاقها بقسم الطيران الذي يعد حكرا على الذكور، حيث لم يتجاوز عدد الإناث في دفعتها 6 طالبات من إجمالي 150 طالبا.
وكانت تسمع كثيرا عبارات من زملائها الذكور مثل "ده قسم صعب عليكوا" و"مش هتلاقوا شغل لما تخلصوا"، مشيرة إلى أنها اصطدمت بذلك الواقع عقب التخرج.
وقالت زينب مبارك، لأصوات مصرية، "شركات الطيران كانت بترفض تستلم السي في بتاعي لمجرد إني بنت وفي شركات تانية كانت بترفض لإني محجبة".
دفع الإحباط زينب لترك مجال دراستها والعمل في مجال آخر حتى قامت ثورة 25 يناير عام 2011، وتقول "كنت مؤمنة جدا بالثورة وقدرتها على التغيير واستقلت من شغلي في مجال الكول سنتر وجمعت زمايلي من دفعات هندسة اللي فاتت من خلال الفيس بوك ورحنا عملنا مظاهرة قدام وزارة الطيران".
وتضيف "الأمن رفض يخلينا نقابل الوزير وضربوا علينا غاز وبعد مفاوضات كتير قابلنا مسؤولين في الوزراء وكنت ممثلة البنات في المفاوضات وقالوا لنا إنهم هيعينوا 300 واحد مننا وهيجدولوا الباقيين".
وأشارت إلى أنها خضعت بعدها لامتحانات في اللغة والكمبيوتر والتأهيل النفسي لمدة عام كامل بدأت من أواخر عام 2011 واستمرت حتى 2012 وصفتها بأنها "تعجيزية"، وقالت "ورغم إني نجحت فيها كلها وضيعت سنة كاملة من عمري متمش اختياري في النهاية".
وأضافت "مسؤول كبير في وزارة الطيران قالي شوفي إنتي بنت مين واللي اتقبل ابن مين قلت له الكلام ده بجد قالي أنا بهزر معاكي بس".
وتابعت "الكلام ده إداني حافز لإني عرفت إني متقبلتش مش عشان أنا وحشة لكن عشان في معايير تانية للاختيار".
*مجتمع ذكوري
وترى زينب أن التمييز ضد الفتيات يعود إلى طبيعة المجتمع الذكوري الذي يرى أن "الست ملهاش غير بيتها وجوزها وممكن تشتغل مدرسة في حضانة أو أمينة مكتبة لكن مش مهندسة طيران".
وأشارت إلى أن تعرضها للتمييز لم يقتصر فقط على كونها "بنت ومحجبة" وإنما امتد كذلك لعرقها النوبي، قائلة "بسمع تعليقات طول الوقت بتبين قلة وعي الناس وعنصريتهم تجاه المجتمع النوبي".
وأضافت "الناس دايما بتبص للنوبي أنه أقل في المستوى التعليمي والاجتماعي ولازم يكون بيشتغل سواق أو بواب واسمه عثمان وعبده".
وأشارت إلى أنها اشتركت مع عدد من أصدقائها في عمل مبادرة للتعريف بالمجتمع النوبي قائلة "بنعرض نماذج ناجحة للنوبيين وبنقول للناس إن في منهم دكاترة ومهندسين وقضاة وبرلمانيين عشان نغير النظرة المجتمعية لهم".
و"كوما" مبادرة اجتماعية، تأسست عام 2014 هدفها تغيير الصورة الذهنية عن المجتمع النوبي من خلال إقامة فعاليات تعكس الصورة الكاملة للمجتمع وما يحتويه من تنوع واختلاف ثقافي بداخله، ويتجاوز عدد متابعيها عبر فيس بوك 11 ألف شخص.
ولا ترى زينب أن مفوضية مناهضة التمييز يمكنها أن تحل المشكلة قائلة "معتقدش إنها هتعمل تأثير كبير ما إحنا عندنا قانون ضد التحرش من كام سنة ورغم كده التحرش لسه مستمر لأن مفيش تفعيل للقوانين".
وأضافت "لازم الناس تغير طريقة تفكيرها ونظرتها للمرأة عشان التمييز اللي بتعاني منه ينتهي".
*المناصب القضائية
ولا تزال بعض المناصب القضائية حكرا على الرجال، رغم نص المادة 11 من الدستور على حق النساء في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها.
وقالت "أمنية جاد الله"، خريجة كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إنها تحاول منذ أكثر من عامين أن تحصل على حقها في التعيين في مجلس الدولة دون جدوى، رغم تخرجها بتقدير عام امتياز، وحصولها على دبلوم في القانون العام.
وأضافت "النص الدستوري هيفضل متعطل لو استمر التعنت غير المبرر تجاه المرأة".
وأشارت إلى قيامها بعمل تظلم بمكتب رئيس مجلس الدولة، هي وأكثر من 20 فتاة، في 18 يناير 2014 وتحريرهن محضرا بقسم الدقي في نفس اليوم.
ولم تتوقف أمنية عند هذا الحد، وأقامت دعوى قضائية بتاريخ 30 مارس 2014، للطعن على قرار مجلس الدولة بالامتناع عن تسليم الخريجات ملف شغل وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، قائلة "كان مجلس الدولة هو خصمي وحكمي في نفس الوقت".
وفي مايو 2015 صدر تقرير المفوضين برفض الدعوى، وعدم أحقية المرأة في التعيين.
وتقول أمنية "رفض تعيين المرأة في المناصب القضائية مخالفة صارخة للدستور، وانتهاك لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص".
لم تكن أمنية الفتاة الوحيدة التي رُفض تعيينها في منصب قضائي، حيث أقامت شيماء عادل، حاصلة على ليسانس حقوق جامعة المنوفية، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة عام 2013، طالبت فيها بفتح باب التعيين للمرأة قاضية بمجلس الدولة.
ورغم هذه الدعاوى وغيرها عين مجلس الدولة دفعة 2013، في 18 سبتمبر 2015، واقتصرت على الذكور فقط بموجب القرار الجمهوري رقم 356 لسنة 2015.
وأشارت أمنية إلى أنها قامت بالطعن على ذلك القرار الجمهوري الذي نص على تعيين 243 مندوبا مساعد بمجلس الدولة واقتصر على الخريجين الذكور فقط، وتم تحديد جلسة لنظر الطعن يوم 1 يونيو المقبل.
وقالت أمنية "إن شاء الله تتحجز يومها لكتابة تقرير المفوضين ثم عرضها على هيئة المحكمة لاحقا لكن المشكلة إن التقرير ده استشاري مش إجباري".
*صلاحيات واسعة
وقالت سلمى النقاش، باحثة في مركز نظرة للدراسات النسوية، لأصوات مصرية، إن ما تقابله الفتيات والنساء في مصر من تمييز صريح يستدعي الإسراع في إنشاء المفوضية للدفاع عن حقوقهن المهدرة.
وأضافت "لازم المفوضية يكون لها صلاحيات واسعة وشبه قضائية عشان متتحولش لمجرد مكتب شكاوي، وتلجأ لها أي سيدة تعرضت للتمييز خاصة في مجال العمل والترقي".
وطالبت بأن تكون المفوضية مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية وتخضع لرقابة أعضاء مجلس النواب باعتبارهم ممثلين عن عموم المواطنين.
وقالت "المفوضية هتقدر توثق حالة التمييز وترفع تقريرها لمجلس النواب عشان ياخد إجراء لصالح اللي وقع عليها التمييز".
وأشارت إلى أن مركز نظرة طرح تصورا تشريعيا كاملا لإنشاء المفوضية يحدد ملامحها العامة وصلاحياتها وكيفية عملها قبل عامين، قائلة "عملنا ندوات لمناقشته وقدمناه لممثلين عن المجلس القومي لحقوق الإنسان ووزارة العدل والقانون متعطل لحد دلوقتي في انتظار إقراره من البرلمان".
*المنظومة الأبوية
وترى سلمى النقاش أن التمييز ضد المرأة يعود إلى "المنظومة الأبوية" في المجتمع، والتي تفرض الوصاية على السيدات وتحصرهن في أدوار محدودة في المجال العام قائلة "المنظومة دي بتشوف أن الستات ينفع يشتغلوا بس مش مينفعش يبقوا في مواقع صنع القرار، وأن الست تقدر تنتج لكن متقدرش تدير مصنع أو شركة".
وأشارت النقاش إلى أنه برغم نص الدستور على المساواة وتجريم التمييز إلا أن المشكلة الحالية في التطبيق، قائلة "على سبيل المثال مجلس الدولة لحد دلوقتي رافض تعيين السيدات بشكل تعسفي".
*استحقاق دستوري
وكانت منظمات نسوية في مقدمتها مؤسسة قضايا المرأة المصرية ونظرة للدراسات النسوية ومؤسسة المرأة الجديدة، أصدرت بيانا مشتركا مطلع الشهر الجاري يطالب بحق النساء في تولي مختلف المناصب العامة والقضائية.
كما طالبت المنظمات خلال البيان بالإسراع في إقرار مفوضية مناهضة التمييز من قبل مجلس النواب كأحد الاستحقاقات الدستورية، وفتح حوار مع المجلس القومي لحقوق الإنسان من أجل وضع تصور واحد خاص بالمفوضية ومطالبة نائبات مجلس النواب بتبني ذات التصور.
*القانون أمام البرلمان وقال جورج إسحق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، لأصوات مصرية، إن وفدا من المجلس القومي لحقوق الإنسان ذهب إلى البرلمان الاثنين الماضي وقدم مشروع قانون منظم لإنشاء مفوضية مناهضة التمييز أعدته د. منى ذو الفقار عضوة المجلس.
وأضاف "سنقوم بالدعوة لعمل حوار مجتمعي حول القانون حتى يتم إقراره".
وعن تأخر إنشاء المفوضية رغم مرور عامين على النص الدستوري أشار إسحق إلى ارتباطها بإصدار البرلمان لتشريع خاص بإنشائها، قائلا "البرلمان كان المفروض يشتغل على القوانين المكملة للدستور بعد ما يخلص اللائحة والانتخابات الداخلية واهو يدوب بدأ يشتغل وقدمنا لهم تصورا للقانون".
وقالت النائبة مارجريت عازر، لأصوات مصرية، إن البرلمان سيناقش المشروع المقدم في جلسته العامة يوم الأحد القادم، وأنه من الاستحقاقات الدستورية ذات الأولوية بالنسبة لهم.
وأضافت "المفوضية لما تتعمل هتحد من ظاهرة الاضطهاد والتمييز بكل أشكاله، وسيتم معاقبة كل من يخالف الدستور الذي أكد على حق المساواة ومنع التمييز".